مخيمات الفقر.. في "زيارة خاصة"

تعودت عيوننا على مشاهدة مخيمات اللاجئين النازحين في المناطق التي تتعرض للحروب والاحتلال، أوالتي تتعرض لكارثة طبيعية كالفيضانات والزلازل والأوبئة.. إلى آخره من هذه الكوارث.

Image وتعودت آذاننا على السماع عن المخيمات الفلسطينية والعراقية والأفريقية والكردية.. وكلها حدثت تحت ظروف قاسية.. وهذه المخيمات هي آخر ما يلتجئ اليه المرء تاركاً مناطق سكنه وموطنه، ولم نكن نعلم أننا يوماً ما سنرى مخيمات على مدى البصر حول المدن الكبرى، مخيمات يسكنها أناس غرباء في وطنهم لا مأوى لهم سو تلك الخيمة المصنوعة من الخرق واللافتات القماشية المسروقة، بلا أي ضمان، أو حقوق اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، أطفال مجردين من طفولتهم، أطفال معاقين لا جمعيات تعينهم على أعاقتهم ولا حكومة..
فلكل شخص، بوصفه عضوا في المجتمع، حق الضمان الاجتماعي، ومن حقه أن توفر له، من خلال المجهود القومي والتعاون الدولي، وبما يتفق مع هيكل كل دولة ومواردها، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها لكرامته ولتنامي شخصيته و حريته.
هذا ما تنص عليه المادة"22" من الإعلان العالمي لحقوق الانسان.
جنوباً على طريق أوتسستراد الكسوة حيث تخرج من دمشق ويحيط بك من جانبي الطريق مئات الملاهي والشركات والمطاعم وعلى مسافة قريبة منها يلاحظ كل عابر سبيل تلك الخيام التي يفوق عددها المئة، خيم مصنوعة من أقمشة بالية تمت خياطتها مع بعضها البعض، وتطريزها بلافتات قماشية للدعاية الانتخابية، من هناك تم رصد ذاك الموقع الذي يخلوا من كافة ظروف المعيشية اللائقة بإنسانية الفرد، حيث البيئة الملوثة (نفايات المعامل والشركات المحاطة بالموقع – مكب للنفايات العامة - شح في المياه).
وهناك في ذلك المخيم، التقينا ببعض (المواطنين!) الذين اطضرتهم ظروف الحياة القاسية وغلاء الأسعار وخاصة أسعار الأجارات إلى السكن فيها وذلك لرصد أوضاعهم وطرق معيشتهم في تلك البقعة الملوثة وغير الصحية:
- ابو علي بائع الصور المتجول في أسواق السيدة زينب، يقتات من بيع الصور،المصدر الوحيد والشحيح لدخله.  يعيش في واحدة من تلك الخيم منذ 15 سنة،  وبينما كان يتحدث عن وضعه  كانت دموعه تسبق كلامه، فهو بالاسم مواطن سوري انهى خدمة العلم في عام 1981  فقد بطاقته الشخصية عام 1984 ولم يحصل على البديل إلى وقتنا هذا، كما أنه لم يحصل بعد على دفتر العائلة على الرغم من أنه مسجل في نفوس حلب  (الباب) الأمر الذي يخالف البند الثاني من المادة "15": 
 (لا يجوز، تعسفا، حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته)
 لأبو علي 6 أطفال محرومين من كافة حقوقهم كأطفال، وأهمها التعليم الأمل الوحيد للخروج من هذا المستنقع البشري،  ومستنقع النفايات في آن معا، وبينما كنت أتابع الحوار مع أبو علي كان أطفاله يتحلقون بي ويصرخون في وجهي:"نريد أن نتعلم"
تنص المادة / 6 / من اتفاقية حقوق الطفل (1 - تعترف الدول الأطراف بأن لكل طفل حقاً أصيلاً في الحياة 2– تكفل الدول الأطراف إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه
أما المادة / 7 / التي تؤكد على حق الطفل في كسب الجنسية فتنص في بندها الأول:
(1 - يسجل الطفل بعد ولادته فوراً ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب الجنسية).
في تلك الخيام ترى الأطفال في سوريا يتعرضون لانتهاكات جسيمة تشكل اعتداءً سافرا على حقوقهم وحرياتهم الأساسية والحالة المعيشية السيئة التي يعيشها ابناء الشعب السوري وتأثيرها على تأمين الملبس والمسكن وحقوقه الشرعية، وبالرغم من أن سوريا من الدول التي وقعت على اتفاقية حقوق الطفل الصادرة في 20 / 11 / 1989 بالقانون رقم / 8 / تاريخ 5 / 6 / 1993 إلا أن الواقع حافل بممارسات مناقضة تماما لمعظم بنود الاتفاقية.
- خضر احمد من أهالي منطقة الباب بحلب يسكن في خيمته منذ 8 سنوات وعمله الوحيد هو جمع البلاستيك من الحاويات في العاصمة دمشق من الصباح الباكر حتى ساعات متأخرة من الليل، لجمع أكبر قدر ممكن من البلاستيك وبيعه وتأمين لقمة العيش لأطفاله الخمس المحرومون من أبسط حقوقهم، وعن تأمين مياه الشرب قال المواطن " خضر " وغيره من أهالي ذاك المخيم أن الماء يصل اليهم بطريقة استغلالية كبيرة حيث أن كل 50 لتر من الماء يباع لهم بملغ 60 ليرة سورية
 - أبو أحمد من أهالي محافظة حلب - حيدرية يعمل ببيع اليانصيب بعد أن فقد إحدى يديه. كان فيما مض يعمل في جمع البلاستك والخردة وبيعه، لكنه في أحد الأيام وبينما كان يقوم بعمله الذي أصبح عمل الكثيرين من أبناءالشعب السوري لاحظ وجود شيء غريب في القمامة وعندما مد يده ليتعرف على ذلك الشيء، حدث انفجار وفقد في إثره يده اليمني، وهو أب لـ 9 أطفال أكبرهم يبلغ 11 سنة وكلهم محرومون من الدراسة والعيش الكريم.   
أما نص المادة 46 من الدستور السوري فجاءت (لتكفل الدولة من خلالها كل مواطن وأسرته في حالات الطوارئ والمرض والعجز واليتم والشيخوخة وان الدولة تحمي صحة المواطنين وتوفر لهم وسائل الوقاية والمعالجة والتداوي) وهو أيضا ما نصت عليه المادة /25/ من الإعلان العالمي لحقوق الانسان:
(1 - لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفى لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه).
فأين نحن من كل هذه البنود والاتفاقيات، هل هي مجرد حبر على ورق! هل رميت كغيرها في بقع النفايات التي باتت تهدد كيان الإنسان، والى اين سيصل بنا المطاف كسوريين بعد أن أصبح أغلبية الشعب السوري تحت خط الفقر، بينما تستمر الحكومة بوضع خطط خمسية وعاشرة لا مستقبل لها سوى تدمير المواطين وإنقاق الملايين على المشاريع السياحية والمهرجانات، التي لا يستفيد منها إلا القلة القليلة كما يعرف الجميع..!
هذا بالإضافة إلى غياب التوعية الكاملة في الأرياف والمناطق النائية، ومكبات النفايات، حول ضرورة تحديد النسل بما يتلائم مع الدخل، الذي لم يعد يكف حتى لأجار منزل غير صحي وفي مناطق المخالفات..
كما أن وسائل الإعلام تتحمل مسؤولية  التقصير الإعلامي الواضح في طرح هذه المواضيع في الملفات الساخنة، والتوقف عن التعامل معها كأنها قدر محتوم.. لايمكن التصدي له إلا بقدرة قادر..
إلى متى الصمت على انتهاك حقوق شعب بأكمله.. هل نكتفي بالنظر بحزن إلى واقع ينهار.. على أجساد مواطنيه.. أم ننتظر خطط عاشرة أخرى..!


سلام محمد، زاوية "يوميات المدينة"، (مخيمات الفقر.. في "زيارة خاصة")

خاص: نساء سورية

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon