ضد مشروع قانون الأحوال الشخصية!

مخترعو مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، يستحقون وساماً على هذا الإنجاز النادر الذي توصلوا إليه، فبعد أن كنّا نحلم بالمدنيّة والمواطنة، بات علينا أن نعود إلى الطائفة والعشيرة..

بعد أن كنا نحلم بالمعاصرة والحداثة، بات علينا أن نعود مثل البدو الرحّل نلبس (الكلابيّات) ونجلس فوق كثبان الرمل وقرب بيوت الشعر.. بعد أن كنا نحلم بمواكبة العالم وإضافة خصوصيتنا إلى الحضارة البشرية، بات علينا أن نعود إلى كهوف (تورا بورا) كي نكتشف النار من جديد..!.
مخترعو مشروع قانون الأحوال الشخصية، يستحقون أكثر من الشكر والعرفان بالجميل.. فبعد أن كنا نحلم بقوانين عصرية للزواج، بات علينا أن نذعن لمحاكم (الحسبة) والتفريق على الشبهة والتفتيش.. بعد أن كنا نحلم بأن المجتمع نسيج واحد، ها نحن نكتشف أننا مجرد قبائل وحارات وأزقة ودكاكين.. بعد أن كنا نعتز جميعاً بالصفة الأعزّ التي تجمعنا كسوريين، بات علينا أن نستبدلها بأسماء الأديان والطوائف والمذاهب..!.
ربما لا يمرّ مشروع القانون هذا، لكن مجرد اقتراحه بهذا الشكل المخزي، يعدّ اعتداءً على مبدأ المجتمع الواحد، وتأسيساً لاجتراءات أخرى أشد خزياً وعاراً مما فعلوه في مشروعهم هذا الآن.. والأمر الغريب بالفعل هو كيف يُعهد لمجموعة أقلّ صفاتها هي الأحادية والتفرّد، أن تكتب مصيرنا ومصير أبنائنا على هذا النحو من الظلام والانكفاء إلى الوراء؟ ومن هو المستفيد من العزف المتكرّر على نغمة أننا في حقيقة الأمر لسنا سوى جماعات متنافرة تضطر للعيش مع بعضها بحكم الأمر الواقع ولا تشكل بالتالي مجتمعاً واحداً من أهم ميزاته الإثراء والغنى بالتعدّد الذي يرفد الانتماء الأكبر في نهاية المطاف؟.
الآن، يطلّ مشروع القانون الجديد كي يعيد المجد لمحاكم التفتيش واغتيال آخر الآمال في الحداثة ومواكبة بقية خلق الله في التقدم، وكأن علينا أن نعيد تكرار جميع التجارب السيئة لشعوب العالم حتى نتوصل إلى خصوصيتنا الموجودة أصلاً منذ آلاف السنين بحكم البيئة والتفاعل رغم كل محاولات الانقسام والتقسيم.. وإنه لمن الغريب بالفعل أن تتغلب صفة (التعايش) بالإكراه، على (التفاعل) بالوعي والانتماء..!.
إن مجرد طرح مشروع كهذا، يدعو إلى الخذلان والخيبة ودقّ ناقوس الخطر من كل الجهات.. فالآن نحن مستهدفون بفعل القانون الذي يحاول شرعنة الصراع على مفاتيح السماء بغضّ النظر عما يمكن أن يحدث على الأرض!.. هذه الأرض التي سقاها الجميع من دماء آبائهم وأجدادهم، عليهم الآن أن يعيدوها إلى عصور الظلام عن طيب خاطر بل وربما التعامل مع كل ذلك على أنه إنجاز!.
المشروع الجديد يتطلب من جميع الحقوقيين والمثقفين أن يردّوا ويدقّوا أبواق النفير كي لا يمرّ هذا المشروع المخزي.. وإلا.. سنلتقي جميعاً في القرون الوسطى.. عمّا قريب!.


زيد قطريب، (ضد مشروع قانون الأحوال الشخصية!)

صحيفة البناء العدد 446، (6/2009)

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon