أي مجتمع نريد؟! أي قانون نريد؟!

أثار مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي أعدته اللجنة المشكلة من السيد رئيس مجلس الوزراء بالقرار رقم /2437/ تاريخ 7/6/2007، أثار، ومازال، الكثير من ردود الأفعال الرافضة لهذا المشروع، والتي رفض معظمها الدخول في تفاصيله، وأصحابها محقون في رفضهم، لكونه لا يصلح حتى كأرضية للنقاش.

ويدرك جميع المعنيين بقضايا المجتمع والقانون أن القانون الحالي لا يلبي متطلبات إحقاق العدالة داخل الأسرة، ولا يحفظ حقوق أفرادها، وبخاصة النساء والأطفال، ولا يؤمن استقرار الأسرة وازدهارها، لذلك يتطلع الجميع إلى تعديله، ولكن بأي اتجاه؟
من نافلة القول إن الوظيفة الأساسية لأي قانون هي وظيفة اجتماعية، وتأتي الوظيفة القضائية في إطار دعم وخدمة الوظيفة الاجتماعية. ومن هنا فإن القانون يجب أن لا ينسجم مع مستوى تطور المجتمع فقط بل كذلك أن يكون عاملا من عوامل تطور هذا المجتمع، وبالتحديد رافعة لهذا التطور الذي يتسارع. وهذا بالتأكيد يعني أن مدة عمل القانون مدة محدودة حتى ولو طالت، إذ وبمجرد أن تتخلف أحكامه عن التطورات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، يصبح تعديله أمرا لا مفر منه.
فكيف إذا مع القوانين التي تطال الأسرة وهي "الخلية الأولى في المجتمع"، وتنظم العلاقة بين أفرادها، والتي يجب أن تكون ملبية لاحتياجات تطور الأسرة وتطور دورها وأدوار أفرادها في إطار من المساواة في الحقوق والواجبات، بما يضمن قيام تعاون وتكاتف وتشارك حقيقيين.
إن المطلوب من هذه القوانين أن تحمل رؤية مستقبلية تحدد ماهية الأسرة التي نريدها، وماهية الحقوق التي نريد أن نكرسها لأعضائها، وماهية العلاقات التي يجب أن تقوم بينهم والتي سينظمها القانون.
ولأننا في القرن الحادي والعشرين حيث منطق العصر هو المساواة وعدم التمييز لأي سبب، ولأننا نعيش في بلد بدأت فيه النساء منذ أكثر من قرن بالخروج من "القمقم"، ولأن دستور البلاد ينص على "المواطنون متساوون أمام القانون"، ولأن رهانات التنمية تقوم على إطلاق طاقات جميع المواطنين/ات للمشاركة الحرة في المجالات كافة، ولأن هناك مئات الأسباب التي تجعل من طموح النساء السوريات للمساواة التامة طموحا مشروعا، بل ومطلوبا .... لذلك كله يجب رفض مشروع القانون المطروح لما يسمى "الأحوال الشخصية"، والذي تتلخص رؤيته بمجتمع سوري تتفاوت حقوق أبنائه بحسب الدين والجنس، وتنتهك فيه حقوق المواطنة لصالح حقوق المذهب والعشيرة و"الفحولة".
لقد قيل الكثير في مشروع القانون، وسيقال الكثير أيضا، ويمكن الإيجاز بالقول إن هناك آلاف الأسباب لرفضه والعمل من أجل إلغائه، ولا يوجد ولا سبب واحد لقبول طرحه على النقاش.
إن تنظيم العلاقة بين أفراد الأسرة ليست "أحوالا شخصية" بل هو تنظيم لأهم وحدة اجتماعية، في صلاحها يصلح المجتمع وفي أمنها يأمن وفي عدم استقرارها تهديد له. كما أن الموقف من النساء والأطفال ليس مسألة "عادات وتقاليد" بل هو موقف أساسي من حقوق الإنسان.
إن هذا المشروع يهدد مستقبل البلاد ويهدر حقوق مواطنيه الإنسانية، كنساء وأطفال ورجال أيضا، بذريعة الدفاع عن عادات بالية تريد احتجاز المجتمع السوري في الأزمان الغابرة.
لقد آن الأوان لأن نشرع أبواب المستقبل على مصراعيها، ونطرح قانون أسرة مدني وعصري، يساوي بين المواطنين/ات جميعا، يدعم الوحدة الوطنية، يستنهض طاقات الجميع بأسره، يحفظ حقوق أفراد الأسرة، ويقوي تماسكها.
مجتمع المساواة والعدالة هو ما نطمح إليه، وقانون المساواة والعدالة هو ما سنعمل من أجله.


سوسن زكزك، (أي مجتمع نريد؟! أي قانون نريد؟!)

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon