هل يمكن توحيد قوانين الأحوال الشخصية

كست الكثير من النقاشات التي دارت حول مشروع قانون الأحوال الشخصية "الجديد" أبعادا خرجت به وللأسف من دائرة النقاش القانوني وظهرت على السطح مفردات لا تستقيم مع أسس الدولة الحديثة التي تقوم على أساس المساواة بين المواطنين بالحقوق والواجبات والذي يتضمن أن يخضع جميع المواطنين في الدولة لنظم قانونية واحدة تعكس صيغة عيش مشترك لجميع المواطنين في الدولة دون استثناء.

لذلك يجب أن يمتد هذا ليشمل جميع القوانين النافذة. فلا يجب أن تكون هنالك تشريعات نسبية تطبق على فلان من الناس وتشريعات أخرى تطبق على غيره بحيث يتم فرز المواطنين من خلال بعض القوانين وفق معتقداتهم الدينية!
وكما هو معلوم فإن هذه المعتقدات الدينية ليست موحدة حتى ضمن المذهب الواحد أو الدين الواحد حيث نرى آراء متعددة ومتعارضة بل ومتناقضة في العديد من القضايا، وعلى سبيل المثال: هنالك من يعتبر طلاق الثلاث طلاقا بائنا بينونة كبرى وواقعا ومنتجا لآثاره الشرعية والقانونية كاملة بينما يرى البعض أن طلاق الثلاث أي المقترن بعدد لا يقع إلا بطلقة واحدة أي حكمها حكم البينونة الصغرى. والأمر لا يحاج إلى كثير عناء لمعرفة الآثار القانونية والاجتماعية الناجمة عن اختلاف هذه النظرة حيث تقع الحرمة الشرعية بالنسبة للرأي الأول والزوج لا يحق له مراجعة مطلقته حتى تتزوج بآخر زواجا مكتمل الأركان ثم تحصل الفرقة بينهما ليحق لها العودة إلى زوجها الأول، بينما في النظرة الثانية والتي اعتمدها القانون السوري فيحق له مراجعتها بما يفيد معنى الرجوع المعتبرة والقانون عندما أخذ النظرة الثانية لهذا الأمر فإنه قد اختار ما هو أيسر للحياة الأسروية التي يجب ألا تنتهي عند ردة فعل تدفع الأسرة بكاملها ثمنا باهظا لا يمكن تجاوز آثاره السلبية وعليه.
ومن المنطق نفسه الذي يحاول البعض تنميته من خلال بعض النقاشات والمداخلات التي أبدوها إلا يحق لصاحب النظرة الأولى أن يطالب بتشريعا خاصا له يحفظ له معتقده ولو خالف جميع الآراء الأخرى؟؟

ومن ناحية أخرى قد يلجأ العديد من الأزواج وبعد تسجيل زواجهم بالمحكمة رسميا "يتضمن ذلك تبادل عبارات الإيجاب والقبول" إلى توثيق هذا الزواج دينيا وفق معتقدهم وتبادل عبارات الإيجاب والقبول مرة أخرى مرة ثانية؟ وقس على ذلك العشرات والمئات من الأمثلة، إذا القانون المذهبي لا يمكن أن يؤسس إلا تشريعا ضيقا لا تشريعا وطنيا وكلنا تابعنا المناقشات التي دارت حول إحدى النصوص القانونية "المحاكم الروحية" التي تطلبت محاميا من مذهبا معينا ليحق له المرافعة أمامها والوضع سيكون أكثر كارثية لو أطل أحدهم ليطالب بإعمال المبدأ نفسه فيما يتعلق بالمحاكم الشرعية "للمسلمين".

والسؤال الذي يطرح نفسه: لمصلحة من تعدد قوانين الأحوال الشخصية؟ ألا يمكن من خلال ورشة عمل قانونية إحداث مقاربة قانونية وتصور تشريعي لقانون موحد للأحوال الشخصية يراعي الأيسر والأنسب في التطبيق ويكون جامعا لجميع المواطنين السوريين على غرار بقية القوانين الأخرى كالقانون المدني والعقوبات وأصول المحاكمات وغيرها ويتلاءم مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها سوريا كاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة؟

صحيح أن "الأحوال الشخصية" لها الكثير من الخصوصية ولكن يجب ألا تتحول هذه الخصوصية إلى عصا في الدولاب تعيق الحركة والتقدم فلا بد هنا من إيجاد توازن بين الخاص والعام ضمن تشريع وطني تكون فيه "المواطنة" هي الأساس الذي يتم اعتماده لا أي اعتبار آخر.


المحامي لؤي اسماعيل، (هل يمكن توحيد قوانين الأحوال الشخصية)

تنشر بالتعاون مع "كلنا شركاء"، (5/2009)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon