لا يزال الفيلم مستمراً

المدينة في هرج ومرج شديدين، على الرغم من أنه كان يوم راحة.. لكن شيئاً ما يحدث، غابت الشمس باكراً.. وأضواء المدينة بدأت بالتوقد والزهو أكثر مما كانت عليه..ما القصة.. ؟..


الناس صاخبون.. مسرعون.. لابد أن في الأمر سراً ما..
.. ويحدثها بشيء من المودة..
- يقولون إن فيلماً جميلاً سيعرض اليوم
- نعم لقد تحدثتْ عن ذلك جميع وسائل الإعلام
- ما رأيك لو دعوتك؟..
- موافقة..
- سيكون فيلماً رائعاً.. 
.. مثل هذه الكلمات كانت تعانق ألسنة الناس على اختلاف أعمارهم وأجناسهم وأجيالهم..
.. أخيراً..
جاء المساء.. وفعلاً.. كانت صالة السينما أشبه بساحة الحشر يوم القيامة.. بدأ الفيلم.. أخذ الناس يتابعونه بانجذاب أقوى من الجاذبية الأرضية نفسها..
انتهى العرض..
خرج الناس جماعات جماعات.. إلى أين يتجهون ؟.. إنه منتصف الليل.. القمر وحده يستطيع مشاهدة الجميع.. لم تستطع العجائز أن تعود إلى بيوتها.. فضلّت الجلوس عند حافات الطرقات، أو على كتف النهر ومواقف الحافلات.. رحن يبكين بحرقة شديدة تدمي القلب والوجدان.. لكن، ما الذي يستحق البكاء ؟. فضل الرجال أن يفتحوا حوانيتهم.. علهم ينسون ما حدث.. لكن ريح المناقشة الحادة، ظلت تعصف بمخيلتهم .. مذكرة إياهم بأحداث الفيلم الرهيب الذي طبلّت له وزمّرت هذه الدنيا الملعونة
.. تفاهات.. تفاهات..
معركة كبيرة، كادت أن تنشب بين رجلين اختلفا حول عيون البطلة السمراء.. هل هي سوداء أم خضراء.. لكن (ذقون) الشباب كافحت المصيبة بسرعة..
.. إلى الساعة الكبيرة النائمة وسط المدينة.. اتجهت قطعان الشباب، تجر خلفها شرذمة كبيرة من حسناوات السينما، بعضهم يبكي ويندب.. والبعض الآخر يضحك كالممسوس.. كل حسب قناعته بالفيلم وأحداثه  .
كان لابد لهؤلاء المتجمعين في الساحة أن يتمثلوا في داخلهم حياة البطل والبطلة.. والأعمال  الباهرة التي قاما بها.. بدأ فيلم جديد أجمل من الأول..
خلعت العذراوات ما عليهن من ثياب.. ثم استلقين على التربة الواخزة ورحن يقمن بحركات حاولن بها جذب الشباب، الذين بادروا بدورهم إلى خلع ملابسهم منجذبين إلى المشاهد المتحركة على هذه الأرض الصامتة..
خلال لحظات …
كانت ثنائيات رائعة من الشباب والبنات تمارس الحب بلذة وسعادة لا مثيل لهما..
يا حرام.. الليل وحده من كان وحيداً ..
 أصوات القبل تدمر صمت المكان، بالإضافة إلى بعض القهقهات الفظيعة .
من بعيد ظهرت جعجعة ما تنذر بشيء متوقع الحصول.. أصوات جائرة تخالط أصوات القبلات الحادة.. نيران تدمي صدر السماء الأسود الحزين.. ظهر المنظر الآن..
مجموعة من الرجال ممن شاهدوا الفيلم.. اعتلت ظهور خيل جامحة.. سوداء وحمراء.. تحاول تمثيل بطولات الفيلم.. وقد ربط كل فارس منهم عصبة سوداء على رأسه.. وأخرى حول إحدى عينيه ليبدو كأنه أعور.. انطلقت تلك الخيول نحو الساحة الهادئة.. تلغي الرومانسية التي كانت تسود الجو.. الكل يحارب بعضه.. والمهم أن تنطلق النيران.. ممن ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ لا أحد يعلم !! بل أن الأمر لم يكن مهماً إلى هذه الدرجة الكبيرة.. فالسعادة العظيمة التي تخلفها هذه العملية البطولية تعادل أرواح المتحاربين..
يا له من منظر ؟! حب وغرام في الأسفل.. دماء وجحيم في الأعلى.. كأن السماء والأرض انحصرتا في هذه الساحة الملتهبة الآن..
عجائز تنوح.. ورجال يتنافسون بحماسة.. وشباب يمارسون إنجاب الأطفال المساكين.. وهناك.. قراصنة يمارسون لعبة الحرب..
مر المؤلف حاملاً نص الفيلم.. نظر إلى هذا الفيلم الرهيب الذي يجري أمامه الآن.. أطال.. وأطال النظر.. ثم حول نظره الدامع إلى مجموعة الأوراق المصفرة تحت إبطه.. هل من المعقول؟  أهذا ما جاء به فيلمه ؟.. لا.. بل نعم.. بل (؟؟ ..)
لعن نفسه ولعن قلمه الأعمى.. ثم جلس القرفصاء ـ كالأطفال ـ رمى بأوراقه على الأرض.. حولها إلى صواريخ باكية.. مرسلاً إياها نحو السماء البعيدة.. نحو النجوم والقمر والملائكة.. علها تفهم المشكلة..
استلقى على التراب الناعم وأغلق عينيه في انتظار الصباح..
مرَّ المخرج والمصور.. لاحظا العملية الإخراجية الرهيبة.. تمنى المصور لو أنه يمتلك (كاميرا) ليلتقط بعض الصور لهذه المشاهد الخيالية وتلك الزوايا المتناسقة، أما المخرج.. فقد تمعن في الانفعالات النفسية التي تمارسها الشخصيات.. ويا لشدة إعجابه بما رأى (؟؟..)
وكما فعل المؤلف.. فعل المصور والمخرج..
والفيلم ما يزال مستمراً ..


خاص: "نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon