المرأة تقود السيارة؟ يا للعجب!

نعرف أن نساء في بلدان أخرى تعاني جدياً من توفر أبسط حقوقها الإنسانية، وبضمنها قيادة السيارة! ورغم أنها صارت قضية ومعركة في بعض تلك البلدان، إلا أن المثير حقاً هو مقال قرأته مؤخرا في جريدة الثورة السورية بعنوان: "قيادة السيدة للسيارة .. هل هي حاجة.. أم هي مجرد (بريستيج) اجتماعي"! للزميلة براء الأحمد.


وإذا كنا في هذه الكلمات لا ننتقص أبداً من نضال تلكم النسوة من أجل حقوقهن، بما فيها قيادة السيارة. إلا أن هذا "التحقيق" المعد في سورية، بدا خارج السياق تماماً. رغم أن هدف الكاتب يبدو واضحاً، وهو دعم قيادة المرأة للسيارة.
تقول مقدمة الموضوع: "انتشرت ظاهرة قيادة السيدات للسيارة في الآونة الأخيرة.. وتزداد يوماً بعد يوم ولاسيما في حال توفر الظروف المادية والاجتماعية. فهل هي وليدة الحاجة والضرورة ولها علاقة بطبيعة الحياة العصرية التي نعيشها أم ظروف العمل الطويل للزوج وكثرة غيابه عن المنزل جعل الزوجة تعتمد على نفسها? أم هي مجرد نوع من الكماليات وبرستيج يكمّل أناقتها?‏
* أسئلة متعددة طرحت على سيدات كانت لهن تجربة في هذا المجال وكانت الآراء متعددة منها ما يؤكد ضرورتها ومنها ما تشير إلى أهميتها لكسر حاجز الخوف لدى السيدة كطبيعة.‏"! ثم تبدأ اللقاءات مع سيدات يقدن السيارة ومدربات على قيادة السيارة وبعض الرجال.
ما المشكلة في طرح هذا التساؤل؟
يبدو لنا أن هناك أكثر من مشكلة.. تبدأ بالعنوان! فالعنوان بحد ذاته يتضمن تمييزاً مضحكاً في الحقيقة. إذ لا أعرف أبداً أن مقالاً صحفياً تساءل إن كانت قيادة الرجال للسيارة هي حاجة أم مجرد (برستيج)! ولا أعرف أصلا مادة إعلامية تناولت قيادة الرجل للسيارة من باب أنه ذكر يقود السيارة.
فلماذا يطرح التساؤل هنا عن النساء؟ هل لنؤكد أنه (حاجة) وليس (برستيج)؟ وماذا لو كان (برستيج)؟ هل سنطالب عندها بإيقاف المرأة عن قيادة السيارة؟ طبعاً ليس من الوارد التساؤل إن كان الرجل يقودها من باب (البرستيج)! فهذا (حقه الطبيعي)! وهو أمر لا يستدعي أي تساؤل من أي نوع أو مستوى. ربما باستثناء البيئيون الذين يدعون، محقين، إلى تخفيف الاعتماد على النقل الخاص لصالح النقل العام مما يساهم في تخفيف نسبة التلوث والازدحام.
العنوان إذا مارس تمييزاً صارخاً من حيث أراد دعم "حق المرأة" في قيادة السيارة! وملاحظتنا هي بالضبط أن هذا الفعل ليس أصلاً في باب "الحقوق"، وطبعاً ليس في باب "الواجبات". بل هو حصراً في باب الحرية الشخصية التي (لا تنتهي حين تبدأ حرية الآخرين)! وأن تقودها للحاجة أو للمتعة أو للبرستيج هو شأنها وحدها! وفقط حين تخالف أنظمة المرور، يصير من شأن شرطة المرور أيضاً!
المشكلة الثانية هي في الجملة الافتتاحية: "انتشرت ظاهرة قيادة السيدات للسيارة في الأونة الأخيرة.."! فرغم أن مفهوم "ظاهرة" يستخدم علمياً على كل ما يبدو متكرراً بدرجة من التواتر والشيوع، إلا انها لا تستخدم عادة في القضايا المجتعية إلا في سياق سلبي. فلا يوجد من يتحدث عن "ظاهرة التعليم الإلزامي"! ولا عن ظاهرة "التنمية البشرية" مثلاً. بينما تستخدم "ظاهرة ضرب النساء"، و"ظاهرة تشغيل الأطفال".. إلخ. والحديث هنا عن ظاهرة يحيل فوراً إلى أمر غير طبيعي في ذهن القارئ. وعلى الأرجح أمر مستهجن. فهل هذا ما ابتغاه المقال؟ لا نعتقد ذلك.
المشكلة الثالثة، والأهم برأينا، هي التساؤل التالي: "فهل هي وليدة الحاجة والضرورة ولها علاقة بطبيعة الحياة العصرية التي نعيشها، أم ظروف العمل الطويل للزوج وكثرة غيابه عن المنزل جعل الزوجة تعتمد على نفسها؟ أم هي مجرد نوع من الكماليات وبرستيج يكمل أناقتها؟". من الواضح أن التساؤل، بأقسامه الثلاثة، يخرج من دائرته أي اعتبار للمرأة نفسها! وهو يقول، بالتالي، أن قيادتها للسيارة يجب أن تكون خاضعة لأحد "المبررات المقبولة"! فإذا لم تكن كذلك، صارت في باب "البرستيج"! ولذلك فإن القسم الأخير من التساؤل هو وحده الذي أدخل المرأة في دائرته، بل وأقصى كل ما عداها! وهذا الإدخال يطابق مباشرة الصورة النمطية السائدة عن المرأة: إذا لم يكن ما تفعله نابع عن ضرورة أو حاجة، فهو "برستيج" بالضرورة! وطبعا هذه المعادلة لا تطبق على الرجل! فهو لا يحتاج مبررات لأي فعل!
يبدو لنا أن المشاكل التي أشرنا إليها كأنها تنتمي إلى بلد آخر. وربما أن شيوع مشكلة حرمان المرأة من أبسط حقوقها وحرياتها في بعض البلدان، وكفاح نساء تلك البلدان من أجل تحسين أوضاعهن، قد لاقى "صداه" عندنا في نقل الصيغ كما هي.. دون انتباه أن الأمر قد يختلف من مجتمع إلى آخر. وقد يؤدي، حين نسيء استخدامه، إلى غير ما نريد ونقصد. ولا أشك أن الزميلة براء الأحمد لم يكن في قصدها شيء مما قلناه أعلاه، لكن لعله من المفيد أن نعيد النظر بما نكتبه بعين ناقدة، خاصة حين نعرف أن هناك من يقرأه، ويتأثر به.


خاص: "نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon