جامعيات.. في شوارع الحياة

تقودني ضرورات الحياة والعمل أحياناً لأقصد العاصمة دمشق, المدينة الكبيرة الجميلة والقاسية أحياناً ففي الممرات الخلفية البعيدة عن الأنظار حكايات وحكايات, وكثير من الأحزان والصعوبات وهي في ذلك شأنها شأن كل العواصم تجمعني الصدفة في نزل لمبيت الشابات ومعظمهن من الجامعيات
ورغم أنني لا أبحث عن حكاياتهن وأسباب تواجدهن التي تتعدد وتختلف إلا أن تلك الحكايات تنتاقلها الفتيات أنفسهن لتطرق أبواب قلمي المتكاسل وتستثير حبره, بداية أوضح أن الأسماء الواردة هنا وهمية لكنها لشخصيات حقيقية قابلت بعضها وسمعت عن بعضها الآخر.‏
سارة: فتاة في الرابعة والعشرين تدرس الترجمة في برنامج التعليم المفتوح تعيش وحدها لأن ذويها يقيمون في بلد عربي غير بعيد لم تنجح في السنة الأولى, ترغب في التسجيل في المعهد البريطاني لتقوية لغتها الانكليزية وتبحث عن عمل يساعدها على العيش ومتابعة الدراسة بالشكل الذي تراه مناسباً تتساءل أما من وظيفة في إحدى الشركات ليس لمديرها مطالب (خاصة), وتغمز بابتسامة لطيفة تنصحها أخرى أنت ما زالت صغيرة وشوارع العاصمة قد تضيعك ارجعي إلى أهلك!1 لم تكن تعابير سارة تنم عن شيء سوى اللامبالاة.‏
فتنة: شابة تخرجت من كلية العلوم تعيش مع والدتها المريضة في قرية تابعة لمحافظة ساحلية, لها من الإخوة خمسة أو ستة تناثروا في دروب الدنيا, كغيرها من الخريجين لم تجد فرصة للعمل حتى الآن اعتنت بوالدتها أياماً إلى أن استعادت قدرتها على المشي والنطق إلى حد كبير, تخاصمت مع الإخوة حول ميراث وكردة فعل حملت حقيبتها وقصدت العاصمة بحثاً عن عمل فكانت ساعات التدريس الخصوصية, ولكن هل تشعر فتنة الآن بالراحة?! لا.. كانت حزينة تلعن الدنيا التي ساقتها إلى هنا وتتألم من أجل الأم التي تركت لنسوة الإخوة, وقبل مغادرتي كانت تنوي حزم حقيبتها مجدداً والعودة لحضن الأم رغم كل شيء.‏
سعاد: صبية ساحرة وأكثر من جميلة تدرس الإعلام في التعليم المفتوح أيضاً جاءت من مدينة ساحلية مدفوعة برغبتها في أن تصبح مذيعة في محطة فضائية جديدة, فجأة فتحت الباب وبيدها حقيبة وكيس من النايلون سقط منه ألبوم صور معظمه لها (فقد طلبت مني الإطلاع عليه لتثبت لي وربما لآخرين لا أعرفهم أنها جميلة), رتبت مكياجها, كانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف ليلاً كادت تبكي وهي تضع لمسة من أحمر الشفاه, وتجيب على الموبايل بعتب باد تتركني لحيرتي وعدم الفهم, لم هي غاضبة? لكن يبدو أن أحداً لا يقدر مواهبها وثمة شخص وعدها خيراً فخرجت وكلها أمل في تغيير مسار حياتها.‏
نورما: تعمل سكرتيرة في إحدى الشركات الخاصة, أعجب بها مديرها ونهاية المطاف كان زواجاً سرياً, بعدئذ بدأت لعبة المرأة في العزف على وتر الحب ,ما اضطره إلى تثبيت الزواج لكنها (حردت) في هذا المنزل ريثما يشتري لها بيتاً ويؤثثه بالأفضل, لا أعلم في أي كلية تدرس ولا أدري خاتمة القصة لكنني سمعتها توبخه وترفع عقيرتها بالصراخ مطالبة بعدم مكالمتها.‏
جهينة: جاءت إلى العاصمة من مدينة شمالية, هي زوجة وأم لطفل ,لا تبدو العلاقة مع أهل الزوج جيدة, ربما بسبب رفضهم نيتها في العمل كمذيعة في قناة فضائية, تتابع تعليمها العالي في التعليم المفتوح قسم الصحافة ,هي موظفة لكن طموحها يدفعها قدماً, تركت البيت والزوج وطاردت حلمها وفي النهاية فازت بعقد عمل.‏
فاطمة: فتاة من بلد عربي بعيد تزوجت من سوري ولها طفل, منذ مدة تطالب بالطلاق لكن الزوج يرفض, ربما ليس حباً تركت منزل الزوج وها هي تعيش هنا مع باقي الفتيات تنتظر أمها لتأتي من ذلك البلد البعيد وقد جاءت فعلاً وانهمكتا معاً بمراجعة سفارة بلدهما في دمشق لتسوية الأمر وما زالت الحكاية معلقة, فاطمة لم تنه تعليمها الجامعي.‏
سها: أنهت دراسة الأدب العربي على الرغم من أنها تزوجت مبكراً وابنتها الآن عروس, وهي موظفة اختلفت مع الإخوة حول ميراث طالبها الزوج بتحصيل حقها ومنعها من العودة إلى البيت إلا به لم تلجأ لبيت الأهل الموصد سلفاً في وجهها, ولم تدر ما تفعل فجاءت هنا تجالس الصبايا وتستمع لحكاياتهن الموجعة, تنصحهن وتواسي نفسها بأن ثمة آخرين لديهم الكثير من الأحزان والمصاعب, وفقاً لمعلوماتي ما زالت تنتظر.‏
الحكايات كثيرة وبعضها موجع حتى نقي العظم, فتيات يبحثن عن عمل في ظروف أقل ما يقال فيها إنها غير آمنة دوماً, ونسأل لم كل هذا ومن المسؤول, وإلى متى? وأين الأهل مما يحدث? أي علاقة تربطهن مع الأهل? إنها الحياة على أي حال بكل ما فيها وهذا هو سرها الكبير.‏

سوزان ابراهيم- (جامعيات.. في شوارع الحياة)

جريدة الثورة (28/11/2006)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon