"أنا وصلت إلى البيت ولا أستطيع أن ألاقيك إلا بعد ساعة". سمعت هذه العبارة وتغلغلت في أذني وأنا أسير في أكثر شوارع المدينة ازدحاماً، التفتّ إلى الخلف لأجد شخصاً يسير وهو ما يزال يتكلم بهاتفه الخلوي متابعاً طريقه ماراً بجانبي.
جلست إلى طاولة في ركن من المقهى بعد مسيري في ذلك الشارع وبدأت أقرأ الصحيفة، ثم ما لبثت تلك العبارة أن عادت لتتردد في ذهني، طويت الجريدة ووضعتها جانباً. ثم رشفت رشفةً من فنجان القهوة وأنا أفكر بيني وبين نفسي وأتساءل عن مغزى هذه الحادثة التي رأيتها وسمعتها منذ قليل في الشارع، هل كان هذا الرجل يستطيع قول ما قاله لولا وجود الهاتف الجوّال معه؟! عندها تدافعت في خاطري أفكار كثيرة وتداخلت مع بعضها وكلها تتمحور حول هذا الجهاز الصغير الذي يحمله الانسان معه أينما ذهب ويتحدث به مع من يريد وكذلك يتلقى الاتصالات ويرد عليها أينما كان وفي أي وقت. ثم بدأت بعض الصور تتوارد إلى ذهني، هذا رجل يجلس في أحد المطاعم الراقية وإلى جانبه سيدة جميلة يتسامران بهمس، يرن هاتفه الخلوي والمتصلة زوجته فيقول لها إنه في اجتماع هام في الشركة وأنه سيتأخر بالعودة للمنزل، وهذه فتاة تمشي مع صديق لها متسكعة بإحدى الحدائق وفجأة تنظر بساعتها ثم تأخذ الموبايل لتكلم والدتها وتخبرها أنها عند رفيقتها من أجل الدراسة وستتأخر في العودة إلى البيت كي لاينشغل بال والدتها، وهذا والد يتصل بابنه الذي أخبر والدته بأنه سيذهب مع رفاقه لمتابعة مباراة رياضية فيرد الابن من منزل أحد رفاقه حيث كان مع بعض الأصدقاء يتفرج على أحد الأفلام الاباحية فيرد على والده قائلاً إننا في المباراة، وهذه إحدى السيدات تخبر صديقتها بالهاتف الجوال أنها تتمدد على أريكتها المعتادة في البيت وتراقب عاملة التنظيف أثناء تنظيفها للمنزل بينما الحقيقة أن هذه السيدة هي التي تقوم بالتنظيف، وهاهو أحد العمال في ورشة يجلس على الأرض يدخن ويشرب الشاي تاركاً العمل وعندما يتصل به معلمه ليستفسر عن مسار العمل يخبره العامل أن كل شيء على مايرام وأنه يعمل بشكل متواصل ويكاد أن ينجز العمل.
أمثلة كثيرة يمكن الحديث عنها من خلال مانراه في حياتنا اليومية حول استعمال الهاتف الخلوي الذي يبدو وكأنه يثير عند الكثير من الناس شعوراً ورغبة باختراع أجوبة غير صحيحة تنمّ عن رغبة مكبوتة وجامحة لدى الناس باخبار بعضهم من خلال الموبايل أشياء كاذبة إما لتبرير التقصير أو الخيانة أو عدم المسؤولية أو الإهمال أو حتى لمجرد المباهاة والتفاخر بأمور لايملكها الانسان وكل ذلك يستطيع الفرد ويتمكن من التوصل إليه بمساعدة الموبايل وذلك من خلال الخصوصية التي يوفرها ويتمتع بها هذا الجهاز.
إن هذا الجانب السلبي للموبايل يجب أن لاينسينا الجوانب الايجابية الكثيرة التي يوفرها ويؤمنها هذا الجهاز للناس بحيث أصبح من الضروريات للكثير من الناس كما لايمكن الاستغناء عنه، لكنني أحببت في هذه العجالة تسليط الضوء على هذا الجانب من الموبايل لما يحمله أحيانا من الطرافة والدعابة، أليس كذلك؟
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon