نتيجة للجهود الكبيرة التي بذلها المجتمع السوري في مواجهة المشروع الأسود للأحوال الشخصية، تقدم المنظمة الدولية الأشهر في الدفاع عن حقوق الإنسان "هيومن رايتس ووتش" برسالة إلى السيد الرئيس بشار الأسد تشير فيها إلى بعض أوجه تعارض المشروع مع التزامات سورية الدولية، وتناشده اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان صدور قانون ينسجم مع الدستور السوري في ضمان حقوق المواطنة للنساء والرجال دون تمييز.
وفيما يلي نص الرسالة. "نساء سورية"
20/تموز/2009 سيادة الرئيس بشار الأسد القصر الرئاسي، دمشق الجمهورية العربية السورية
سيادة الرئيس، نكتب إليكم لإبداء تأييدنا لقراركم الذي تناقلته وسائل الإعلام، والخاص بإعادة النظر في مشروع قانون الأحوال الشخصية، والذي كان لولا هذا ليستمر في معاملته النساء السوريات بشكل ينطوي على عدم المساواة. ومشروع القانون ما زالت فيه عدة مواد واردة في القانون المطبق حاليا وفيها إشكاليات، ومن شأنه ألا يحسن من الوضع القانوني للمرأة أو من تدابير حمايتها. وندرك بأن مشروع القانون أعيد إلى وزارة العدل، ونأمل أن تعمل الوزارة على تطبيق عملية شاملة لمراجعة مشروع القانون كي يصبح عادلا لكل السوريين على حد سواء.
هناك اتجاه متزايد في العالم العربي نحو تعديل القوانين لضمان المساواة في المعاملة بين الرجال والنساء، وقبل أعوام قليلة عدل المغرب قانون (مدونة) الأسرة من أجل كفالة المساواة بين الرجال والنساء في شؤون الأسرة. والمغرب ومصر واليمن منحت مؤخرا النساء الحق في إعطاء جنسيتهن لأطفالهن. ونأمل أن تفعل الشيء نفسه دول أخرى في المنطقة في القريب ال عاجل، ومنها سورية.
أسمحوا لنا بأن نعرض بعضا من مصادر قلقنا بشأن الأحكام التمييزية في مشروع القانون مع عرض التوثيق اللازم لإثبات رأينا، أملا في مساعدتكم في معرض مراجعة القانون، بحيث يصبح متفقا مع الدستور السوري ومع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. المادة 25 من الدستور السوري نصت على أن "الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم". وورد في المادة 25 (3) أيضا: "تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنيني".
وفيما يلي أحكام القانون المثيرة للقلق: *- مشروع القانون تمييزي فيما يخص سن الزواج، إذ يسمح بزواج الذكور في سن 18 عاما والإناث في سن 17 عاما في إحدى مواده، ثم الصبية في سن 15 عاما والفتيات في سن 13 عاما في حكم آخر منه، إذا كانوا قد بلغوا جسديا وحصلوا على إذن أوصيائهم.
لكن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي صادقت عليها سورية في عام 2003، ورد في المادة 16 (1) منها أن على الدول الأطراف أن تتخذ الإجراءات الضرورية للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج وشؤون الأسرة. ولجنة حقوق الطفل، التي تعكف على تفسير اتفاقية حقوق الطفل -وصدقت عليها سورية بدورها- تصدت لهذا الموضوع أيضا. في التعليق العام رقم 4 (لعام 2003) أبدت اللجة قلقها إزاء الزواج والحمل المبكرين، ووصفتهما بأنهما عوامل أساسية تسهم في المشكلات الخاصة بالصحة الجنسية والإنجابية. وذكرت بوضوح أن الاتفاقية تطالب الدول بضمان تحديد السن الأدنى للزواج على قدم المساواة بين الفتيات والصبية، وشددت على توصية الدول الأطراف برفع السن الدنيا للزواج دون موافقة الآباء إلى 18 عاما للفتيات والصبية على حد سواء.
*- مشروع القانون لا يسمح للمرأة السورية المتزوجة من أجنبي بأن يحصل أطفالها على جنسيتها السورية، فيما لا يقيد حق الرجال السوريين في الشيء نفسه. المادة 44 من الدستور السوري ورد فيها وبوضوح: "الأسرة هي خلية المجتمع الأساسية وتحميها الدولة". وبحرمان النساء السوريات من الحق في حصول أطفالهن على الجنسية، فإن الحكومة السورية تحرمهن من المساواة في تدابير حماية أسرهن.
*- نظام وصاية المرأة الوارد في مشروع القانون يُخضع عملية اتخاذ المرأة للقرار في شؤون الأسرة لإشراف الرجل. وعلى الأخص، تطالب المادة 20 من مشروع القانون للنساء البالغات باستصدار موافقة الوصي على زواجهن. وفي الحالات التي يتم فيها الزواج دون موافقة، تنص المادة 27 على أن من حق الوصي على المرأة أن يفسخ الزواج إذا تبين أن زوجها غير كفؤ لها. المادة 15 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تطالب بأن "تمنح الدول الأطراف المراة، في الشؤون المدنية، أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل، وتساوي بينها وبينه في فرص ممارسة تلك الأهلية". كما أن على الدول الأطراف أن تعمل على إلغاء جميع العقود ذات الأثر القانون المؤدي لتضييق الأهلية القانونية للمرأة.
*- ثمة مواد كثيرة في مشروع القانون تحرم المرأة من استقلالها ومن حرية التنقل. وتشمل هذه المواد المادة 37 (1) التي ورد فيها أنه من غير المسموح للنساء العمل خارج المنزل دون إذن الأزواج، وأن النساء المطلقات عرضة لفقدان النفقة الزوجية إذا عملن دون إذن الزوج السابق. المادة 70 بدورها تحرم النساء من الحق في السفر خارج سورية دون إذن.
المادة 15 (4) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تُلزم الدول بمنح النساء نفس حقوق الرجال فيما يخص حرية التنقل. فضلا عن أن المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ورد فيها "لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة" وأن "يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه". والمادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صدقت عليه سورية في عام 1969، يطالب جميع الدول الأطراف فيه بكفالة الحق في حرية التنقل داخل الدولة والحق في مغادرة المرء لدولته والعودة إليها".
*- مشروع القانون تمييزي أيضا فيما يخص الطلاق، بموجب المادة 86 فإن للرجال حق تطليق النساء دون إبداء أسباب بينما على المرأة أن تثبت وجود سبب فعلي. وفي الحالات التي يصل فيها الزوج والزوجة إ لى الإجماع على الطلاق، فعلى الزوجة أن ترد مقدم المهر إلى زوجها. المادة 16 (ج) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ورد فيها أن الدول الأطراف مسؤولة عن كفالة "نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه". والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يلزم الدول بأن تتخذ "التدابير المناسبة لكفالة تساوي حقوق الزوجين وواجباتهما لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله". فضلا عن أن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الجهة المسؤولة عن تفسير مواد العهد الدولي، قد ذكرت أن "أي معاملة تمييزية فيما يخص قواعد و إجراءات الانفصال أو الطلاق أو الوصاية على الأطفال أو نفقات الزوجية أو حقوق الزيارة أو فقدان أو استعادة الأهلية الأبوية، هي محظورة".
وثمة شأن آخر نشيد بجهودكم فيه، هو إصلاح المادة 548 من قانون العقوبات، وهي خطوة هامة على طريق إصلاح القوانين التي تمنح الحصانة للرجال الذين يقتلون أقاربهم من النساء. إلا أننا ما زلنا قلقون بشأن أحكام أخرى من القانون بحاجة ماسة إلى التغيير من أجل التصدي على النحو الملائم لقضية ما يدعى جرائم الشرف، ولحماية النساء والفتيات من العنف.
المادة 548 من قانون العقوبات ما زالت تنص على أن عقوبة السجن بحد أدنى عامين لقتل الأقارب من النساء بدافع من الشرف. المواد 548 و239 و240 و241 و242 تمنح الحصانة أو عقوبة مخففة للرجل الذي قتل قريبته المرأة. فضلا عن أن المادة 192 ورد فيها أنه إ ذا كانت الجريمة بقصد الدفاع عن الشرف، فأمام القاضي عدة خيارات لتخفيف العقوبة، ومنها الاحتجاز أو الحبس لفترات قصيرة.
والعنف من أي نوع ضد المرأة لطالما يعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان وعلى الدول القضاء عليه. وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 143/61 بشأن تكثيف جهود القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة ورد فيه أن على الدول إدانة العنف وأن "تمتنع عن التذرع بالعادات أو التقاليد أو الاعتبارات الدينية كي تلتف حول التزاماتها فيما يخص القضاء على العنف حسبما هو مذكور في إعلان القضاء على العنف ضد المرأة". سيادة الرئيس إننا ندعو حكومتكم إلى إلغاء جميع المواد التي تخفف العقوبات في الجرائم المرتكبة "بقصد الدفاع عن الشرف" والتي تقلل من العقوبات على الجرائم المدفوع إليها المرء جراء الانفعالات العاطفية. كما ندعو حكومتكمم إلى تعديل حالة المعاملة التي تنطوي على عدم المساواة للمرأة بموجب أحكام قانون العقوبات المذكورة وأن تعتبر جميع قضايا القتل أعمال قتل بلا تمييز فيما بينها.
وندعو سيادة الرئيس إلى ضمان مراجعة أحكام قانون الأحوال الشخصية المذكورة أعلاه. كما ندعوكم إلى سحب تحفظ سورية على المواد 9 (2) و16 (1)(ج) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة فيما يخص الحق في المساواة بين الرجل والمرأة في حصول أبنائهم على الجنسية والمساواة في الحقوق والمسؤوليات بين الرجال والنساء أثناء التزوج والانفصال.
وأخيرا فإننا نوصي وزارة العدل بمنح الهيئة السورية لشؤون الأسرة مسؤولية إعادة صياغة القانون، وهذا بموجب ولايتها المحددة بموجب قرار رئاسي في عام 2003. وندعو لأن تكون هذه العملية متمتعة بالشفافية، مع إيلاء الاهتمام لمعارف وآراء جميع الأطراف الذين يعرضون آرائهم والمشاركة الكاملة من منظمات المجتمع المدني، ومنها منظمات حقوق المرأة وخبراء القانون.
إن قانون الأحوال الشخصية يؤثر على مسار حياة الرجال والنساء، ومن ثم يجب معاملتتهم فيه على قدم المساواة، مع العمل بشكل خاص على تحسين وزيادة -وليس تقليل- حقوق المرأة. وتقليل أشكال عدم المساواة التي تلقاها المرأة في أسرتها سيؤدي في نهاية المطاف إلى تقدم المرأة في المجتمع السوري. ونرحب بفرصة مناقشة هذه القضايا وتبادل الآراء حولها مع سيادتكم، ونتطلع قدما لتلقي ردكم.
مع بالغ التقدير والاحترام لايزل غيرنهولتز المديرة التنفيذية لقسم حقوق المرأة هيومن رايت ووتش نسخة إلى: - وزارة العدل - رئيس مجلس الوزراء 20/تموز /2009
- (رسالة من هيومن رايتس للسيد الرئيس حول مشروع قانون الأحوال الشخصية)
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon