العنف الأسري ومقاربة ضحاياه، عنوان أفرد للنقاش والبحث في جوانبه المختلفة الطبية والقانونية والاجتماعية، من قبل عدد من الأساتذة المحاضرين السوريين والألمان
في الدورة التدريبية الثانية التي أقامها قسم الطب الشرعي بجامعة دمشق بالتعاون مع رابطة الطب الشرعي في سوريا وبدعم من منظمة الـ DAAD الألمانية في الفترة الواقعة بين 19-30/ 11/2006 في قسم الطب الشرعي في كلية الطب بجامعة دمشق.
مشكلة دولية في كلمته التي ألقاها البروفيسور كلاوس بوشل رئيس معهد الطب الشرعي في هامبورغ، أشار إلى تاريخ التعاون بين جامعة هامبورغ وجامعة دمشق في مجال الطب الشرعي، الذي بدأ منذ عشر سنوات، مؤكداً على دور الطب الشرعي في المجتمع، وبخاصة في معالجة مشكلة العنف الأسري والتي يتطلب حلها تعاون مختلف اختصاصات الطب إضافة إلى القضاء والشرطة. وأضاف أن «المشكلة دولية ولا تقتصر على سوريا، وقد تنبهت أوربا لها، بحيث أصدرت قوانين خاصة لحماية الأطفال والنساء من العنف العائلي، وتقوم وسائل الإعلام يومياً بنشر التوعية حوله».
وفي تصنيفها كما أشار د. بوشل عدت منظمة الصحة الدولية العنف حالة مرضية، واعتبرته أحد أهم المشكلات الصحية الخمس في العالم. منوهاً «لا يمكن التعامل مع هذه المشكلة بسرعة أو حلها عن طريق الأدوية، قد يتطلب حلها إحداث بعض التغيرات في عادات المجتمع». وعرج بوشل على دور الطبيب الشرعي في معالجة العنف الأسري من خلال وضع تشخيص الحالة، واستعرض الخطوات الواجب اتبعاها من قبل الطبيب الشرعي عند فحص المتعرض للعنف. وتطرق لمشكلة العنف الجنسي الواقع ضمن إطار العائلة التي يتم التستر عليها في أغلب الأحيان والأمراض التي قد يتسبب فيها هذا العنف كالعدوى بمرض الإيدز والتهاب الكبد الوبائي.
دراسات إحصائية مع التأكيد على قلة عدد الدراسات الإحصائية التي تناولت ظاهرة العنف الأسري في سوريا، والصعوبات التي تواجه سير هذه الدراسات، وعلى رأسها عدم الاعتراف بوجود المشكلة، والتكتم الذي تعامل به هذه المشكلة من قبل العائلة نفسها، قدمت خلال الدورة ثلاث دراسات إحصائية خاصة بسوريا، وهي دراسة عن الاستغلال الجنسي للأطفال في سوريا كما يتذكره البالغون، قدمها د. مطاع بركات، ودراسة ميدانية إحصائية لحالات العنف الأسري الجنسي أجريت في مراكز الطبابة في سوريا باستثناء محافظتي حلب وريف دمشق استعرضها د. محمد فوزي النجار رئيس قسم الطب الشرعي بجامعة دمشق، ودراسة عن الأذيات الجسدية الواقعة على المرأة الناجمة عن العنف الأسري في محافظة حمص التي ضمنها د. بسام المحمد عرضه لما أنجزته رابطة الأطباء الشرعيين في سوريا خلال العام المنصرم في محاولة لكسر حاجز الصمت عن المشكلة، ومنها الإعداد والمشاركة في عدد من الأعمال التلفزيونية والمحاضرات لتسليط الضوء على المشكلة والحديث عنها في بعض المقالات في الجرائد والمجلات للتميز بين الضرب التأديبي والتربية، وعرض د. المحمد حالات واقعية لعدد من الأطفال تعرضوا للعنف الأسري ومنهم من قضى بفعله، مشدداً على أهمية تضافر الجهود كافة بما فيها جهود الجمعيات الأهلية للكشف عن هذه المشكلة ومعالجتها، وفي نهاية محاضرته قدم د. بوشل درع هامبورغ إلى قسم الطب الشرعي في جامعة دمشق.
وفي ورقته طرح د. يوسف لطفية أستاذ الطب النفسي في كلية الطب، ورقة حول سوء معاملة وإهمال الأطفال واستغلالهم وعواقبه النفسية وإمكانية حمايتهم، مستنداً إلى أرقام من الولايات المتحدة الأمريكية في طرح المشكلة، وعلى بعض الحالات المتعرضة للعنف في سوريا، مبيناً الآثار النفسية والجسدية التي تخلفها سوء معاملة الأطفال وإهمالهم، والسمات السلوكية للأطفال المتعرضين للعنف وأساليب الكشف عنه، والواجب المهني والقانوني للعاملين مع الأطفال.
الفقر والعنف ضد الأولاد في أوربا (هامبورغ نموذجاً) دراسة قدمها د. نيقولا أبو طارة المنسق الحكومي مع الدول العربية في ألمانيا، استعرض فيها واقع الفقر الذي يعيشه الأطفال في ولاية هامبورغ الألمانية حيث تبين الدراسة أن 20.4% من الأولاد دون الخامسة عشرة من العمر يعيشون على المساعدات الاجتماعية، و7 ملايين طفل يحيون ضمن عائلات مدمنة على الكحول، وخُمس حالات اللجوء للعنف ضد النساء جرت بفعل الإدمان على الكحول من قبل المعتدين.
القانون وضحايا العنف ثمة فروق واضحة ما بين القوانين الألمانية والقانونين السورية، هذا ما لفت إليه د. فرانكي رئيس محكمة التمييز في ولاية هامبورغ/ ألمانيا في بداية حديثه عن موقع الضحايا في القانون الجزائي الألماني، وأورد أمثلة على التدابير المتخذة لحماية المحتاجين من النساء والأطفال والعجزة من ممارسة العنف ضدهم، سواء بالإجراءات المتخذة كتخصيص رقم خاص للشرطة يمكن المتضرر من الاتصال به وخلال دقائق تكون الشرطة قد حضرت لإخراج المعتدي من المنزل وإبعاده لمدة تتراوح من 3-15 يوماً ريثما يتقدم المتضرر بشكوى تحال إلى المحاكم الأسرية المختصة في فض هذه النزاعات، ويمكن للمهدد بالعنف أن يشتكي للشرطة وبدورها تقوم بفرز مراقبين يحمونه عن بعد. كذلك بالنسبة لقانون تعويض الضحايا، حيث تقوم الدولة بدفع تعويض للضحية في حال لم يكن بمقدور المعتدي دفع هذا التعويض. أو بالنسبة لسير المحاكمات، ففي القانون الألماني تكون المحكمة سرية إذا كانت بدعوى الاغتصاب وذلك حرصاً على سمعة الفتاة أو المرأة أو الرجل، وفي حالة التحقيق مع الفتيان أو الفتيات دون سن 16، يكون رئيس المحكمة هو الشخص الوحيد المخول باستجواب الحدث وضمن أجواء تحقق شروط السلامة النفسية للطفل. أما بالنسبة للقانون السوري فقد تقدمت د. صفاء الأيتوني بورقة ضمنتها المقترحات القانونية لحماية الطفل في سوريا، واستعرضت من خلالها القوانين المتفرقة بما يخص الطفل في القانون السوري ( قانون العقوبات، الذي يشدد العقوبة على من يرتكب جريمة بحق طفل، قانون الأحداث، المخدرات، قانون العمل،..الخ) واقترحت أن يكون هناك قانون موحد للطفل سواء أكان جانياً أو مجنياً عليه. وعلى الجانب نفسه تحدثت د. كندا الشماط عن عمالة الأطفال في القانون السوري بعد أن عرجت على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالطفل، وأوردت المواد المتعلقة بحماية الطفل في القانون السوري، و اقترحت بعض الحلول للحد من ظاهرة عمالة الأطفال، ومنها؛ إلحاق التلاميذ المتسربين بمعاهد مهنية، وزيادة الوعي الأسري من خلال المنظمات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، واتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من الزيادة السكانية بغية التحكم بموارد الأسرة، والعمل على تبني مشروع لتأهيل الفتيات والأمهات بغية الوصول بالأم إلى المستوى المطلوب من الرعاية، وحماية الطفل في القانون الجزائي.
وقدمت السيدة صباح الحلاق من الهيئة السورية لشؤون الأسرة لمحة عن نشاطات الهيئة السورية لشؤون الأسرة، ودورها في إعداد الخطة الوطنية لحماية الطفل.
الطب الشرعي كحلقة وصل السيدة بربارا فرانكي تحدثت عن من معهد الطب الشرعي في هامبورغ، أعطت لمحة عن المعهد، ودوره في مساعدة ضحايا العنف «فحص ضحايا العنف كان تاريخياً مهمة الأطباء الشرعيين في ألمانيا، ولكن فقط منذ ثماني سنوات أصبح باستطاعة أي شخص أن يتقدم بطلب للفحص، دون أن تحيله الشرطة، والمعهد بدوره يمنحه تقريراً مجانياً ليستخدمه كيفما شاء». وعددت السيدة فرانكي المقتضيات الواجب توفرها في غرفة معاينة ضحايا العنف «من المهم توفر أطباء شرعيين كون الطبيب الشرعي هو المكلف الأول بفحص ضحايا العنف ليصدر تقريره، فتستفيد منه المحكمة، إلى جانب توفر أطباء نفسين يعاينون المصابين بصدمة الاعتداء». وأكدت على ضرورة وجود تعاون بين الطبيب الشرعي والجهات المدنية العاملة مع ضحايا العنف، إضافة إلى جهات أخرى كالصحة والقضاء والشرطة. وقدمت السيدة كاترين فورهرلتز مديرة قسم تنظيم المشافي في ولاية هامبورغ، دراسة عن «العنف ضد النساء باسم الشرف، اليمن وسوريا نموذجاً للدول العربية» تطرقت فيها لبعض العوامل التي تدفع للقتل باسم الشرف منها الفقر، الانتساب للأقليات، وارتباط الشرف من حيث النظرة المجتمعية بطهارة المرأة وحسن سلوكها.
وجهة نظر دينية مشكلة العنف الجنسي ضد الأطفال تحليل وبحث عن العلاج، كانت هذه خاتمة المحاضرات التي ألقيت خلال الدورة التدريبية، وفيها رأى د. محمد توفيق البوطي ضرورة البحث في جذور مشكلة الاعتداء الجنسي على الطفل وعدم الاكتفاء بالظواهر السطحية، «المشكلة موجودة فعلاً وهي مشكلة متفاقمة سواء في المجتمع الغربي أم في المجتمع العربي، وإن كان تفاقمها بنسب مختلفة». وعد الإعلام وما يروجه من مشاهد إباحية وانحلال الأسرة مسؤولان عن الجرائم التي تنال الأطفال، وميز بين طبيعة المشكلة في العالم العربي والآخر الغربي، وأرجع المشكلة في العالم العربي إلى عدة عوامل منها، ضعف الوازع الديني الحقيقي، والغزو الثقافي عبر وسائل الإعلام، وعدم توافر برامج كافية لتوجيه طاقات الشباب والفتيات، الفقر، عدم تيسير الزواج، وغيرها من الأسباب.
على مدار ثلاثة أيام تابعت الدورة التدريبية أعمالها، التي ركزت على الإسهام في معالجة العنف الأسري في المجتمع، وعلى تدعيم دور الطبيب الشرعي في مقاربة ضحايا العنف والعنف الجنسي، عبر تجهيز مركز طبي يهدف إلى تأهيل الكوادر الطبية لتشخيص حالات العنف والآثار الناتجة عنه، وهو ما يجري التحضير له فعلياً في قسم الطب الشرعي. تقرير منى سويد- (الدورة التدريبية الثانية لقسم الطب الشرعي: مقاربة ضحايا العنف الأسري)- mone68swied@yahoo.com
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon