أنا وأنت ولولو

عندما كان لولو يقضي آخر ثلاثة أيام في هذا العالم، كان يعد نفسه للبقاء في قلبي إلى الأبد.. في جوارك أنت.. وكنت أجلس على الأريكة قبالته، كصورة حزينة في إطار، تشد أوتارها على أقصاها، في أمل أن تكسر الإطار، تمد ألوانها إليه، تعيد له لون فمه الوردي، لون عينيه السوداوين..

لولوفي فيء شجر القلب مدّد جسده الأبيض كفضاء صغير، كغيمة شاردة.. وراح ينظر في عينيّ باحثا عن أمان أخير.. عن حياة أخرى أطول وأقل ألما!
لم أكن قد حظيت من قبل بشرف التحدث إلى كائن مقبل على رحيل لانهائي! مقبل على الحضور بقسوة فيما يلي رحيله!
لم يخبرني أحد بوفاة جدي وجدتي! كنت هناك بعيدا.. وكانوا يمضون مع ذكرياتي الحافلة معهم كشمس تغيب غير آبهة بكونٍ يسقط في العتمة.. بوجيب الوحدة المنتظم القاسي..
لم تكن الأشجار كعادتها في منزلنا قرب النهر يوم عاد لولو كشبح حزين، ولم تكن كذلك بعد أن مضى..
وكنا أنا وأنت وحيدين نودع أمكنة كنا قد شغلناها بحياة فسيحة، لم نلوّح يومها للماضي، حملناه بكل لحظاته، فرحه و شقاه، ومضينا كل في طريق..
عبثا كنا نحاول الانسلاخ عن تاريخ علاقة حملت كل تفاصيل الشغف والجنون..
كل العشق والوله..
عبثا كنا نعيد ترتيب أوراق ذاكرتينا.. فتسقط كأوراق الخريف..
عبثا كنا نعيد كتابة رسائل حب جديد.. يتخلله الحب القديم حاضرا في أشده..
مرّ الوقت ثقيلا، مرّت أشجار الصنوبر عاتبة..
كان لولو يركض، يلعب عند خط الأفق.. يسابق الزمن إلينا.. يجمعنا من جديد..
وها نحن معا ملتصقان متحدان، يدي على صدرك، يدك على خصري، قلبي قرب قلبك ينبضان، متشابكان كعبير الورود في حديقة إليهية..
مختلفان كالليل والنهار..
وفي ذاكرتينا مرج أخضر فسيح، ملعب ذكريات للولو، وكرسيين لكهلين عاشقين يتأملان الحياة، يبتسمان كلوتس يتفتح للحظات هي أبهى وأجمل ما تكون عليه الحياة..


ردينة حيدر، زاوية "سكّر نساء" (أنا وأنت ولولو)

خاص، نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon