ألا تستحق سورية الحديثة قانوناً حضارياً في الأحوال الشخصية؟

بتاريخ 7/6/2007  أصدر السيد رئيس مجلس الوزراء القرار رقم 2437 قضى بموجبه تشكيل لجنة مهمتها إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية السوري، و بتاريخ 5/4/2009  انتهت اللجنة المذكورة من إعداد مشروع القانون المذكور،

وقد أثار ذلك المشروع ضجة كبيرة وتساؤلات كبيرة في أوساط واسعة لدى الشعب السوري، مما اضطر رئاسة الحكومة في بيان صادر عن مكتبها الصحفي إلى الإعلان عن سحب المشروع وإعادته إلى وزارة العدل لصياغته من جديد، وفي الخامس من الشهر الحالي وزعت النسخة الجديدة من المشروع على الطوائف المسيحية لإبداء ملاحظاتها على النسخة الجديدة خلال بضعة أيام.
   والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه الآن هو إذا كان مشروع قانون الأحوال الشخصية بنسخته الجديد لا يختلف عن القانون الحالي، فما هي الأسباب التي دفعت بالمعنيين به إلى إصداره؟ ولماذا هذه السرعة غير العادية والإصرار غير المبرر على إصدار هكذا مشروع يمس في الصميم حياة السوريات والسوريين؟ فهل هناك تسابق مع الزمن لاستباق أي تغيير قد يجرى قبل نهاية العام يعرقل مرور هذا المشروع بصيغته الطائفية والتمييزية؟
   ويتساءل الكثير من السوريين ، لا بل يستغربون استبعاد المؤسسات الحكومية وغير الحكومية المعنية أساساً بصياغة هذا القانون  وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والهيئة العامة لشؤون الأسرة، والاتحاد النسائي ونقابة المحامين، والمثقفين، واستبعاد بقية أطياف المجتمع السوري عن المشاركة في صياغة هذا المشروع، والإصرار على صياغته من قبل لجنة من لون واحد، خلافاً لواقع سورية التي شكلت وما تزال مهداً للحضارات و مركز إشعاع للتسامح الديني؟ فهل من يستطيع أن يدلنا على الجواب؟
   لقد مضت سنتان من العمل السري على إعداد مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، فكم من الأموال العامة صُرفت خلالها على عمل اللجنة نحن بأمس الحاجة إليها؟  لتخرج بعدها اللجنة بمشروع كنّا نأمل أن يتسع لكل السوريات والسوريين بمختلف انتماءاتهم، مشروعاً يحمي المعتقدات الدينية والفكرية والسياسية للمواطن السوري وإن اختلفت، مشروعاً يكون على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب دون تفضيل فريق على أخر. لكن للأسف جاء هذا المشروع بنسخته الجديدة مخيباً لآمال السوريين بالتغيير بعد أكثر من خمسين سنة على صدور القانون الحالي، جاء هذا المشروع ليكرس ما هو موجود في القانون الحالي من تمييز ضد النساء والأطفال، جاء ليكرس من جديد الطائفية البغيضة، جاء ليلغي قوانين الطوائف المسيحية التي لم تُستشر، ولم تطلب أبداً من أية جهة إلغاء قوانينها.
   السوريات والسوريين يسألون عن سبب هذا الإصرار والاستعجال في إصدار قانون جديد للأحوال الشخصية، فلم يجدوا سبباً واحداً يبرر هذا الاستعجال في إصداره، لاسيما وأن هذا المشروع بنسخته الجديدة لا يختلف في مضمونه عن القانون النافذ حالياً، فهل المجتمع السوري الآن ما يزال يعيش في نفس الظروف التي كان يعيشها عندما تم إصدار قانون الأحوال الشخصية الحالي في العام 1953؟ وإذا كان الأمر كذلك بنظر اللذين يقفون وراء هذا المشروع،  فما الداعي إذاً لإصدار هكذا مشروع؟ فإذا كان هناك من أسباب نجهلها دفعت إلى الاستعجال بهذا المشروع ، فمن باب أولى أن نعرف تلك الأسباب.
    لقد قيل أن القوانين هي تعبير مكثف عن العلاقات والمصالح الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لبلد معين في مرحلة تاريخية معينة ، وهذه العلاقات وتلك المصالح لا تبقى ثابتة ، بل تتطور وتتغير، وتبعاً لذلك يفترض  أن تتطور تلك القوانين وتتبدل، وإلا تصبح عائقاً أمام عملية النمو والتطور. وانطلاقاً من هذا المفهوم وعلى أساسه كان يجب أن يُصاغ المشروع الجديد لقانون الأحوال الشخصية.مشروعاً يليق بسورية الحديثة وشعبها العظيم،مشروعاً ينسجم مع الرؤية الإصلاحية والتحديثية للسيد رئيس الجمهورية، مشروعاً يلحظ ما حققته المرأة من  انجازات مهمة خلال الخمسين سنة الماضية، حصلت خلالها على الخدمات الأساسية في مجال التعليم والصحة، واقتحمت سوق العمل ومجالات التعليم الحديث ومواقع صنع القرار، فأصبحت جندية وشرطية ومدرّسة وموظفة ومديرة عامة وسفيرة ووزيرة وعضوة في مجلس الشعب ونائبة لرئيس الجمهورية؟ مشروع يساوي بين السوريات والسوريين، مشروع يرتكز على مبدأ المواطنة الذي يتيح للمواطنين التمتع بحقوق متساوية.. والتمتع خصوصاً بحرية الفكر والعقيدة وسائر الحريات العامة بصرف النظر عن أي انتماء سياسي أو ديني أو مذهبي.
 فالسوريات والسوريين لا يطلبون الحق في ممارسة الشعائر الدينية فقط، بل يطلبون أيضاً بحق التمتع بمبدأ المواطنة الذي يساوي بين المواطنين على اختلاف مشاربهم السياسية والدينية والمذهبية والعرقية..يطلبون مشاركة الجميع في بناء هذا الوطن على أساس الكفاءة وعلى أساس الاعتراف بالآخر وحق الاختلاف معه...وعلى أساس القبول بهذا الآخر دون حدود فقهية أو تشريعية.؟؟ فسورية الحديثة تستحق قانوناً حضاريا يليق ببناتها وأبنائها.



المحامي ميشال شماس، (ألا تستحق سورية الحديثة قانوناً حضارياً في الأحوال الشخصية؟)

عن "كلنا شركاء"، (11/2009)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon