مشروع قانون الأحوال الشخصية (2) من منظور سيداو (4)

تتتالى المشاريع القانونية المتعلقة بالأسرة لتبقى في دائرة قانون الأحوال الشخصية الحالي وتظل مهما روتشت وزخرفت نسخةً معدلةً عنه في إرادةٍ ضمنيةٍ أو ربما علنيةٍ في التصميم على القانون نفسه الذي يحمل تمييزاً واضحاً ضد المرأة والمجتمع.

فهاهو مشروع قانون الأحوال الشخصية (2) يأتي بعد الصدمة الأولى التي تلقاها المجتمع من المشروع (1) بوجه آخر للمضمون نفسه مع بعض التعديلات الطفيفة.والتي تعد ايجابيةً نوعاً ما من مثل ما جاء في المادة الأولى والتي عرفت الزواج على أنه حياة مشتركة وبذلك شطبت كلمة عقد نكاح وأكدت على نوع العقد القائم بين رجل وامرأة فتقول المادة 1:
"الزواج عقد ما بين رجل وامرأة تحل لها شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل".
وكذلك ماورد في المادة 16 والتي تحدد سن الزواج حيث رفعت السن لكل من الرجل والمرأة والتي تقول: "تكمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر."

لكن ذلك التحديد بالسن لم يأت مطلقاً حيث جاء في المادة 18 أنه :
1- "إذ ادعى المراهق البلوغ بعد إكماله السابعة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الخامسة عشرة وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما".

هذه من النقاط الايجابية التي برزت في المشروع (2). لكن لا تزال هنالك الكثير من المواد التي أتت مجحفةً كالعادة بحق المرأة من حيث الطلاق بالإرادة المنفردة وتعدد الزوجات الذي اشترط به المساواة في المساكن وأيضا التعابير المتعلقة بالمرأة الموطوءة وكذلك الناشز وموضوع الإرث والطلاق التعسفي والولي في الزواج ، والطلاق لعدم التكافؤ، والقوامة المقتصرة على الذكور، وغيرها من المواد القانونية التي لاتزال قاصرةً عن بلوغ ما تبنته اتفاقية سيداو (اتفاقية إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة) والتي صادقت عليها سورية وبالرغم من تحفظها على بعض البنود والمواد إلا أنها ملزمة على الأقل بالمواد التي تبنتها عندما لم تتحفظ عليها وهي التي تعترف بالحقوق المساوية للمرأة والرجل من مثل ما جاء في المادة (3) من الاتفاقية والتي تقول: "تتخذ الدول الأطراف في جميع الميادين ولا سيما الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية كل التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين وذلك لتضمن لها ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتمتع بها على أساس المساواة مع الرجل".

وبما أن على الدول الأطراف تحقيق البنود والمواد التي صادقت عليها لذلك يقتضي على الأقل تعديل أو تغيير المواد القانونية المحلية والوطنية التي تعارض ما جاء في الاتفاقية أو تعارض تطبيقها.

ومن المعروف أن الاتفاقيات التي تصادق عليها الدول تأتي في مرتبة أعلى من القوانين الوطنية وأدنى من الدستور.ما يعطي الأولوية أمام المحاكم والقضاء وكذلك المشرعين لتطبيق الاتفاقيات على القوانين المحلية فكان من الأجدى بتلك المشاريع القانونية والتي تتتالى وراء بعضها بأن تلحظ الاتفاقيات الدولية التي تلزم الدولة بالتطبيق ولو أن هذا الالتزام هو من نوع أدبي ولا تفرض مقابله عقوبات.

وما يثير الاستغراب إنهاء العمل بالقانون رقم (31) تاريخ 18-6-2006 والمتعلق بقانون الأسرة للطوائف الكاثوليكية مما يعني تدخلا غير مفهوم من السلطات التشريعية في الطوائف الدينية واستغرابنا ليس بمعنى المطالبة بقوانين للطوائف بل ما نحتاجه هو قانون أسرة عصري لجميع السوريين باختلاف أديانهم لكن المشكلة أن تلغى قوانين جيدة ملاحظة للاتفاقيات الدولية وحقوق الطفل والمرأة والأسرة كالقانون رقم (31) دون أن يكون هنالك بديل يعادله من حيث القيمة القانونية والسمو الإنساني.ما يعني تدخلا غير مبررا وإجحافا بحقوق المواطنين السوريين المطالبين بالتغيير بما بناسب التطور الحضاري والاجتماعي.

عندما تحفظت سورية على بعض مواد الاتفاقية بدأنا نعمل بأمل إزالة التحفظات وهذه رغبة كانت واضحة من الحكومة أيضا لكن مانراه على أرض الواقع أن هنالك رغبة بالتنحي عن هذه الاتفاقية لتبرز مقابل لها الحركات الدينية والتحزبات لأفكار تشد المجتمع إلى الوراء وتعرقله عن النمو الطبيعي، فهل نأمل بقانون جديد يحمل في طياته الحلم لأسرة سورية متجانسة وقوية أم نرحل نحو قوانين طائفية لكل قانونه ودولته...؟


رهادة عبدوش، (مشروع قانون الأحوال الشخصية (2) من منظور سيداو)

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon