تقارير المجتمع المدني حول اتفاقية السيداو

معلوماتي المؤكدة تقول إن التقرير الحكومي بشأن التقدم المحرز في تنفيذ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة قد وصل الآن إلى اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة المسماة (لجنة السيداو) في نيويورك،

 وإن الجهات المعنية وهي المجلس الأعلى للمرأة ووزارة الخارجية أرسلت نسخة مطبوعة من التقرير. ولا تزال اللجنة تنتظر نسخة إلكترونية لتقوم بترجمة التقرير إلى اللغات المعتمدة لدى الأمم المتحدة ومن ثم تنشره على الصفحة الإلكترونية (womenwatch.org).

وبحسب الاتفاقية فإن الدول الأطراف ملزمة بتقديم تقرير أولي (Initial Report) بعد سنة من التوقيع أو التصديق على الاتفاقية، ثم بعد ذلك تقدم التقارير كل أربع سنوات إلا إذا أوصت اللجنة دولة ما بتقديم تقرير مكمل في فترة لاحقة يتعلق بقضية أو قضايا أساسية لم تقتنع فيها اللجنة بوجهة النظر الحكومية ورأت ضرورة متابعتها في أقرب فرصة وعدم الانتظار أربع سنوات أخرى. وبناءً عليه كان من المفترض أن تقدم حكومة البحرين التقرير الأولي في يوليو/ تموز عام ,2003 والتقرير الثاني عام .2007 لكنها ولأسباب عدة قررت تقديم التقريرين في وقت واحد، وهو أمر متبع لدى الكثير من الدول الأطراف في الاتفاقيات الدولية وتقبله اللجان المعنية على مضض.

وفي اعتقادي ان هذا العرف يشكل مخرجاً للحكومات التي لم تنجز أي تقدم يذكر من جهة تنفيذ الاتفاقية الدولية.يختلف التقرير الأولي من حيث الشكل والأهمية عن بقية التقارير التي تليه. فهو يهدف إلى تقديم صورة شاملة ودقيقة وواضحة عن الإطار القانوني والاجتماعي والسياسي في البلد المعني، كما يصف بدقة أوضاع المرأة في جميع تلك الميادين. وبالتالي فإنه يشكل الأرضية الأساسية لقياس التقدم المحرز في أوضاع المرأة بعد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ على المستوى الوطني. وبينما يكون التقرير الأولي كبيراً بسبب احتوائه على تفصيلات دقيقة، يكون التقرير الدوري أقل تفصيلاً وبالتالي أقل في عدد الصفحات. وهو يستعرض التطور المحرز في أربع سنوات إلى جانب تشخيص أهم العراقيل التي واجهتها الدولة في تنفيذ الاتفاقية، والآليات والوسائل اللازمة التي تعتزم الدولة اتخاذها لتخطي تلك العراقيل مستقبلاً.

وتوصى لجنة (السيداو)، شأنها في ذلك شأن بقية اللجان المعنية بالاتفاقات الدولية، بضرورة إشراك منظمات المجتمع المدني في جميع مراحل إعداد التقارير الوطنية. ولكن مما يؤسف له أن بعض الدول الأطراف ومنها غالبية الدول العربية تتجاهل ذلك. وبعضها يلتف على ذلك بإشراك منظمات المجتمع المدني في المراحل الأولية من إعداد التقرير وخاصة مرحلة جمع المعلومات. كما تتحاشى الكثير من الدول إشراك تلك المنظمات في الدورات التدريبية التي تقيمها لتأهيل الكوادر الحكومية المسؤولة عن إعداد التقرير.

وبهذا الشأن أتساءل عن عدد الدورات التي أقامها المجلس الأعلى بصفته مسؤولاً عن إعداد التقرير الحكومي ومدى حرصه على إشراك ممثلين عن المجتمع المدني فيها، وعن مدى مشاركتهم في الإعداد بجميع مراحله. وبالمناسبة فإن اشتراك ممثلين عن جمعيات المجتمع المدني في إعداد التقارير الحكومية لا يسلبهم الحق في إعداد تقارير الظل أو التقارير البديلة التي تبين وجهة النظر الخاصة بهم.وتعلق لجنة (السيداو) أهمية خاصة على تقارير المنظمات غير الحكومية وفي مقدمتها المنظمات النسائية والحقوقية، ذلك لكون تلك المنظمات أكثر قدرة على التواصل مع المجتمع ورفع مستوى الأفراد وأكثر إصراراً على احترام حقوق المرأة، ولقدرتها على كشف أوجه القصور في تنفيذ الاتفاقية من الناحية الدستورية والقانونية، وكشف الآثار السلبية للتشريعات أو الأجهزة ذات العلاقة كالجهاز القضائي على حقوق المرأة. وأخيراً لحرص المنظمات غير الحكومية على تكوين رأي عام ضاغط ضد التشريعات المقيدة لحقوق المرأة أو تلك التي تقنن التمييز ضدها.

وتنقسم تقارير المنظمات غير الحكومية إلى نوعين هما تقرير الظل (shadow report) والتقرير البديل (parallel report). وعلى رغم ضيق مساحة الفرق بين النوعين، يمكن القول إن ‘’تقرير الظل’’ ينجز بشكل موازٍ للتقارير الحكومية وتعتبر رداً عليها وذلك في حال تمكن المنظمات من الإطلاع على التقرير الحكومي. أما التقرير البديل فتعده المنظمات دون أن تطلع على التقرير الحكومي، وعادةً تذكر المنظمات السبب في حال عدم إطلاعها على التقرير الحكومي.

ويمكن للمنظمات كل على حدة أن تقدم تقاريرها أو أن تتعاون مع بعضها في تقديم تقرير واحد يبين وجهة نظرها وهذا ما يحدث في البحرين حيث تكونت لهذا الغرض لجنة تنسيق بين الجمعيات النسائية والحقوقية. وبما أن تقرير البحرين لم ينشر إلى الآن على الصفحة الإلكترونية للمجلس الأعلى للمرأة ولا صفحة لجنة السيداو يتوقع أن يكون تقرير المنظمات البحرينية تقريراً بديلاً، وهذا لا يسقط حق أي منظمة أخرى أو مجموعة من المنظمات من تقديم تقرير ظل في حالة تمكنها من ذلك في الوقت المناسب. كما يمكنها كذلك اختيار موضوع محدد كالعنف ضد المرأة أو المشاركة السياسية للمرأة أو غيرها من المواضيع التي تراها أكثر أهمية من غيرها وتقدم تقريراً بشأنها.

ويطلب من المنظمات غير الحكومية في بداية تقريرها إبداء رأيها في درجة التعاون بينها وبين الجهة الحكومية المسؤولة عن إعداد التقرير الحكومي. ويمكن أن يقسم التقرير إلى ثلاثة أقسام رئيسة. يتناول الجزء الأول الإنجازات أو الحدود في هذا المجال ويحلل إبقاء الحكومات على تحفظاتها أو سحبها لها. كما يشير إلى المهام التي أنجزتها تلك المنظمات في المجالات ذات الصلة. ويتناول الجزء الثاني المجالات ذات الأولوية ومدى ملاءمة القوانين المتعلقة بالحقوق الأساسية للمرأة في مختلف المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحماية المرأة من العنف. ويتطرق الجزء الثالث إلى الإشكاليات والمعوقات. وفي الخاتمة يلخص التقرير توصيات المنظمات ووجهة نظرها في التغلب على ذلك وخاصة فيما يتعلق بالأولويات والإشكاليات التي عرضها التقرير.

وتوصي لجنة السيداو بأن تتوخى التقارير التركيز والإيجاز فيما يتعلق بالتطورات التي ساهمت الحركة النسائية والحقوقية في تحقيقها في رصد تنفيذ الاتفاقية ومتابعتها، والتركيز على المشاكل والمعوقات وفقاً لمواد الاتفاقية. كما توصي كذلك بتوخي المصداقية والموضوعية من خلال وصف المشاكل وتحليلها وتقديم البيانات الثبوتية والشهادات أو الدراسات الميدانية والإحصاءات وغيرها، بالإضافة إلى تلخيص أهم القضايا التي ترغب المنظمات أن تلفت إليها نظر لجنة السيداو، والتأكيد على إمكان الحلول وتأثيراتها الإيجابية على وضع وحياة المرأة والمجتمع، وضرورة تقديم توصيات ملموسة واقتراحات محددة وقابلة للإنجاز من طرف الحكومة.

يبقى أن نذكر أنه يتوجب على الطرف الحكومي المسؤول عن إعداد التقرير إتاحة الفرصة لمنظمات المجتمع المدني للإطلاع على التقرير الحكومي في أقرب فرصة وتمكينها من إنجاز تقارير الظل الخاصة بالاتفاقية، وخاصة أنه سبق للمجلس الأعلى للمرأة أن وعد بنشر التقرير. نأمل أن يتم ذلك قبل أن تنشره لجنة السيداو على صفحتها الإلكترونية ويصبح الأمر محرجاً للمجلس ومثاراً للنقد على اعتبار أنه لا يحقق مبدأ الشراكة والشفافية التي طالما تغنى بها المسئولون الحكوميون وتناسوا وضعها على أرض الواقع العملي.

سبيكة النجار، (تقارير المجتمع المدني حول اتفاقية السيداو)

تنشر بالتعاون مع بوابة المرأة في البحرين، عن جريدة الوقت (8/11/2007)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon