الاغتصاب في الحروب بيان كراهية على اجساد الضحايا

لماذا ارتبطت الحروب وحوادث العنف بين البشر، تاريخيا، بفعل الاغتصاب؟ وأي علاقة سببية تربط فكرة الحرب بفكرة اغتصاب اجساد نساء الآخر التي تتحول الى هدف حربي في الصراع؟ وهل يخطر ببال الجنود في هذه الحالة وغيرها، أنهم يحققون نصرا على جهة ما «افتراضية» عندما يقدمون على فعلتهم الوحشية؟ هل ينتقمون من فكرة الحرب نفسها، ام من رؤسائهم ومعاونيهم الذين يزجون بهم الى هذه الـ «الجهنم» الارضية؟ خطرت ببالي هذه التساؤلات وانا اتابع محاكمة الجنود الاميركيين المتهمين باغتصاب فتاة عراقية قبل قتلها وعائلتها في اذار (مارس) الماضي في قرية قرب مدينة المحمودية.
التساؤلات المطروحة لا تخصني انا فقط، وتمرّ ببال الكثيرين في كل مرة يثور فيها الحديث عن قضايا الاغتصاب في اوقات النزاع والحروب. فمن غير المعقول ان هؤلاء الجنود بهذا القبح دوما حتى في اوقات الحروب، ليس الجنود الثلاثة كلهم كما في حالة الفتاة العراقية، فواحد منهم على الاقل لديه ضمير صحا متأخرا واعترف بالجريمة وطلب من الشعب العراقي الا يغفر له فعلته!
لاجل هذه الامثلة وغيرها، لا يتحمس البشر لفكرة شن الحروب، فهي تخرج اسوأ ما في البشر من اوساخ وامراض نفسية كامنة. وفكرة العداء لها ترتبط بمقدار تحضر المجتمعات والبشرية جمعاء. لذا، عندما احتشد ملايين الاشخاص قبل اربع سنوات في انحاء اوروبا احتجاجا على الحرب على العراق، تململ بعض العراقيين الذين كانوا يتعجلون التخلص من رئيس طاغية وحاشيته، فقد وجدوا في فكرة الحرب فرصة لا تفوت لتحقيق هذا الهدف، خصوصا انها تتم برعاية اميركية بريطانية. الا ان من خرج في تلك المسيرات في حينها احتجاجا على بوش وبلير، لم يكن متعاطفا مع الدكتاتور العراقي، ولا تمنى له طول البقاء هناك ليزيد من الخناق على شعب انهكته الحروب والحصار. كان المحتشدون يصوتون ضد مضمون الحرب وآلياتها في المطلق.
للحروب قذاها ووسخها وأول الضحايا هم البشر أنفسهم الذين تشن الحروب باسمهم وبحجة حمايتهم. هذا ما علمه لنا التاريخ وحفظه لنا من أمثلة في الوعي الجماعي وفي الحكايا والملاحم المكتوبة، وما اثبته التاريخ الحديث والذاكرة القريبة من حروب القرن العشرين. الانسان وقود الحروب تاريخيا، أيا كانت طريقة التدمير وشكلها، وأيا كانت تركيبة النزاع حروبا قبلية ام جيوشا منظمة. هناك انتقام من الاخر هدفه جسد الانسان نفسه قبل مبانيه لان الحروب لا تعرف فكرة النبل، لذا قتل الرجال بوحشية في النزاعات القديمة وسيقت نساؤهم «سبايا» للمنتصر. وماذا يفعل المنتصرون بالسبايا غير اغتصابهن، امعانا في اذلال العدو المغلوب المكون اساسا من الرجال؟ ولا تزال الفكرة القديمة حاضرة، اذ يلجأ البعض من القبائل الباكستانية، على سبيل المثال، الى خطف نساء القبيلة العدوة واهانة رجالها باغتصاب النساء. وتقول التقارير الواردة من هناك، ان المرأة تعاقب مرتين، فبعد الاغتصاب المهين لنفسها تنبذها قبيلتها وتحتقرها. بل ان بعض المحاكم المحلية لا تزال تطلب من المرأة اثبات حادثة الاغتصاب والا اعتبرت زانية تستحق الرجم او الجلد. يحدث هذا في الالفية الثالثة للحضارة الانسانية المدونة رسميا.
تقدم الزمن ولم يرتق شكل الصراع بين البشر. تغيرت اشكال الاسلحة وتقنيتها وغابت السيوف والخناجر والنبال، ولا تزال فكرة الاغتصاب واحدة من التداعيات التي لا تتغير في خضم العنف البشري الجماعي.
ان جسد المرء أخطر نقطة لاهانة روحه، فان حاول احد ان يزاحمه في مكان عام احس بانزعاج، وان مد رجل بوليس يده عليه في اي تجمع ليبعده عن المكان او ليعنفه، شعر بالاهانة. فكيف اذا امتزجت فكرة الاهانة بفكرة السخرية وتحول الجسد المهان الى هدية تذكارية تحمل من سياحة الحروب الحديثة، على شاكلة صور بشعة لتعذيب المساجين في سجن ابو غريب مثلا!. لقد امتدت فكرة اغتصاب اجساد النساء لتطال اجساد الرجال انفسهم، باهانتهم في مواقع حساسة من اجسادهم، كنوع متطور من الاذلال يليق بالصور الديجيتال التي يمكن ان تلتقط من خلال الموبايلات، وترسل، للذكرى الفائقة الغرابة، الى انحاء الكرة الارضية، وقد تعرف تلك الصور طريقها الى الكمبيوترات فتدور كأتاشمنت، وقد تتسلل الى الصفحات الاولى في الصحف فتصنع المانشيتات الرئيسة وتثبت للعالم المتحضر كم هي حقيرة الحروب التي يقودها بعض انظمته.
فهل ارضت الحرب الاخيرة على العراق الرغبات المريضة لبعض جنودها، هل اطلقت ما هو مكتوم وكامن من الكره للاخر الضحية التي يعاملها بعض جنود التحالف الدولي كأنها سبب في وجوده داخل هذه الظروف المقيتة؟ ألهذا السبب قتل الجندي الاميركي ستيفن غرين وزميلاه الفتاة العراقية التي اغتصبوها وقتلوا ثلاثة من افراد عائلتها بعد ذلك كأنهم يقولون لهم "لولاكم يا.. ما كنا هنا"؟ أكان موقفا عبثيا معترضا على الوجود داخل المحرقة الانسانية واختلاط الصحيح بالخطأ بعد ان ضاعت البوصلة؟ تساؤلات مفتوحة على الكثير من الاجابات والاجتهادات، يجمعها توصيف واحد، فشن الحرب على الاخر في الاساس، يعني شن الكراهية عليه، والجسد خير نموذج لتعليق ملصق بيان الكراهية هذا.

غالية قباني- (الاغتصاب في الحروب بيان كراهية على أجساد الضحايا)

الحياة (28/11/206)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon