التطوع بين شبابنا كيف يتحول من مجرد رغبة إلى ثقافة مجتمعية؟

إنهم أنفسهم الذين يرقصون على أنغام روبي ويوري ومروة أنفسهم الذين يلبسون الجينز الممزق، ويجوبون المقاهي لشرب الأراكيل ولعب الشدة.

أنفسهم الذين نكاد نجزم أنهم لا يبالون بما يدور حولهم، بأنه لا يعنيهم شيء مما يجري.
إنهم أنفسهم الذين تجمعوا بكل حماسة ورغبة في التطوّع أمام مبنى الهلال الأحمر والمدينة الجامعية والست زينب.
إنهم شبابنا.
تراهم وقد حملت التصور المسبق بأنهم سطحيون غير مبالين، تراهم وتغلبك الرؤية الحقيقية بأننا نحن من وضعهم على الهامش، ونحن الذين تجاهلناهم في خطط الدولة وقراراتها ومشاريعها.
إنها ليست حماسة المحنة وليست ابنة وقتها، إنما هي صورة حقيقية لشباب وشابات يريدون أن يأخذوا دورهم في المشاركة في المجتمع والدولة، يريدون أن يثبتوا لأنفسهم أولاً وللآخرين ثانياً أنهم هنا.

متطوعو الهلال الأحمر نموذجاً
عندما دخلت مبنى الهلال الأحمر في أبو رمانة شعرت كأني في خلية للنحل، رأيت شباباً من مختلف الأعمار يرتدون أفرولات بنية وحمراء وصداري بيضاء رسمت عليها شارة الصليب والهلال الأحمر، كل يرتدي حسب الدور الموكل إليه يعملون باندفاع وتنظيم.
هذا يقف عند الباب يسجل أسماء الراغبين في التطوع،وذاك يسجل أسماء القادمين الجدد من الأرض اللبنانية،وتلك تنظم توزيع الأسر إلى السيارات التي ستقلهم إلى مكان الإيواء، وبعضهم وقف يدون على سجل خاص التبرعات الواصلة إلى الهلال وآخر يسجل ما يخرج من المبنى وما ينقص من أدوية ومعدات.
وهنا في وسط القاعة شباب يخططون لما عليهم فعله،وعلى مقربة مني جلست بعض المتطوعات لتحاور مجموعة من اللاجئين ليخففوا عنهم ويستفهموا نوع المساعدة الممكن تقديمها.
ووسط الضوضاء الجميل والوجوه الشابة المفعمة بالحيوية والنشاط قرأت ما كتبه أحد المتطوعين في الهلال الأحمر في مجلتهم (شباب): (كنت سلبياً جداً فيما مضى، كنت أعتقد أنه ما من سبيل لإصلاح أي شيء في هذا العالم، كنت دائماً أجد المعاناة والبؤس الموجودين حولنا أكبر من أي محاولة للمساعدة لست أعرف كيف وصل شخص مثلي إلى الهلال الأحمر. لحسن الحظ استطعت أن أفتح عيني وأن أفيق من اليأس والتهكم، وأن أعرف أنه لا توجد عصا سحرية بيد أحد يستطيع أن يتغلب بها على الأوضاع. الأمور تتحسن بالعمل الدؤوب والصبر وبالاتفاق الجماعي على الهدف النبيل، لم أعد أنتظر نتائج سريعة ومستحيلة صرت أشعر بنتيجة العمل بالتدريب وعرفت أني أمشي على الطريق الصحيح).
وكتب آخر عن تجربته بالتطوع: (عندما تطوعت بالهلال كانت لدي رغبة في المساعدة، لم أكن أعلم أن حياتي قد تغيرت إلى الأبد عندما اتخذت هذا القرار، أنا الآن شخص مختلف. شاهدت أوجهاً جديدة من الحياة، تعلمت الكثير من كل نشاط قمت به، أنا ممتن لكل لحظة أمضيتها في الهلال الأحمر).
أما المشرف في فرع دمشق فقد حدثنا عن الأعمال التي يقوم بها الهلال في سورية، من رعاية الأيتام والعجزة والمعوقين ومواكبة الأحداث بكامل الجاهزية عند الأزمات والكوارث، وكذلك ما يقوم به من معسكرات ودورات تدريبية يصقل بها المتطوعين ليصبحوا قادرين على العمل بمختلف الظروف مع مختلف الفئات.
أما عن الظروف الحالية فهم يعملون على مدى 24 ساعة بالتناوب، وفي كل مكان عند المناطق الحدودية ومراكز الإيواء وفي المبنى وأماكن أخرى، يساعدون اللاجئين على العثور عما يحتاجون من مؤن ومواد تموينية وأماكن إيواء، ويساعدونهم على العثور على أقربائهم وحل مشاكلهم العالقة التي قد يستطيعون المساهمة في حلها. إضافة إلى ذلك يوجد تنظيم دقيق لكل اللاجئين إلى سورية عن طريق الهلال، إذ تسجل أسماءهم لترسل بشكل مركزي إلى ما يسمى لم الشمل، مما يساعد الأسر والأفراد التي فرقها الحرب على أن تجد بعضها.
أما بالنسبة للراغبين في التطوع فإنهم يستقبلون كل من يريد، على ألا يقل عمره عن(16 عاماً وأن يلتزم بالانضباط، وإن الأعداد المتقدمة للتطوع توحي بالتفاؤل.
ومع مغادرتي المبنى حاولت العثور على أجوبة عن كيفية تكريس ثقافة التطوع ودعمها كي تتحول من مجرد رغبة تسم أفراد مجتمعنا إلى آلية عمل حقيقية نصل بها إلى نتائج إيجابية تساهم في عملية التطور المجتمعي في سورية، فالتطوع عمل نابع من الإرادة الحرة للفرد يقوم به الإنسان باندفاع لخدمة الغير دون مقابل، وهو الجهد الذي يبذله الفرد لمجتمعه بدافع منه إلى المساهمة في تحمّل المسؤوليات لتقديم خدمات للمجتمع. وهذا العمل يجب أن يكون منسقاً ومنظماً وذا أهداف مرسومة سلفاً وطريقة عمل محددة قبل البدء به، كي تأتي نتائجه مناسبة. ويجب أن يتحلى المتطوع بمواصفات معينة كالالتزام والاندفاع والمثابرة والعطاء دون مقابل والروح الجماعية والانضباط.
ولكي يبقى المتطوع منجذباً إلى عمله التطوعي لا بد من اتباع أساليب معينة، كإعطاء الدعم المعنوي والمساواة والحياد بين كل المتطوعين، مع إبراز قيمة عمل المتطوعين والحرص على معرفة قدرات كل متطوع على حدة، وتأكيد تحديد احتياجات المتطوعين التدريبية. وهذه الأمور تكرس فكرة التطوع ضمن المتطوعين أنفسهم وتشعرهم بأهمية عملهم ودورهم البناء.
وللمجتمع والدولة دور في تعزيز الفكر التطوعي عن طريق مؤسسات الإعلام والتعليم، بأن تبرز صورة المتطوع الهامة في جميع الأعمال والقطاعات والنشاطات من خلال المناهج التربوية ووسائل الإعلام المختلفة، مع العمل على خلق رأي عام حول دور وأهمية التطوع والمشاركة مع الآخرين في التنمية الاجتماعية مع تعزيز القيم بين الأهل والمدرسة.
ولكي لا يبقى عمل المتطوع في نظر الآخرين مبالغة في العطاء ومضيعة للوقت أو عملاً في الوقت الإضافي لا بد أن تدعمه مؤسسات الدولة كافة، وهذا ما يحتاجه مجتمعنا بالفعل كي يبقى للتطوع أهمية وتتعزز مكانته ليعم على جميع أفراد المجتمع.

16/8/2006


ينشر بالتعاون مع جريدة النور

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon