موجة عالية من الترجمة تغمر مئات النصوص العربيّة تمتد..

تُرى ما هي المقوّمات التي تجعل منتدىً أدبيا ً يتميّز عن سائر المنتديات خصوصاً وأنّ الأدب _ على تعداد أجناسه _ يعاني التكرار واجترار النفس، فكيف سيكون حاله مع عالمٍ ألكتروني ممتلئ بالمنتديات التي تحمل في كثير من الأحيان نسخاً ألكترونيّة موحّدة،

تتضمن العدد ذاته من الأبواب والأركان.. ربما يبقى حلّ تلك المسألة وقفاً على المادّة التي يقدّمها منتدى ما، وعلى ما يمكن تسميته بـ الهدفيّة في ذلك التقديم..
(من المحيط إلى الخليج) منتدى أدبيّ استطاع خلال شهورٍ معدودة أنْ يضمّ أقلاماً عربيّة مختلفة، محققاً مقولةَ وحدةٍ عربيّة قد يراها الكثيرون مجرد أسطورة تردّد في الأناشيد الوطنيّة تحت شعار (من المحيط إلى الخليج).

هوية شخصيّة..
تأسّس المنتدى الذي يضمّ كتّاباً من أقطار الوطن العربي كافّة باستثناء موريتانيا والصومال وجيبوتي في السادس والعشرين من شهر نيسان عام 2006، ويتكوّن المنتدى من اثنين وثلاثين ركناً، يشرف عليها عدد من الأدباء الذين يتغيّرون تبعاً لسياسة معيّنة تقرّها الهيئة الإداريّة العليا للمنتدى. الأركان متنوعة بين المقال السياسي والخبر الصحفي والقضايا الاجتماعيّة والقصّة والشعر والنقد والرواية والشعر الشعبي، وهنالك ركن خاصّ بالمكتبة، وركن للكاريكاتير، وواحد للأدب العالمي، وآخر للترجمة.
عدد أعضاء المنتدى جاوز السبعمئة وخمسين عضواً وهو يشهد في الشهور الأخيرة حركةَ ترجمةٍ يميّزها أنّها طوعيّة..

و بهذه المناسبة كان لنا وقفات مع بعض القائمين على المنتدى.

*الأخ الكبير..
"ظهرت الفكرة للنور نتيجة ردّة فعل على فصلي من أحد المواقع التي كنت أشعر أنها قائمة على المعاملة غير اللائقة"، هذا ما تحدث به مصطفى مراد الكاتب والصحفي الفلسطيني مؤسس منتدى (من المحيط إلى الخليج)، والملقّب بـ (الأخ الكبير)، وأضاف "ما شجعني هو إلحاح بعض الأصدقاء العرب، وكنتُ سابقاً أرفض لخشيتي من متاعب ترافق أي عمل ثقافي، واعتقادي أنّ امتلاك منتدى يحتاج لتكاليف عالية"، أما بخصوص المشروع الورقي فينفي مراد الفكرة معتبرا ً أنها بحاجة لدعم جهات حكومية كون الطباعة الورقية مكلفة كثيرا ً، إضافة لتكلفة التوزيع.
جملة الباحث الفلسطيني هشام شرابي تقول: "لماذا لا نتعاون طالما أنّ التعاون هو في مصلحتنا جميعاً"، وهذا ما فعله مراد مع الأعضاء القادرين على الترجمة، وباشروا العمل، أما معايير انتقاء النصوص المراد ترجمتها، فراعت أن تكون تلك النصوص للأعضاء الناشطين، وأن تشمل الوطن العربي الكبير، إضافة إلى وجود أسماء بارزة، ومن الضروري أن يتم اختيار نصوص من إبداع أصحابها، من أجل زيادة أهمية الكتاب المترجم.
 ويعترف مراد أنّ همَّه الأساسي ليس ثقافياً إنما قومي وطني، وهنا تكمن أهمية ترجمة هذا الكم من النصوص إلى لغات أجنبية، وفي هذا "عمل وحدوي جبار" لأنها تجمع عددا ً من الكتّاب العرب، على اعتبار الثقافة رافداً أساسيّاً، حيث "تطرح الهم الإنساني للفرد العربي أمام القارئ الأجنبي، وهو أمر على درجة كبيرة من الأهمية"، وهذا ما سيعطي ثماره مستقبلاً.
حتى الآن صدر كتابان الأول بالفرنسية ترجمه إبراهيم درغوثي والآخر بالإيطالية ترجمة د.أسماء غريب، أما اللغات الأخرى فلها نصيب من الترجمة عبر كتبٍ عشرة، وتتراوح بين الإنكليزية والفارسية والألمانية والسويدية، ولغات أخر يعمل على ترجمتها كل من فوزي شلبي(الأردن)، د.يوسف شحادة(فلسطين)، ثورة الرزوق(سوريا)، سعاد العلس(اليمن)، هادية العبدلله(لبنان)، وليد عيساوي(فلسطين)، د.محمد شادي كسكين(سوريا)، سعيد الجندوبي(تونس)، والمولدي فروج(تونس)، إضافة لموجة نقدية باشرت اكتساح شواطئ المنتدى عبر كتبٍ خمسة مبدئياً أخبر عنها مراد.

إشراف تقني زائد إدارة عامّة..
"الحقيقة أنَّ نسخة المنتدى فقيرة بالميّزات قياساً بغيرها، لكن ذلك لم يؤثر في نجاحه نظراً للحراك الإبداعي الذي يعمّه هذا ما قاله الشاعر السوري حسن الراعي، مشرف (من المحيط إلى الخليج) التقني، ولم ينفِ أنهم سيسعون للحصول على نسخة تحقق المتطلبات.
ولا يُسمّي حسن الراعي _المدير العام للمنتدى أيضاً_ ما يحدث فيه موجةَ ترجمة، بل يقول "إنّها حركة طبيعيّة دائمة، توازي حركة الكتابة"، ويؤكد أنّها تضيف الكثير للمشهد الثقافي بعامة، وللمنتدى بخاصة، فهي تضيف إلى حصيلته الثقافية الكثير، وتمنحها بعداً إنسانياً بعيداً عن الانغلاق.

تاج مغربي على رؤوس الأعضاء..
سأل رجلان سقراط عن الناس في أثينا، فقال سقراط للأول: وكيف تجد الناس في بلدك ؟ فردّ: هم صورة للخيرة، فقال سقراط: وكذلك الناس هنا في أثينا، ثمّ سأل الثاني السؤال نفسه فأجاب: الناس في بلدي أشرار، حينها أجاب سقراط: وكذلك الناس هنا في أثينا أشرار يا صديقي، فأعضاء المنتدى _ كما يراهم مشرفهم في المنتدى، الكاتب المغربي عمري علوي ناسنا _ "لا يفدون بسلال فارغة"، والمهم برأيه تقبّل العضو لآراء الغير حول ما يكتب، سواء في حال قيل له إنّ ثمارك فجة، أو إنّ بستانك قصيدة للجمال، فنجاح تجربة المنتدى "رهنٌ بهذا العناق بين الشياطين والملائكة"، ويضيف أنّ مبدأه في التعامل مع الأعضاء هو الصدق، فـ " الملابس الجاهزة ممنوعة، والأقنعة نحسن تقشيرها سريعاً "، ولدى سؤاله عن نوعية الأعضاء أجاب: هي نوعيّة ديناميكية تأخذ صورتها أحياناً من كاريزما العضو، وأحياناً من طبيعة الركن، وفي الحالتين نزعم أنّ العضو حر في منتدانا، لذا فهو نوعي بقدر قدرته على رسم حضوره الخاص، "اكبر بعيداً عن ظل الآخرين، هكذا نحبك "، هذا هو شعار النوعيّة هنا، غير أنّ قوتنا تكمن في شجاعة الاعتراف بالخطأ، فنحن لسنا كاملين، لذلك لا ننصب أنفسنا آلهة تشرّع المقاييس، ووحده التراكم هو مَنْ يجلي صورة العضو.

جسر المنتدى إلى العالم..
 وفي حديث مع الصحفي التونسي صالح سويسي حول عمله كمدير للعلاقات العامة في المنتدى، تحدث عن سعيه مع المدير العام والمشرف التقني ومشرف الأعضاء للتعريف بالمنتدى عبر القنوات الإعلاميّة الممكنة.
"لا يهمّنا أنْ يُسجِّلَ عضو بقدر ما يهمّنا أنْ يستمرّ ويكونَ فاعلاً"، فالمسألة لا تقاس بالعدد، بل بجودة ما يُنشر في المنتدى، ومن الملاحظ أنّ المنشور يعبّر عن راهن ثقافي عربي واحد.. لعلّ الكثيرين لاحظوا ما يتعرّض له المنتدى من هجمات غير بريئة، وفي ذلك دلالة على أنّنا نسير في الطريق السليم، ورغم أنّ المنتدى لم يُكمل سنته الثانية بعد، إلاّ أنّ العدد الحالي مع الجودة العالية الموجودة، بالإضافة إلى الإنجازات الكبرى في مجالي الترجمة والنقد، تجعلني شخصياً أرى أننا ننحت لمنتدى عالمي لا عربي فحسب، وتجعلني متفائلاً جداً بمستقبل هذا المنتدى.

ترجمة طوعيّة وهدف سام ٍ..
" يظلّ الأدب العربي قديمه وحديثه مجهولاً لدى القرّاء في العالم، ما عدا استثناءات قليلة جداً... لذلك كنتُ واحداً ممن اجتهد في هذا الباب "، هذا ما أجاب به الأستاذ إبراهيم درغوثي نائب رئيس اتحاد الكتاب التونسيين لدى سؤالنا له عن هدفه من ترجمة نصوص عربية إلى الفرنسيّة، وأعاد ذلك لأسباب عدّة منها إهمال فكرة الارتقاء بالأدب العربي لمصاف آداب العالم، معتبراً تجربة المملكة العربية السعودية التي تُرجم فيها القرآن إلى أكثر لغات العالم، من أقوى التجارب في هذا الإطار.
و اجتهاد الأستاذ درغوثي "فردي" كما وصفه، قام به مواطن عربي هاوٍ لهذا الفن النبيل الذي يتطلب الجهد والمال، والعمل ضمن مجموعات، فمن المفروض وجود مُراجع ليصحّح ما وقع من هنات، لكنّه قام بهذا العمل المضاعف بمفرده.
و بما أن الكلام عن عالمٍ الكتروني موازٍ لعالمنا هذا، فمن المنطقي إذن أنْ يكون نجاح منتدى ما، وقفاً على ما يمكن أنْ يضيفه إلى الثقافة العربية من جديدٍ قيّم.

نادين باخص، (موجة عالية من الترجمة تغمر مئات النصوص العربيّة تمتد..)

 نشر هذا التحقيق في ملحق صحيفة تشرين السورية الثقافي، العدد 10022 (11/2007)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon