الطعنة الأخيرة في جسد زهرة العزو

أسدل القضاء السوري الستار على قضية شغلت الرأي العام السوري في السنتين الأخيرتين وهي قضية مقتل الفتاة زهرة العزو بطريقة همجية في العام 2007 على يد شقيقها. وذلك عندما أصدرت محكمة الجنايات الثانية حكمها بمنح المجرم الدافع الشريف وأطلقت سراحه بعد سنتين ونصف فقط على توقيفه وفقا للمادة 533 من قانون العقوبات السوري وبدلالة المادة 192. وبذلك يسجل هذا الحكم خيبة أمل جديدة للنشطاء والمدافعين عن حقوق المرأة السورية الذين كانوا يعولون على هذه القضية بأنها قد تؤسس لمرحلة جديدة من التعاطي مع مثل هذا النوع من الجرائم المرتكبة تحت ذريعة ما يزعم بأنه "شرف" في القضاء السوري.

الحكم الذي صدر عن المحكمة يوم الخميس 29 تشرين 1 2009 يضاف إلى سلسلة الأحكام التمييزية التي درجت عادة القضاء السوري على إصدارها في هذه الجرائم دون أن يسجل أدنى تغيير أو اختلاف عما سبقه من أحكام، فحيثيات الحكم لم تتطرق إلى المادة 548 التي طالما شغلتنا مدة طويلة بوصفها حامية للمجرمين والقتلة وإنما ذهب الحكم نحو المادة 533 بدلالة المادة 192 من قانون العقوبات التي تمنح الدافع الشريف الذي يمكن تفسيره على أكثر من وجه استناداً لاجتهاد محكمة النقض "إن الدافع الشريف عاطفة نفسية جامحة تسوق الفاعل إلى ارتكاب جريمة تحت تأثير فكرة مقدسة لديه بعيدة كل البعد عن الأنانية والأثرة، منزهة عن الحقد والانتقام وعن كل ما فيه مصلحة فردية أو عاطفة خاصة أو غاية شخصية"
فهل يمكن القول اليوم وبعد صدور الحكم بأن المظلة الواسعة للدافع الشريف تشمل هذه الجريمة البشعة، وأين التنزه عن الحقد والانتقام والغايات الشخصية في جريمة زهرة وهو القاتل الذي عاش في منزل شقيقته ثلاثة أيام متتالية حتى سنحت له الفرصة عندما خرج زوج شقيقته تاركا إياه في المنزل، فأجهز على شقيقته ليمزق جسدها بطعنات يقطر منها الحقد والغل والهمجية!!! أي دافع شريف هذا وأي حكم يمكن أن يعيد لنا الثقة بقضاء يركب أذن الجرة كما يريد ويشتهي؟ إذ كيف يمكن أن تتحول *عقوبة الأشغال الشاقة 15 سنة كحدٍ أدنى وفقاً للمادة 533 على مرتكب جريمة القتل قصداً إلى عقوبة الاعتقال المؤقت ثلاث سنوات استناداً للمادة /192/. لأن المادة 192 تقضي صراحة في مثل هذه الجريمة بتحويل العقوبة إلى الاعتقال المؤقت 15 سنة - كحدٍ أدنى) ، وهي التي تحول عقوبة الإعدام إلى الاعتقال المؤبد، وتحول عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إلى الاعتقال المؤبد أو لـ 15 سنة، وكذلك عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة إلى الاعتقال المؤقت دون تحديد عدد السنوات، وبالتالي فإن تقرير المادة (44) الحد الأدنى ثلاث سنوات للاعتقال المؤقت كان مسبوقاً بشرط هو: "إذا لم ينطو القانون على نص خاص".
أما وأن القانون قد وضع لجريمة القتل قصداً نصاً خاصاً هو (15 سنة - كحدٍ أدنى) فيجب أن تتحول العقوبة إلى الاعتقال المؤقت (15 سنة - كحدٍ أدنى) .
المؤسف في الأمر هو الاستسهال في التعامل مع الرأي العام ووسائل الإعلام التي بذلت جهوداً هامة ليس من أجل إيقاع عقوبة مستحقة على الجاني فقط، وإنما من أجل إحداث تغيير في بنية التركيبة الذكورية للقضاء السوري الذي لا يزال يرفض الانصياع إلى معايير أكثر إنسانية تخلصنا من عقلية الانتقام والكيد إلى عقلية التسامح والوفاق.
بالأمس كان قاتل زهرة العزو يحظى بقليل من التعاطف من قبل سيدات وناشطات كن يعتقدن أنه ضحية أخرى، واليوم صار هذا القاتل يوزع التهديدات حتى قبل أن تطأ قدمه أرض الحرية على كل من أراد إحقاق الحق، بل لقد أصبح له شركاء تعاونوا جميعهم على قتل زهرة العزو أولهم القانون الجائر وليس آخرهم الصمت.
نص الحكم:
باسم الشعب العربي في سورية:
تقرر بالاتفاق ما يلي: المحكمة تجريم المتهم بجناية القتل قصداً بدافع الشرف وفق أحكام المادة 533 (ق. ع. س) بدلالة المادة 192 منه ومعاقبته لأجل ذلك بالاعتقال مدة 3 سنوات. وللأسباب المخففة التقديرية خفضت العقوبة إلى سنتين ونصف واحتساب مدة توقيفه وإطلاق سراحه فورا ما يكن مطلوبا بجرم آخر..


يحيى الأوس، (الطعنة الأخيرة في جسد زهرة العزو )

عن موقع "الثرى"، (10/2009)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon