أسبوع صدد الثقافي.. حين يعشق الناس أرضهم

كنت أعرف أن صدد على حدود البادية السورية، وكان هذا كافياً مبدئياً لأتردد في الذهاب إليها! فللأسف، لم أستطع يوماً أن أهضم مشهد الأرض اليباب! خاصة إذ أعرف أن هذا اليباب كان قبل عقود قليلة أو كثيرة خضاراً يانعاً.

 لكن معرفتي بالجهود التي بذلت أثناء التحضيرات لهذا الأسبوع (الذي كان يفترض أن يكون مهرجاناً لولا الظروف السياسية التي أقيم في خضمها)، تلك الجهود التي شاركت فيها بشكل أساسي عضوة فريق عمل نساء سورية، ثناء السبعة، كانت مثيرة إلى درجة تجاوز تلك التحفظات!Saddad 2006
لحسن ظني أنني فعلت ذلك! ليس لأن الناحية تلك جميلة بأرضها أو بيوتها أو شوارعها أو غبارها.. بل لأن الناس الذين يسكنونها، أو ينتمون إليها، مدهشون في حيويتهم وفرحهم! حقاً، لعل سنوات طويلة قد مضت منذ رأيت للمرأة الأخيرة فرحاً وحيوية على هذا النحو! فرح وحيوية لا ترتبط بأية مصلحة! لا تتنازعها المطامع الشخصية! لا تقيدها الاعتبارات التافهة! ولا تحدها المياه النادرة والصمت الشتوي المطبق! الصمت الذي تعود إليه تلك الناحية ما إن ينتهي الصيف ويغادرها أكثر من ثلثي سكانها باتجاه مغترباتهم الداخلية والخارجية! فصدد قد نشرت أبناءها وبناتها في مختلف أصقاع الأرض، من حمص التي تتبع إليها إدارياً، إلى أقاصي أمريكا اللاتينية!
ورغم أن الكثيرين من أولئك ساهموا في هذا الكرنفال الإنساني الجميل، والذي شارك فيه موقع "نساء سورية" بالتشارك مع موقع "كاريكاتير سورية" عبر إقامة معرض مسابقة سورية الدولية الثانية للكاريكاتير كأحد النشاطات الهامة في الأسبوع، فإن لثلة من الشباب (شباب العمر والجسد والروح) من المهاجرين في المدن السورية الفضل الأساس في هذا العمل المدهش! ولن أذكر أسماءهم لسبب بسيط: أخشى من ذاكرتي أن تسقط اسم أحدهم! لن يعتب بالتأكيد. لكنني سأشعر بالذنب أنني فعلت ذلك! لتكن إذن تحية جماعية لهم، ولهنّ.
ومن الافتتاح الضاج بجميع الفئات العمرية، إلى معرض الكاريكاتير الذي ترافق مع معرض مصغر للكتب وبعض الأعمال اليدوية، إلى سلسلة من المحاضرات الطبية التي أرفقت مع يوم علاج مجاني، إلى الأمسية الشعرية التي غصت بجمهورها قاعة ليست بصغيرة، إلى حملة تشجير رمزية لمقبرة القرية، إلى الأمسية القصصية الجميلة، وحتى عرض فيلم وادي الذئاب لغسان مسعود، وحضوره الشخصي للنقاش مع الجمهور، مرت أيام ثلاثة لم تتوانى حبات العرق عن التصبب على جبهات الشباب والشابات، ولم توانى الفرح والجمال عن التدفق في كل لحظاتها.
على غير العادة، لن نتحدث هنا عن انتقادات قيلت مباشرة للمعنيين بالأمر، ليس مجاملة، بل احتراماً لجهد كبير حقاً بذل دون أية مساعدة تذكر من أحد، باستثناء مساعدات المسؤولين حين أجهدوا أنفسهم في (طج تواقيع) الموافقات! وربما باستثناء مسؤول واحد، مدير ثقافة حمص، الأستاذ معن ابراهيم الذي ساهم، بطريقته، في تحقيق هذا العمل. دون مساعدة؟ هذا هو الواقع. فقد تبرع بعض أبناء صدد بالتكاليف كاملة التي لم تكن قليلة، وبالجهد كله! وربما كان الانسجام والتفاهم وتقبل النقد والاعتراف بالأخطاء الذي لاحظته مباشرة في هذا الفريق، من الحالات التي تستحق أن ينظر إليها ملياً!
بالنسبة لي شخصياً، كان هذا تأكيد لا يدحض على إمكانية الناس على تطوير حياتهم المادية والروحية وإبراز جمالياتها، حين لا تعيقهم ماكينة البيروقراطية والمصالح العليا! حين، فقط، يسمح لهم بأن يفعلوا ذلك! وكذلك كان تأكيداً ملموساً على قدرة الناس على الحوار والتطوير! هذا الذي بات حاسماً في حياتنا، ومستقبلنا!
لن أتحدث مطولاً عن النشاطات بتفاصيلها، فقط استعراض عام لها. فقد افتتح الأسبوع بحفل جميل تضمن بضعة كلمات، ومحاضرة ممتعة عن تاريخ المياه في القرية. ربما شعرت ببعض الملل أثناء المحاضرة. وعبرت عن ذلك. لكنني بدوت غريباً تماماً حين عرفت واقع المياه في القرية التي تحصل الآن على مياه الشرب فقط بضعة ساعات في يوم محدد من كل أسبوع! القرية التي كانت قبل عقود قليلة تضم عين ماء تعني الحياة! الماء الذي ترك أثره على كل شيء: الأرض والبيوت والناس! وحين انتقل الناس، مشياً، إلى صالة المعرض الذي ضم معرض الكاريكاتير والكتب والأعمال اليدوية، غصت الصالة والباحة الأمامية! وانتظر بعض الناس خروج بعضهم حتى يمكنهم الدخول! (منذ متى لم نرى مثل هذا المشهد؟).
اليوم الثاني اعتبر يوماً لعدم التدخين. ومن الساعة الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساء، التزم الكثيرون بعدم التدخين نهائياً! كانت خطوة لافتة. وابتدأ اليوم الثاني هذا بسلسلة محاضرات طبية تثقيفية لأطباء من صدد. أعقبها تكريم لطلاب صدد الأوائل في الشهادتين الإعدادية والثانوية. ثم افتتح الأطباء عيادات استشارية مجانية قدموا من خلالها الاستشارات، وبعض الأدوية مجاناً. وفي المساء، أقيمت أمسية قصصية شارك فيها نور الدين الهاشمي، وأميمة ابراهيم، وهالة حبابة. أمسية غاب عنها النقاش، لكنها كانت رشيقة وخفيفة على غير عادة الأمسيات القصصية!
أما في اليوم الثالث والأخير، فابتدأ بحملة تشجير رمزية استهدفت تشجير مدفن البلدة. وفي المساء، أمسية شعرية شارك فيها عبد الكريم الناعم، ومصطفى خضر، ومحمد علاء عبد المولى، ويوسف حنون. وعرض مساء فيلم "وادي الذئاب" الذي شارك فيه غسان مسعود. الفنان الذي حضر خصيصاً لساعات قليلة إلى صدد ليشارك الناس في نقاش الفيلم. وعرض هذا الفيلم جاء بالتعاون مع النادي السينمائي بطرطوس الذي تطوع إثنان من أعضائه (فيصل ملحم ومحمد سعيد حسين) بالقدوم إلى صدد حاملين معهم الفيلم وجهاز العرض، ورغبة عارمة بالمشاركة. وأسدل الستار على الأسبوع الذي يستحق، بأيامه الثلاثة الحافلة، ولياليه الثلاثة المحتفلة، تحية تقدير.
جدير بالذكر أن هذا التعاون بين موقع كاريكاتير سورية عبر المعرض، والنادي السينمائي بطرطوس عبر الفيلم، وأسبوع صدد العراقة الذي احتضن الفعاليات، جاء نتيجة مثمرة لعمل موقع "نساء سورية" على تشبيك عملي وفعال بين الفعاليات التطوعية والمدنية المختلفة في سورية. وهو جهد بذلت فيه الزميلة ثناء السبعة جهوداً مميزة.

صدد.. التاريخ..Saddad 2006
"هذه المعلومات منقولة عن بروشور المعرض".
(تل صدد: يقع تل صدد خارج البلدة القديمة، ومظهره يدل على أنه تل صنعي مسور باللبن والحجارة حماية له. يبلغ ارتفاعه عشرة أمتار، وينبسط باتجاه الغرب. ويقابله شرقاً قبة دير مار جرجس بما لا يتجاوز 80 متراً. وظيفة هذا التل المراقبة بمختلف الاتجاهات لإنذار الناس بحال وقوع خطر على الرعاة والفلاحين الموجودين في البرية، وكانت تضرم النيران على قمته لتهدي الضالين إلى القرية، واستعمل كمنصة لمنادي يقف على قمته ويبلغ أهالي البلدة بالأمور الهامة.
وجد في أعلى التل فوهة يظن أنها فوهة بئر حجري لم تستكشف بعد. يعتقد أن هناك نفقاً يصل التل بالبرج القديم، ويبدأ النفق في مغارة بمنطقة النقر -ربما هي بداية هذا السرداب- ولم يستكشف السرداب أيضاً.
تم استعمال السفح الغربي للتل كمدفن للبلدة لفترة من الزمن. ويوجد اليوم في سفح التل مركز بلدية صدد الذي بني عام 1974، وتحيط به حديقة صغيرة.
ويقع التل ضمن المنطقة العمرانية الحديثة على تقاطع طريق قرية مهين مع الطريق الواصل لساحة البرج حيث مركز البلدة.)

نساء..
في بلدة صدد التي تضم نحو 14.000 إنسان، ينخفض عدد المتواجدين فيها شتاء إلى نحو 4.000 فقط! تبعد نحو 120 كم إلى الشمال الشرقي من دمشق، ونحو 60 كم إلى الجنوب الشرقي من حمص. وقد ذكر اسمها في سفر العدد 8:34 من التوراة التي يرجع تاريخها إلى 1452 قبل الميلاد. كما ورد اسمها في سفر حزقيال 15:47. ووفق بعض المعاجم اسم صدد يعني (مقابل الشيء). إذ يقال (بيتي صدد بيتك) أي مقابله. ويظن أنها سميت كذلك لأنها تقابل امتداد سلسلة جبال لبنان الشرقية. في صدد (مناصب) قليلة. لكن سيدتين احتلتا منصبين مهمين في هذه البلدة، تنفيذي وثقافي. السيدة فريال العيسى رئيسة للبلدية، والسيدة ميادة فليفل رئيسة للمركز الثقافي. تبدو نسبة عالية فعلاً! وكان مرئياً أن السيدتين تواجدتا في مختلف النشاطات والفعاليات. لكن ما كان لافتاً أنهما لم (تتصدرا الكاميرا)! لعل هدوء البلدة والطريق الصحراوي الطويل حماهما من آفات (الشهرة)! لكن، لعلهما أيضاً سيدتين تلتفتان إلى العمل، لا إلى المظاهر! الواقع أن المسؤولين في البلدة، جميعهم رجالاً ونساء، شاركوا في جميع النشاطات. هذا أمر آخر يستحق التحية.
(على هامش الأسبوع، أجرت الزميلة ثناء السبعة، عضوة فريق عمل نساء سورية، لقاءات مع عدد من المسؤولين.. لقراءة اللقاءات، الرجاء انقر هنا..)


خاص: "نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon