قانون نقابة الأطباء.. أما آن " للفارس" أن يترجّل؟

هذا إذا اعتبرناه فارسا بأصله وفصوله.. على كل للضرورة أحكامها.
ونحن في " خضّم " العملية الانتخابية للهيئات العامة لنقابة الأطباء ولمجالسها رأيت أن أبيّن لأصحاب الشأن بعض شؤون وشجون القانون الناظم للنقابة ( قانون 31) الصادر, وهنا المفارقة الصارخة , منذ عام 1981, أي منذ أكثر من ربع قرن لم تجر عليه سوى تعديلات لا تأتي على جذور سلبيات هذا القانون إنما تأتيه من أطرافه علما أن بعضها , ولاشك , كان إيجابيا وذو فحوى وجدوى.

لن أخوض في الآليات الناظمة للعملية الإنتخابية وبموضوع " التجزئة " لوحدات نقابية وموضوع الفئات والأكثرية المطلقة وغير ذلك فقد تناولت الموضوع في مقال سابق منذ سنوات. ما أريده الآن قراءة نقدية لبعض مواد القانون ,كمثال ليس إلا , والتأكيد على ضرورة إعادة النظر كلّيا وجذريا في هذا القانون بحيث يصير قانونا عصريا حضاريا ينسف ذلك التاريخ " المشئوم " الذي صدر فيه القانون الحالي وأقصد فترة أحداث الثمانينيات.
== المادة 3: " تعريف نقابة الأطباء "
 "نقابة الأطباء البشريين , تنظيم مهني اجتماعي مؤمن بأهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية ملتزم بالعمل على تحقيقها وفق مقررات حزب البعث العربي الاشتراكي وتوجيهاته "
لن أتطرق لموضوع الحرية والوحدة العربية والاشتراكية التي أصبحت في خبر كان , ولا عن " الالتزام " بالعمل على تحقيقها وفق مقررات الحزب القائد لكنني سأضع بين أيدكم تعريفا لغويا للنقابة من معجم عصري نسبيا , إذ يقول معجم الرائد:" النقابة هي تجمّع أصحاب المهن في هيئات منظّمة للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم المشتركة ".. هل يعقل أن يكون تعريف معجم لغوي سابق أكثر حداثة وتطورا من تعريفنا هذا الذي تلاه بسنوات؟. أليس من اللائق إضافة لغوية وحقوقية لتعريفنا المصون هذا إذا كنّا لا نزال " متشبثين" به؟.
== المادة 4 ( 13 بند ): تتكلم عن أهداف النقابة
** البند 4:" رفع شأن مهنة الطب والنهوض بمستواها العلمي لتفي بمتطلبات التنمية وتحقيق الاشتراكية".
 أية اشتراكية هذه التي نهدف لتحقيقها؟ أعاد هنالك فسحة لها في ظل التوجه الليبرالي الحالي أو لنقل التوجه لاقتصاد السوق الاجتماعي؟.
** بند6 "...وإنشاء الأندية والجمعيات السكنية والتعاونية وصناديق الضمان ".
 أيسمح لنا نحن نقابة أطباء حمص مثلا أن نشيد ناد؟ وهل المقصود ناد فني أو كشفي أم رياضي وهي جميعها نحتاجها؟
** بند 8:" إقامة المكتبات العلمية في مركز النقابة وفروعها ".
 أين هي هذه المكتبة يا نقابة أطباء حمص ( وأنا أنتمي لها )؟ , اللهم إلا إذا اعتبرنا أن تلك الخزانة في أحد الغرف الحاوية على بعض الكتب القديمة هي المكتبة المقصودة. أليس من أهداف النقابة " النهوض " بالمستوى العلمي للمهنة؟ فهل نهضّنا به؟.. وأخال أن ذلك " النهوض" ساري المفعول في باقي المحافظات أو معظمها... لم نسمع في نقابة حمص عن معرض للكتاب العلمي أو الأدبي , بل لم نسمع عن ندوة ثقافية أو فكرية أو أدبية إلا ما ندر. وإذا تمّت مثل هذه الأعمال ولم نسمع عنها فهذه طامّة أكبر.
** بند 9: " تنشيط البحث العلمي وترجمة الكتب والدراسات الطبية ونشرها وإصدار المجلات والنشرات لرفع المستوى العلمي والمهني للأعضاء ".
لو افترضنا أن كل ما جاء في هذا البند حاصل بالفعل فهل تصل الإصدارات للطبيب هل هنالك كادر خاص للمراسلات ووسائل إعلان وإعلام حقيقة تقدم للطبيب هذه " المنجزات " بالصورة والسرعة المناسبتين؟. أليس من المخجل , وهنا الكلام لفرع حمص , أن تقتصر رسائل الSMS فقط لإعلام الطبيب أن أحد أقرباء طبيب آخر من الأصول أو أحد الأطباء أنفسهم قد توفّاه الله؟.
== المادة 13:" يفقد الطبيب عضويته ويحذف اسمه من سجل النقابة وجدول الأطباء في إحدى الحالات التالية:ج – إذا تأخر عن تسديد كافة الرسوم المترتبة عليه وفق أحكام لمادة 11 من هذا القانون ( المادة 11: لا يجوز لأي طبيب لا يكون اسمه واردا في جدول الأطباء أن يزاول المهنة ما لم يدفع الرسوم المقررة في السنة المقررة وما قبلها من سنين )".
هل يعقل أن يحذف اسم الطبيب ويفقد عضويته لأنه لم يدفع كامل الرسوم؟ ماذا لو دفع جزءا منها؟ لماذا لم تتضمن المادة مثلا عبارة " بعد إنذاره ثلاثة مرات على ثلاثة أشهر متتالية " مثلا؟ ولماذا حذف الاسم وفقد العضوية؟ , يمكن ترتيب غرامة أو فائدة تصاعدية أو سحب ما يترتب عليه من حصّته من الصندوق المشترك. كما أن هذه المادة لم تراعي بصورة منطقية من يعمل خارج القطر أو من غاب لسبب ما حتى وإن كان غيابه في سجن لتأدية عقوبة جنائية.. النقابة مهمة الدفاع عن حقوق الأطباء ومصالحهم أما القضاء فله ناسه.
== المادة 42:" تستمر ولاية مجلس الفرع ( أو المجلس المركزي ) لمدة أربعة سنوات.
** مادة قاصرة بكل المقاييس: أربعة سنوات قابلة للتمديد أم قابلة للتكرار أم غير قابلة لهذا أو ذاك؟. هل يحق لكل المجلس بكل أعضاءه التكرار أم يحق لبعض أعضاءه فقط؟ هل إعادة ترشيح أحد يقتصر على المستقلين فقط أم على ممثلي حزب البعث والجبهة أم فقط لممثلي حزب البعث؟.
** نسمع في هذه الأيام أن تكرار الترشيح ممكن لأعضاء المجلس بغض النظر عن انتمائهم , للمرة الثالثة أو لعل تكرار الترشيح صار مفتوحا.. لمرات ومرات. ماذا يجري؟ ولماذا هذا الإصرار في النقابات المهنية , وفي بعض الدوائر الأخرى , على " التأبيد " , ماذا يعني أن يبقى عضو في مجلس نقابة ثلاثة دورات متتالية أي 12 سنة , أين الدماء الجديدة للشباب وأصحاب الخبرات؟.حتى وإن كان صاحب هذا العمر " الطويل " كعضو في المجلس من أكفأ الأعضاء هل ذلك يعطيه الحق بأن يستمر إلى ما شاء الله؟ هل يتوافق ذلك مع مسيرة التطوير والتحديث؟.
== المادة 57:"يجوز بقرار من مجلس الوزراء حل المؤتمر العام ومجلس النقابة ومجالس الفروع والهيئات العامة المكونة من ممثلي الوحدات الانتخابية في حال انحراف أي من هذه المجالس أو الهيئات عن مهامها وأهدافها ويكون هذا القرار غير قابل لأي طريق من طرق المراجعة أو الطعن ".
هنا نلاحظ الآتي:
1- السيطرة الكاملة والشاملة والنهائية لمجلس الوزراء ( السلطة التنفيذية ) على منظمة ترعى حقوق ومصالح شريحة هامة من المجتمع ولها شخصيتها الاعتبارية واستقلالها المادي فيما إذا " انحرفت " , وهنا أركّز على كلمة " انحراف " , عن مهامها وأهدافها , فعندما يرتئي مجلس الوزراء أنها " انحرفت " حسب القانون ينتهي كل شيء..؟. أليس هنالك إمكانية مساءلة , محاسبة , تنبيه , تصحيح مسار , عقوبة مسلكية مثلا؟
2- المفارقة هنا أن تجد في المادة 86 ما يلي:" يحال إلى مجلس التأديب في الفرع المختص الأطباء الذين يرتكبون أعمالا ماسّة بكرامة أي من أعضاء مجلس النقابة أو مجلس الفرع خلال ممارستهم العمل النقابي ".. فإذا كان لهؤلاء الأطباء كل هذه الحصانة , وبغض النظر عن معنى " ماسّة بكرامتهم " ومن يقرر ذلك وبغض النظر عن ضبابية واتساع هذا المفهوم , بغض النظر عن كل هذا يأتي البند السابق ليجيز لمجلس الوزراء حل كل المجلس بل حتى حل الوحدات الانتخابية.
3- المفارقة الأخرى أن أهداف ومهام النقابة كما بيّنتها المادة 4 يتم التنسيق في تطبيقها مع المكتب المختص في القيادة القطرية ( سلطة حزبية ) , وعلى الرغم من ذلك أجاز القانون حل المجلس من السلطة التنفيذية وهنا تداخل غير منطقي لعمل السلطات التنفيذية والحزبية ( الإشراف والتوجيه من سلطة والمحاسبة من سلطة أخرى ).
== المادة 88:" لا يجوز إحالة النقيب أو أحد أعضاء مجلس النقابة أو رئيس الفرع أو أحد أعضاء مجلس الفرع إلى مجالس التأديب إلا بعد موافقة مجلس النقابة على ذلك ".
** هل تعني عبارة " موافقة مجلس النقابة على ذلك " كل مجلس النقابة؟ أم أكثرية الثلثين أو الأكثرية النسبية أم المطلقة؟ لماذا تركت المادة " فضفاضة " لهذه الدرجة؟ , فمن البديهي أن يستحيل إحالة أي عضو في المجلس المركزي أو الفرعي إذا تطلب الأمر موافقة كل المجلس لأنه ببساطة هذا العضو هو عضو من أعضاء المجلس ومن غير المنطقي أن يوافق على إحالته إلى مجلس تأديب..
** يستشف مما سبق المركزية الشديدة في العمل النقابي وضعف المبادرة الذاتية وضعف القدرة على اتخاذ القرارات بدرجة معقولة من الحرية والمسئولية. ‍
 
 كما ذكرت أعلاه أن هذه الدراسة النقدية تهدف إلى تصحيح المسار وابتكار قانون نقابي عصري حديث ينسجم مع التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تدور رحاها في الوطن وبكل الأحوال فلي , الأقل , أجر , وطوبى لمن نال الأجرين.


د. غانم الجمالي، (قانون نقابة الأطباء.. أما آن " للفارس" أن يترجّل؟)

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon