لمّا كان الجدال سيطول ويتشعب حول مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي وضعته اللجنة المشكلة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2437 تاريخ 7/6/2007
ولما كانت غالبية المبادئ العامة التي اعتمدها هذا المشروع لا تختلف عن المبادئ العامة الواردة في أنظمة الطوائف وقوانين الأحوال الشخصية المعمول بها حاليا في سورية.
لذلك وحسما لهذا النقاش وبغية إصدار قانون موحد للأحوال الشخصية، يتوافق مع أحكام الدستور ومع سياسة الدولة القائمة على العلمانية المؤمنة، والمواثيق والمعاهدات الدولية التي التزمت بها سورية، كميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 والاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لعام 1966 والميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 2004 وغيرها. فقد اقترحت في محاضرة ألقيتها عام 2008 في جمعية العاديات في حلب (قبل نشر مشروع القانون الجديد) بإحالة هذه القوانين جميعها إلى المحكمة الدستورية العليا، بقرار من السيد رئيس الجمهورية، للنظر في مدى توافقها مع الأحكام الدستورية، لذلك فإنني أكرر الآن اقتراحي هذا، على اعتبار أن ما ستبطله هذه المحكمة من نصوص القوانين النافذة لتعارضها مع أحكام الدستور، ستعتبر بمثابة قواعد عامة ملزمة عند صياغة مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد الموحد، وإلا فإنه سيتعرض للإبطال عند صدوره. هذا ويمكن عرض مشروع القانون ذاته على المحكمة الدستورية عملا بأحكام المادة 147 التي تنص على ما يلي: "من اختصاصات المحكمة الدستورية إبداء الرأي في دستورية مشروعات القوانين وقانونية مشروعات المراسيم".
سوف أستعرض فيما يلي الأنظمة والقوانين السارية المفعول والتي لم يسبق لها أن عرضت على المحكمة الدستورية العليا معتقدا بأن عرضها سيحسم هذا الموضوع الهام ويوفر الكثير من الوقت والجهد والأخذ والرد بصدده، كما أنه سيعالج إضافة إلى موضوع الأحوال الشخصية موضوع أنظمة الطوائف الدينية الصادر بقرار المفوض السامي الفرنسي عام 1936 والموضوعان مرتبطان ببعضهما ارتباطا عضويا:
1 - نظام الطوائف الدينية في سورية حدد قرار المندوب السامي رقم60 ل.ر. تاريخ13/3/1936 المسمى بنظام الطوائف الدينية والمعدل بالقرار 53/1939 ل ر والذي ما زال ساري المفعول، الطوائف الدينية المعترف بها في سورية 1 -المواطنون المسلمون: سنة – شيعة جعفرية- إسماعيلية- علوية- درزية. 2 - المواطنون المسيحيون: روم أرثوذكس- روم كاثوليك- ارمن ارثوذكس- أرمن كاثوليك- سريان أرثوذكس- سريان كاثوليك- لاتين- موارنة- آشوريون كلدان(نسطوريون)- كلدان كاثوليك- بروتستانت(عرب وأرمن). 3- المواطنون الموسويون: • طائفة كنيس دمشق- طائفة كنيس حلب.
• ولكل من التقسيمات المبينة أعلاه شخصيتها الاعتبارية وممثلها القانوني وأنظمة إدارتها وإدارة ممتلكاتها ومقابرها، المصدقة بنصوص تشريعية وكذلك أنظمة الرهبانيات التابعة للطوائف كما أن لها كذلك قوانينها الخاصة بالأحوال الشخصية. • يحتاج الاعتراف بأية طائفة جديدة مستوفية الشروط القانونية إلى صدور قانون خاص بهذا الاعتراف، ولم يسبق أن صدر مثل هذا القانون، الأمر الذي جعل طوائف اليزيدية والبهائية وشهود يهوه والمورمون و... غير معترف بها. • وتعود جذور هذه التشريعات إلى الأوامر السنية ولقوانين صادرة عن السلاطين العثمانيين بادئة بالسلطان محمد الفاتح وثبتتها الحكومات السورية في عهدي الانتداب والاستقلال. • إن للجهات الإدارية لهذه الطوائف صلاحية عقد الزواج بعد الحصول على موافقة دائرة الأحوال المدنية، وعليها إرسال صورة عن عقد الزواج إلى هذه الدائرة خلال خمسة أيام.
2 - قوانين الأحوال الشخصية في سورية 1 - قانون الأحوال الشخصية العام • في عام 1953 صدر قانون الأحوال الشخصية، المستمد من أحكام الشريعة الإسلامية مع ترجيج المذهب الحنفي، وشمل هذا القانون جميع المواطنين السوريين على اختلاف أديانهم وطوائفهم فيما يتعلق بالنسب ونفقة الأقارب والأهلية والحجر والولاية والوصاية والنيابة الشرعية والوصية والمواريث وإثبات الوفاة والفقدان.
• وشمل هذا القانون المسلمين فقط فيما يتعلق بأحكام الزواج والوقف الخيري، عدا الدروز فقد استثنوا من بعض أحكام الزواج إذ لا يجوز لديهم تعدد الزوجات كما لا تسري عليهم أحكام اللعان والرضاع والبكارة والمهر والطلاق
• أما بالنسبة إلى الطوائف المسيحية والموسوية، فقد نصت المادة 308 من هذا القانون على تطبيق ما لدى كل طائفة من أحكام تشريعية ودينية تتعلق بالخطبة و شروط الزواج وعقده والمتابعة والنفقة الزوجية ونفقة الصغير وبطلان الزواج وحله وانفكاك رباطه وفي الدوطة والحضانة. وتشكل هذه التشريعات ثمانية قوانين،امّا الطوائف الأرثوذكسية فلكل طائفة أرثوذكسية قانونها الخاص بها. في حين تطبق على الطوائف الكاثوليكية الأحكام الصادرة عن البابا.
2- قوانين الأحوال الشخصية لغير المسلمين إن قوانين الأحوال الشخصية لغير المسلمين التي كان معمولاً بها عند صدور قرار المندوب السامي رقم 60 ل.ر. تاريخ 13/3/1936، اكتسبت صفة القانون النافذ دون الحاجة إلى إقرار تشريعي، وقد جرى نقاش قانوني حول مدى حاجة كل تعديل لاحق لقوانين هذه الطوائف الصادر بعد تاريخ 13/3/1936 إلى صك تشريعي يعطيه صيغة التنفيذ أم لا، فاعتبر البعض أن قوانين الأحوال الشخصية الجديدة لغير المسلمين، مجرد جمع وإظهار للنصوص السابقة فلا تحتاج عندئذ إلى صك تشريعي، وبالرغم من ذلك صدرت القوانين التالية: • القانون رقم 10 تاريخ 6/4/2004 المصدق لقانون الأحوال الشخصية لطائفة السريان الأرثوذكس • القانون رقم 23 تاريخ 27/6/2004 الذي صّدق قانون الأحوال الشخصية وأصول المحاكمات لدى بطر كية إنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس. • القانون رقم 31 تاريخ 18/6/2006 المتضمن قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية (الروم – الأرمن - السريان – الموارنة - اللاتين والكلدان) وتضمن هذا القانون 565 مادة مع 91 قاعدة، على أن تخضع الطوائف الشرقية الكاثوليكية لمجموعة قوانين الكنائس الشرقية بينما تخضع كنيسة اللاتين وحدها لمجموعة الحق القانوني الغربي. وتضمن هذا القانون أحكاما عدّلت أحكام القوانين العثمانية المتعلقة بالطوائف وقرار المندوب السامي الفرنسي رقم 60 ل. ر. الصادر بتاريخ 13/3/1936 المحدد للأديان والطوائف المعترف بها ولأحكام شخصياتها الاعتبارية وسلطات الممثل القانوني لكل منها ولأحكام قانون الأحوال الشخصية العام فيما يتعلق بالإرث والوصية وغيرها، كما عدّل العديد من القوانين الأخرى بالنسبة للطوائف الكاثوليكية، كأحكام التقادم في القانون المدني وقانون إلغاء الأوقاف الذرية وقانوني أصول المحاكمات المدنية والجزائية وقانون التجنيد فيما يتعلق بالاكليركيين وقانون السلطة القضائية، وقانون ممارسة مهنة المحاماة و....
3- القوانين الأخرى ذات العلاقة • نص قانون السلطة القضائية السوري على أن محاكم الأحوال الشخصية هي المحاكم الشرعية والمحكمة المذهبية للطائفة الدرزية في السويداء(التي تخضع أحكامها للطعن أمام محكمة النقض) والمحاكم الروحية للطوائف غير الإسلامية، المؤلفة من محكمة بدائية في كل مطرانية ومحكمة استئنافية في مركز كل بطريكية وتخضع أحكامها للطعن أمام محكمة النقض. • أما الأجانب الموجودون في البلاد فيخضعون لقوانين الأحوال الشخصية في بلادهم، وتنظر في قضاياهم محكمة البداية المدنية في ضوء هذه القوانين. • لقد عاقب قانون العقوبات في المادة 471 من يتزوج ثانية مع علمه ببطلان زواجه بسبب زواج سابق(تعدد الزوجات عند الطوائف التي لا تجيزه) بالحبس من سنة إلى شهر.
3 - نصوص الدستور السوري بهذا الشأن • لقد نص الدستور السوري لعام 1973 على مساواة جميع المواطنين دون تمييز، بحيث يتمتعون بذات الحقوق ويلتزمون بذات الواجبات، كما ينعمون بحق تولي المناصب العامة دون تمييز وعلى قدم المساواة، كما إن مذهب المواطن السوري لا يسجل على بطاقته الشخصية، وإن كان مسجلاً في قيده في سجلات الأحوال المدنية. • نضع فيما يلي مواد الدستور السوري المتعلقة بموضوعنا: • المادة 2-1 - دين رئيس الجمهورية الإسلام (ولم يذكر دين الجمهورية) • المادة 3 – 2 - الفقه الإسلامي مصدر أساسي للتشريع • المادة 14 – 2 ملكية جماعية – عائدة للمنظمات الشعبية والمهنية والوحدات الإنتاجية والجمعيات التعاونية والمؤسسات الاجتماعية الأخرى، ويكفل القانون رعايتها ودعمها. • المادة 25 – 3 - المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات • المادة 28- 4 - حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون • المادة 35 – 1- حرية الاعتقاد مصونة وتحترم الدولة جميع الأديان 2 – تكفل الدولة حرية القيام بجميع الشعائر الدينية على ان لا يخل ذلك بالنظام العام • المادة 37 - التعليم حق تكفله الدولة وهو مجاني في جميع مراحله وإلزامي في مرحلته الابتدائية وتشرف الدولة على التعليم وتوجهه بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج • المادة 40 -2 الجندية إلزامية وتنظم بقانون • المادة 131 – السلطة القضائية مستقلة ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال يعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى • المادة 134 - تصدر الأحكام باسم الشعب العربي في سورية • المادة 135 - ينظم القانون الجهاز القضائي بجميع فئاته وأنواعه ودرجاته ويبين قواعد الاختصاص لدى مختلف المحاكم • المادة 145 - تنظر المحكمة الدستورية في دستورية القوانين • المادة 147 - من اختصاصات المحكمة الدستورية إبداء الرأي في دستورية مشروعات القوانين وقانونية مشروعات المراسيم
4 - تكليف المحكمة الدستورية العليا بالنظر في دستورية هذه القوانين بما أن المحكمة الدستورية العليا هي الجهة المختصة بالنظر في دستورية القوانين، وبما أن الكثيرين يعتقدون بأن قوانين الطوائف والأحوال الشخصية، المعمول بها حاليا في البلاد تتعارض مع أحكام الدستور وبما أن المادة 145 من الدستور تنص: "تنظر المحكمة الدستورية في دستورية القوانين" ”3 - إذا قررت المحكمة الدستورية العليا مخالفة القانون أو المرسوم التشريعي للدستور، يعتبر لاغيا ما كان مخالفا منها لنصوص الدستور بمفعول رجعي ولا يرتب أي أثر”
لذلك غدا من الضروري ولو بعد سبعة وثلاثين عاما من صدور الدستور عرض التشريعات التالية على المحكمة الدستورية العليا والسلطات المعنية، للنظر في الموضوعين التاليين:
• هل تتوافق أحكام قوانين الأحوال الشخصية المتعددة، والسابق ذكرها، مع أحكام الدستور السوري ؟ فإذا لم تكن كذلك فقد أصبح من الضروري إصدار قانون موحد للعائلة يتوافق مع أحكام الدستور
• هل يتوافق نظام الطوائف والمذاهب الإسلامية والمسيحية والموسوية الصادر بقرار المفوض السامي الفرنسي برقم 60 ل. ر. لعام 1936 وتعديلاته مع أحكام الدستور السوري ؟ فإذا لم يكن كذلك فقد أصبح من الضروري إصدار قانون جديد للأديان والطوائف يتوافق مع أحكامه
*- نشر هذا المقال في "كلنا شركاء" ناقصا بعض الفقرات بسبب خطأ أثناء إرسال المقالة إلى "كلنا شركاء"، وهو كاملا هنا. (نساء سورية)
فؤاد هلال، نائب رئيس جمعية العاديات بحلب، (اقتراح حول مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد)
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon