أي مستقبل ينتظر النساء السوريات في ظل مثل هذا المشروع؟!

بعد أن طال انتظارنا سنوات وسنوات وبعد أن كنا ارتضينا بداية أن تقونن أحوالنا الشخصية بقانون لأنه- وحسب ما جاء في مطلع الأسباب الموجبة للقانون رقم 34 لعام 1975 ساري المفعول حالياً – "انطلاقا من أن الأسرة هي خلية المجتمع الأساسية تكلفت الدولة بحمايتها بنص الدستور وأخذت على عاتقها حماية الزواج وتشجيعه وإزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه وحماية الأمومة والطفولة.... الخ"، تلك كانت الغاية من تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي كان ساري المفعول قبل العام 1975.

وبعد كل هذه السنوات وبعد جهود كثيرة بذلت وأصوات علت مطالبة بتعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يحكمنا ويحكم أحوالنا الشخصية ليواكب التغيرات التي طرأت على المجتمع السوري، وبعد طول انتظار وفارغ صبر طلع علينا المشروع الجديد من حيث ندري ولا ندري! جاءنا من عالم غير عالمنا، ولعالم غير الذي نصبو إليه! جاء من غياهب غرف مظلمة أقفلت بوجه كل تغيير! ومن قبل ذكور كلفوا إعداد هذا المشروع الظلامي المكرس للثقافة الذكورية المتخلفة! ومجحفاً بكل حقوق المرأة والطفولة! جاءنا من أشخاص سيغدو، إن هو أقر، مورد رزق لهم، ناسفاً كل معنى للقيم الإنسانية والمواطنة.

إن هذا المشروع الجديد مخالف للدستور ولكافة الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها سورية والتي تؤكد جميعها أن الجميع متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.

وما يبدو في هذا المشروع من "إيجابيات" أشار إليها البعض، هي فقط محاولات للالتفاف على مشاريع قوانين أخرى أعدت من جهات مثل الهيئة السورية لشؤون الأسرة، والاتحاد العام النسائي. وهي مشاريع رائدة في الرقي بالقوانين المتعلقة بالأسرة عموما، وبالمرأة والأطفال على وجه الخصوص. ومع ذلك هذه "الايجابيات" إذا ما قورنت مع ما تضمنه هذا المشروع من نواح سلبية من خلال تكريسه للطائفية والتمييز بين أفراد المجتمع حسب الدين والطائفة والانتقاص من أهلية المرأة، تغدو مجرد رتوشات لا تغير شيئا من ظلامية المشروع ككل.

هذه مفاجأتنا نحن من انتظرنا آملين بقانون ينظم الزواج المدني الذي بتنا بحاجة إليه ليحل كثير من المشاكل التي تعترض شبابنا، إلى جانب الزواج الديني، ليكون قانوننا منسجماً مع الدستور، ومتوافقاً مع التطورات التي طرأت على مجتمعنا! لكن وللأسف جاء هذا المشروع مكرساً، وأكثر من ذي قبل، للطائفية والتمييز بين الأديان، وبين الرجل والمرأة! فلم يأت بشئ جديد بل على العكس أعادنا سنوات وسنوات إلى الوراء من خلال استعادة مصطلحات لم نعد نسمع بها أو نقرأها إلا في كتب التاريخ ومن خلال ابتداعه لحالات جديدة للطلاق وما إلى هنالك من مواد خيبت أمال الكثيرين.

إن هذا المشروع كرس العقلية الذكورية المتخلفة التي تسيطر على المرأة وتحولها إلى مجرد إنسان فاقد الأهلية! ومجرد أداة لإمتاع الرجل وتلبية رغباته! دون أن يحق لها حتى تقرير مصيرها ومستقبلها! فإن هي تزوجت دون رضا الولي الذي هو الأب أو الأخ أو الجد كان له فسخ الزواج أي تكن هذه المرأة، ومهما بلغت في العلم والمناصب من مراتب! فلا زال مصيرها بيد ذكور عائلتها.

فأي مستقبل تنتظره النساء السوريات في ظل قانون يتحكم بأحوالهن الشخصية من جهة وقوانين تبيح قتلهن من جهة أخرى؟!

لذلك لابد من الوقوف يداً واحدة في وجه كل من يحاول تمرير هذا المشروع. ولابد من العمل معاً للحصول على قانون يحترم إنسانيتنا وحقوقنا كمواطنين في بلد أسمه سورية هو لنا جميعاً دون تفرقة بيننا على أساس الدين أو الجنس أو الطائفة.


المحامية ميادة سفر، (أي مستقبل ينتظر النساء السوريات في ظل مثل هذا المشروع؟!)

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon