"البكارة" ليست مؤسسة عامة ليتداول في شأنها!

من الغريب كيف تطفو على السطح فجأة آراء صيغت على عجل بدون أي تفكير أو تمحيص، ودون أي بحث في جذورها، وعلاقاتها مع الحقوق ومع الواقع؟ بل فقط في كم من الإثارة تحقق!

من ذلك ما أطلقه المنتج الصيني الخاص بترميم غشاء البكارة. فقد فتح سلسلة من المقالات والتحقيقات حول "ترميم البكارة"، قلة قليلة منها من عالج هذه العمليات من منطق صحيح، وهو المنطق الطبي فقط. وأغلبها ذهب في التساؤل حول إن كانت "مشروعة" أم لا، "شرعية" أم لا.. الخ..

كيف يمكن لنا أن نناقش أمرا شخصيا إلى هذا الحد؟ وكيف لنا أن نفكر أصلا إن كان يحق لنا التساؤل حول حق المرأة بإجرائها من عدمه؟ هل هناك من يمكنه أن يتساءل، مثلا، عن إمكانية وضع جهاز الكتروني في عضو الرجل ليسجل كم مرة مارس الجنس؟ وهل هناك من يناقش وضع قانون يلزم الرجل مثلا بالاعتراف كتابة في عقد الزواج بكم مرة جرب أي نوع من الجنس، بما في ذلك الاستمناء؟

بالطبع لا. ولو طرحت مثل هذه الفكرة لقامت الدنيا وما قعدت. أما أن الأمر يتعلق بما يخص المرأة، فكل شيء مباح. بما في ذلك النقاش في إن كان يحق لها فعل هذا أو ذاك من عدمه؟!

في الواقع إن مجرد نقاش هذا الأمر يشكل تمييزا سافرا ضد المرأة. تمييز مبني على أساس أن كل ما يتعلق بجسدها هو "ملك للعموم"، ويحق للناس، أيا كانت صفاتهم، أن يقرروا ما يصح منه مما لا يصح؟!

إجراء عمليات ترميم البكارة، هو أمر يخص كل امرأة على حدة. سواء كان إجراء هذا الترميم بسبب من وضع اجتماعي، أو اعتبارات عقائدية، أو رغبة شخصية، أو أي سبب آخر. ليس لأحد حق أن يقرر صوابه من خطئه، شرعيته من لا شرعيته، غير المرأة نفسها.

وإذا كان الرجال يعتبرون أنفسهم "مخدوعون" إذا أجرت المرأة مثل هذه العملية، فإن عليهم أن يضعوا أنفسهم في الموضع نفسه، ويعملون على أن يبرهنوا "عذريتهم" بشكل لا يقبل اللبس أبدا. وبالطبع لا تكفي هنا الكلمات والأيمان. بل لا بد من وجود دليل حسي معادل لغشاء البكارة!

الجزء الوحيد الذي يخصنا في هذا الأمر، هو ضمان أن تكون العيادات التي تجري مثل هذه العمليات مؤهلة صحيا لإجرائها. بما في ذلك أن تكون خاضعة لحق المريض المطلق بالسرية. أما غير ذلك، فليس إلا استغلال إعلامي يهدف إلى الإثارة التي نرفضها بصفتها تمييزا واضحا على أساس الجنس.


بسام القاضي، ("البكارة" ليست مؤسسة عامة ليتداول في شأنها!)

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon