فشل تدابير ظلامية ضد المرأة العربية وتحررها في دولة الكويت وجمهورية مصر العربية

مع تمدد التيارات الأصولية وتناميها في المنطقة العربية وتدخلها في تشكيل الشارع والمجتمع العربي، يشتد السجال حول موضوع النقاب والحجاب المعطّل لروح الفتيات والنساء، والذي لا يتلخص بوضع قطعة قماش على الرأس أو تغليف كامل للوجه والجسم معاً،

 فهما يرمزان إلى قضية أعمق بكثير، ويعبران عن موقف وهوية وانتماء وأسلوب حياة متكامل يؤثر على حرية المرأة وحقوقها وتمكينها، ويقوّض أسساً ومكاسب حققتها بعد تاريخ طويل من النضال قام بها رجال ونساء معاً في بلادنا العربية منذ ما يزيد على قرن. كما يرمز إلى أصولية ترتبط في معظمها بممارسات سياسية قائمة على التمييز والعنف ولها نتائجها الخطيرة على النسيج الاجتماعي لمجتمعاتنا العربية.
والسؤال: لماذا تمعن الأوساط الأصولية في محاولة فجّة لاختزال الإسلام بنقاب أو حجاب، مما يشكل اعتداء صارخاً على الحريات الفردية، بدلاً من الانصراف إلى قضايا أساسية وهامة تفتقر إليها المجتمعات العربية، كمقاومة الاحتلال ومكافحة الأمية، وتطوير عمليات التنمية لمكافحة البطالة والجوع والمرض؟ لماذا تغيب عنهم الأوّليات وتنعدم الرؤية الصائبة؟ ولماذا يستمر الجدل في عدد من الدول العربية والأجنبية بشأن النقاب والحجاب؟ إن ما جرى مؤخراً في الكويت ومصر، وما هو كامن في البلدان العربية الأخرى من تنام للتيارات الأصولية يشير إلى ذلك!
* ففي الكويت ظهرت قبل أيام أزمة جديدة في أفق المشهد السياسي الكويتي المتعلق بالمرأة، ففي سابقة قضائية، عدّلت المحكمة الدستورية في الكويت شرط موافقة الزوج على منح الزوجة جواز سفر، إلى نحو يجعل الزوجة قادرة على طلب جواز السفر والحصول عليه من دون الحاجة إلى موافقة الزوج، وفيما رحبت الناشطات الليبراليات بالحكم، اعتبرت النائبة في مجلس الأمة "البرلمان" أسيل العوضي: "القرار خطوة أولى للقضاء على كل القوانين التي تحمل شبهة دستورية، والتي تقوّض العملية الديمقراطية الكويتية"، مشيرة إلى أن "قانون الأحوال الشخصية سيكون بين هذه القوانين". ومعروف أن قرار المحكمة الدستورية هو نهائي وغير قابل للطعن.
وتواجه النائبات الكويتيات اللواتي ناضلن ببسالة لعدة دورات انتخابية حتى وصولهن إلى البرلمان، يواجهن طعوناً ومطالبات بالتزامهن الضوابط الشرعية الإسلامية لعدم ارتدائهن الحجاب. ويؤكد النائب الإسلامي الطبطبائي: "أن حجاب المرأة هو من الواجبات التي على المرأة المسلمة التزامها. وبذلك فإن عدم تحجب النائبة أو المرشحة يخلّ بشروط الترشيح والنيابة". وتطبيق هذه الفتوى يسري على المشاركة في الحياة السياسية التي تتضمن أيضاً الاقتراع، وهو حق مارسه عدد كبير جداً من النساء الكويتيات غير المحجبات.
وقد أصدرت وزارة الأوقاف الكويتية فتوى حددت مواصفات الحجاب الشرعي للمرأة، مما أحدث انقساماً حاداً بين الليبراليين والإسلاميين. وقد تحولت الفتوى إلى المحكمة الدستورية، بعد طعون قدمها الإسلاميون في عضوية النائبتين رولا دشتي وأسيل العوضي غير المتحجبتين.
وقد احتج النواب الليبراليون بشدة على صدور هذه الفتوى، ووصفت صحيفة "الجريدة" الكويتية في مقالة افتتاحية "الفتوى" بأنها انقلاب على الدستور، ودعت جميع القوى الحيّة في المجتمع الكويتي إلى التصدي للانقلاب. وطرحت تساؤلات موجهة لرئيس وزراء الكويت عن موقع الدولة المدنية، وأين الدستور من هذه الفتاوى الهادفة إلى إلغائه؟ وهل ستقبل وزيرة التربية والتعليم العالي د. موضي الحمود هذه الفتوى؟ أم تخيّر بين الاستقالة أو ارتداء الحجاب؟
كما أكدت "جمعية الخريجين في الكويت" في بيان لها أن الكويت، كما يبين دستورها، تحكمها القوانين العامة التي لا تتعارض مع الدستور، وبالتالي فإن الفتاوى الدينية الصادرة عن أية جهة، وبضمنها الجهات الحكومية غير ملزمة، وإلاتحولت دولة الكويت إلى دولة دينية تخضع للفتاوى الدينية المتناقضة التي يصدرها رجال الدين، وأن الجهة الوحيدة المخولة بتفسير النصوص الدستورية والقوانين هي المحكمة الدستورية. وأصدرت قوى المجتمع المدني بياناً تطالب فيه بتطبيق المادتين 30 و35 من الدستور اللتين كفلتا للفرد الحرية الشخصية وحرية المعتقد والاعتقاد.
هذا الهجوم قابلته النائبة دشتي باقتراح تعديل القانون الانتخابي لإلغاء شرط تقيد المرشحات والناخبات بالشريعة الإسلامية للمشاركة في الحياة السياسية، وبررت دشتي اقتراحها بأن "شرط فرض التزام الضوابط الشرعية الإسلامية الذي أدخل قبل أربع سنوات على قانون الانتخاب بعد منح المرأة كامل حقوقها السياسية، هو مخالفة دستورية"، وأوضحت أن الدستور يدعو إلى المساواة بين الجنسين، ولا يشير إلى الضوابط الشرعية، وأن الفتوى غير ملزمة للمجتمع الكويتي، وأن المرجعية الوحيدة هي الدستور الذي اعتمد عام 1962.
وقالت النائبة أسيل العوضي إن الإجبار على ارتداء الحجاب هو قضية غير دستورية وغير قانونية، وقالت إنها ستنتظر قرار المحكمة الدستورية، معربة عن ثقتها بوعي القضاة بأبعاد الحكم.
وقد تضامنت النائبتان معصومة المبارك وسلوس الجسار اللتان ترتديان الحجاب مع زميلتيهما في مجلس الأمة، ووضعتا القضية في عهدة المحكمة الدستورية صاحبة الاختصاص.
وكانت د. موضي الحمود، وزيرة التربية والتعليم العالي، قد أجرت حديثاً تلفزيونياً في 18/7/،2009 عبرت فيه عن رغبة وزارتها في تطوير المناهج التعليمية لتتوافق مع متطلبات العصر، مما أدى إلى جدل وتصعيد مبالغ فيه من قبل الإسلاميين المتشددين.
هذه المواقف تختزل حركة سياسية دينية "الإسلام السياسي" ويشكل سلوكها وممارساتها اعتداء صارخاً على الحريات العامة، وتفرض على المجتمع رؤى ضيقة ومتخلفة لوضعه تحت سيطرتها. وقد حسم الموقف حكم المحكمة الدستورية الصادر يوم 28/10/2009 برفض طلب الإسلاميين.
وقد جاء في قرار المحكمة بعد جملة من الحيثيات:
- هناك فرق بين الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي.
- كفل الدستور الحرية الشخصية وأطلق حرية العقيدة، فما دامت في إطار الاعتقاد فأمرها إلى الله، ولا يجوز التمييز بين الناس حقوقاً وواجبات بسبب الدين أو الجنس.
- إن أحكام الشريعة الإسلامية ليس لها قوة إلزام القواعد إلا إذا تدخل المشّرِع وقننها، ويتعين أن يتم إفراغها بنصوص تشريعية محددة ومضمون تشريعي محدد، وأن التشريع لا يجوز له أن يخالف الضمانات المقررة في الدستور، وأن أحكام الشريعة كلها يجب أن لاتنص على تقييد حرية الناس والإخلال بمبدأ المساواة المقرر في الدستور.
* وفي جمهورية مصر العربية وبعد الفتوى الرسمية التي أصدرتها وزارة الأوقاف المصرية في أوائل تشرين الأول، بمنع ارتداء النقاب في كل المدارس التابعة للأزهر، وكذلك في أماكن السكن الجامعي التابعة لهذه المؤسسة التعليمية الإسلامية، وبعد أن طلب شيخ الأزهر د. طنطاوي من تلميذة خلع نقابها داخل الصف الدراسي ومعلماتها وزميلاتها كلهن نساء.. دعت جماعة الإخوان المسلمين إلى إقالة د. طنطاوي بسبب الفتوى وتصريحاته بأنه "لا علاقة لارتداء النقاب من قريب أو بعيد بالدين الإسلامي".
كما أعلنت مصر على لسان وزير التعليم العالي أنه "سيتم تفعيل القرار الذي اتخذته الوزارة عام 1995 وأيدته المحكمة الدستورية أخيراً بمنع التلميذات والمعلِمات من ارتداء النقاب داخل الصفوف".
وقد تصدت الصحافة المصرية دفاعاً عن قرار وزارة التعليم وعن شيخ الأزهر، كما تصدت أوساط هامة من الرأي العام المصري، مستنكرة هذا السلوك من بعض أجنحة الحركة الإسلامية وتياراتها المتلاطمة انسجاماً مع نزعاتها التسلطية وانسياقها خلف طروح التكفير السلفية،
وعن قرار وزارة التعليم وفتوى وزارة الأوقاف، جاء في افتتاحية جريدة "الأخبار" المصرية في صدر صفحتها الأولى: "حتى لا تختلط الأمور وتتوه الحقيقة في الزوبعة التي يثيرها هؤلاء الذين جرّونا للتراجع إلى الخلف، فإننا نقول بوضوح إننا نؤيد موقف الإمام الأكبر ونسانده في ما يهدف إليه من تنوير للعقول وتصحيح للأفكار والمفاهيم والعودة إلى صحيح الدين الذي هو يسر وليس عسراً..".
وقالت صحيفة "الأهرام" في افتتاحيتها هذا الأسبوع: "إن الهجوم الذي تعرّض له شيخ الأزهر استند إلى تراث فقهي ساد عصور انحطاط الأمة". وكانت جامعة القاهرة قد قررت منع الطالبات المنقبات من دخول المدينة الجامعية التابعة لجامعة القاهرة، ومعروف أن عدداً كبيراً من المصريات يرتدين الحجاب، وعدد اللواتي يرتدين النقاب قليل، غير أنه بدأ يتزايد في السنوات الأخيرة بسرعة مذهلة.. ومن المفارقات أنه أمام مدخل جامعة القاهرة ينتصب تمثال كبير لامرأة مصرية تنزع حجابها يعود إلى بداية القرن الماضي.


زينب نبّوه، (فشل تدابير ظلامية ضد المرأة العربية وتحررها في دولة الكويت وجمهورية مصر العربية)

تنشر بالتعاون مع جريدة النور، (10/2009)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon