متى كان المهر ضماناً للمرأة؟!

الإنسان هو قيمة القيم في الحياة.. ولا يمكن أن يقيّم بثمن، رجلاً كان أم امرأة، فكيف وتلك الزهرة الرائعة تخرج من بين الصخور، تحمل في ثناياها عبقاً رائعاً،

 ينثر في الكون حباً وحناناً وعطاء؟ ونحن إذ نرى في المرأة تلك الصفات والقيم، لا نجد من اللائق أن ننظر إليها أو نتعامل معها كشيء مادي له ثمن، خصوصاً أننا متفقون على أنها واهبة الحياة، وصانعة الأجيال، فهل يعادلها أي ثمن مهما كان باهظاً وكبيراً؟
فكيف تقيمها الأعراف والتقاليد بقيمة معينة بحجة الحفاظ على حقها في حياتها القادمة، عندما تتحمل مسؤولية تكوين أسرة، بعرف اسمه »المهر«!
وأمام الهياج المستعر في تحديد المهور، خصوصاً وأننا نلج الألفية الثالثة، أجد أنه من الأهمية بمكان أن نقف عند تلك الظاهرة، وطرحها على بساط البحث والمناقشة، لنصل إلى ما يمكن من خلاله الحفاظ على الأعراف الاجتماعية الإيجابية مع احترام المرأة وكرامتها دون المساومة عليها عندما تريد أن تبدأ حياتها الأسرية والاجتماعية.
وإذا كنا نؤمن بحق المرأة في الحياة، وبأنها شريك للرجل في تحمل مسؤوليات الحياة وتكوين أسرة، وبعد كل التطور الذي طال المرأة في المجالات كافة، علينا أن نتعامل معها على أنها مساوية للرجل ليس فقط بالعلم والعمل والثقافة، إنما بمجمل الأعراف والقوانين، حتى نصل إلى مساواة حقيقية فعّالة. لأن التوازن الطبيعي الإنساني يقتضي التكامل والتكافؤ بينهما خصوصاً العلاقة الزوجية، فلا أحقية أو أفضلية لأحدهما على الآخر.
قديماً كان مهر المرأة »نوقاً وغنماً وخيلاً«، ومازال في بعض البيئات البدوية، ثم تحوّل تدريجياً إلى نقد مالي، فهل يحمي المهر المرأة فعلاً ويجعل حياتها أكثر استقراراً وأماناً؟ أم هل يحدد قدرها ومكانتها الاجتماعية والعلمية؟ هل يجنبها غدر الزمن والزوج في بعض الأحيان؟
أولم يُتّخَذ المهر وسيلة لطمع الأهل والاتجار ببناتهم أحياناً أخرى؟ والأسوأ من كل ذلك أنه عندما يُغالى به، فإنه يقف عائقاً أمام الشباب ويدفع بهم للتأخر في الزواج أو العزوف عنه، كما يقف سداً منيعاً أمام زوجين أصبحت الحياة بينهما مستحيلة لعدم قدرة الزوج على الوفاء بالتزامه هذا مع زوجته.
وهنا السؤال: لماذا يوضع المهر إذا كانت له كل هذه السلبيات؟ ففي حال كان الزواج ناجحاً مستقراً، سيكون تحصيل حاصل، لأنه لا يقدم ولا يؤخر. وفي الوقت ذاته ليس هو سبب هذا الاستقرار والنجاح. أما في حال تصدّع الحياة الزوجية وانعدام التواصل والألفة، فما قيمة المهر مهما كان كبيراً عند خراب تلك العلاقة الإنسانية، ودمار تلك الخلية الاجتماعية؟
أعتقد أن كل هذا لا يحمي ولا يرسخ دعائم الأسرة والعلاقة الزوجية، ثم ما قيمة حياة مشتركة قادمة إذا كانت مشروطة ومقيدة بعقود وسندات؟ هل هي شراكة اقتصادية أم أنها قبل كل شيء شراكة إنسانية روحانية اجتماعية، الهدف منها التواصل الإنساني وتطور المجتمع ورقيه إلى مستوى عال من حيث العلاقة بين الزوجين، ومن ثم بينهما وبين الأبناء؟ وإذا كانت المرأة التي وصلت إلى ما وصلت إليه من علم وثقافة وعمل، ومناداتها بالمساواة مع الرجل، تقبل أن توضع في إطار المساومة المادية في علاقتها به، فإنها هي التي تقلل من حقها في هذه المساواة، وتضع نفسها في المرتبة الثانية بعده اجتماعياً، خصوصاً إذا كانت مثقفة ومنتجة، لأنها والحال هكذا، يفترض أن تكون قد امتلكت زمام أمورها وذاتها، ولا حاجة بها لنقد يدفع لها عند ارتباطها بمن اختارت لمشاركتها حياتها القادمة. لأن ما يحميها ويؤمن عليها من غائلات الزمن، هو علمها ووعيها لذاتها وعملها، وليس مهرها هو الذي يدفع بها للاستقرار والأمان مع من تحب وتحيا، فمادامت المرأة باقية في حال من التبعية الاقتصادية للرجل، حتى في المهر، لا يمكن لها تحقيق وجودها الفعال والمعطاء، ولا أن تمتلك زمام أمورها، إذ كيف سيراها الرجل مساوية له، وهو المسؤول عن تأمين كل مستلزمات حياتهما القادمة من مهر وبيت وغيره؟! وهنا أرى أن المرأة أو الفتاة المثقفة والمتعلمة المنتجة هي التي عليها أن تبادر إلى تخفيف أو رفض بعض الأعراف التي يُغالى فيها بحجة حماية حقها ومستقبلها، لأنها عندما تقبل هذا، فهي تتساوى مع تلك التي تجلس في البيت بانتظار الرجل.
من جهة أخرى نجد المهر وسيلة للاتجار بالمرأة من قبل بعض الأهل عند تزويجها من شاب ثري من خارج بلدها طمعاً بالمال، ومن ثم تبدأ المشاكل عندما يذهب ولا يعود ويتركها مطلقة، أو عندها أطفال وهي في مقتبل العمر.. ألا يجب أن ننظر إلى المشاكل والآثار النفسية الناجمة عن مثل هذا الزواج؟
وصورة أخرى للاتجار بالمهر عندما توقع عقود الزواج بمهور باهظة فقط شكلياً، ثم يُُفسخ هذا الزواج النظري بعد أن تحصل الزوجة على كامل حقوقها بأية حجة، وبذلك لا تكون سوى سلعة أو جارية تباع وتشرى في سوق النخاسة. وحالات كثيرة أخرى لا يفيد فيها المهر مطلقاً، مثلاً عندما يستخدم الزوج كل حالات العذاب والتطفيش لتخرج المرأة متخلية ليس عن المهر وحسب، وإنما عن أولادها لتنجو بنفسها من جحيم قاتل. فهل حفظ لها المهر حقها من الضياع عندما ضاعت حياتها وتلاشت أسرتها؟!
وبعد كل هذا.. هل يبقى للمهور المستعرة والمرتفعة في مجتمعنا من قيمة فعلية تحمي المرأة من الضياع لحقها المادي والاجتماعي؟
أتمنى أن نصل إلى صيغة تكون أكثر رقياً وتحضراً لصك عقد الزواج وتأسيس تلك الخلية الاجتماعية والإنسانية، صيغة تكون أكثر إنسانية وروحانية من تلك الصيغ التي نتعامل بها منذ عهود وعهود، والتي لم تعد متوافقة كثيراً مع التطور الاجتماعي ومساواة المرأة بالرجل.
وعلى المرأة ذاتها تقع المسؤولية الكبرى في إيجاد تلك الصيغة الإنسانية، لتبقى هي سنديانة شامخة أبداً في زهوها وتفرعها.. راسخة أبداً في امتداد جذورها عميقاً وعميقاً في الأرض التي أنبتتها والتي منحتها أنوثتها ودفأها وحنانها.

إيمان ونوس: (متى كان المهر ضماناً للمرأة؟!)


تنشر بالتعاون مع جريدة النور- 1/11/2006

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon