المرأة في الريف السوري.. 54% من قوة العمل الزراعي.. نساء!

طرح المؤتمر العالمي الرابع للمرأة، الذي عقد في بكين عام 1995، المشكلات العامة التي تعانيها النساء في العالم. وقد سلّم منهاج عمل المؤتمر بأن "النساء يواجهن حواجز تحول دون المساواة الكاملة والنهوض وعوائق محددة تتعلق بوضعهن العائلي والاجتماعي والاقتصادي، وذلك في ظروف معيشتهن في المناطق الريفية أو المعزولة، وفي المناطق الفقيرة في الأرياف والمدن". وقد كانت أهم المشكلات المطروحة في تقرير المؤتمر هي عبء الفقر المزايد الواقع على المرأة، فقد فرضت عولمة اقتصاد العالم وإعادة تشكيل القطاع الاقتصادي والتكيف الهيكلي تأثيرات وتحولات في التنمية الاجتماعية زادت في فقر المرأة، وخاصة في الريف، حيث اضطرت إلى تحمّل أعباء أكبر. وكانت النتيجة كما هو معروف حالياً، إذ إن تزايد عدد النساء الفقيرات يفوق نسبة عدد الرجال الفقراء على الرغم من مشاركة المرأة في تحقيق الدخل والأمن الغذائي لأسرتها.
لقد أثبتت الدراسات التاريخية في مناطق بلاد الشام أن الرجال كانوا قبل سبعة آلاف سنة من الآن يتخصصون بالصيد، أما النساء فكن يجمعن الحبوب والثمار، وكان اهتمامهن ينصبّ على التأمين اليومي للقوت، إذ لم يكن الصيد متوافراً بشكل دائم، فكان قربهن من النبات هو الذي عرفهن بخفاياه وخفايا الأرض، فكانت المرأة هي الرائدة في اكتشاف الزراعة. ومما يثبت هذا أن عشتار كانت ربّة الخصب في ذلك الحين، في حين لم يكن للرجل دور في الزراعة حتى وقت متأخر في عام ألفين قبل الميلاد حين دجّن الثور، وبدأ بفلاحة مساحات واسعة من الأرض، ظلت المرأة الريفية آنذاك هي المسيطرة على المقدرات لعدة قرون وكان لها المكانة والاحترام.
ولا ينفصل واقع المرأة الريفية أبداً عن الواقع العام في الريف السوري سواء في تطوره أو تخلّفه. وهذا ما يجعل تنمية المرأة لا تنفصل في حقيقتها عن تنمية الريف، وإنما تعتبر المنطلق الأساسي والأداة الفاعلة بها، إذ يشكل اندماج المرأة في عملية التنمية الريفية شرطاً ضرورياً لاستمرار هذه العملية.
وفي سورية يشكل السكان الريفيون نحو النصف من إجمالي السكان، منهم 51% من النساء، حيث تشكل قوة العمل النسائية في القطاع الزراعي 54% من قوة العمل للسكان، وتساهم المرأة الريفية في سورية بـ70% تقريباً من الأعمال الزراعية لمختلف المحاصيل، في حين تساهم بأكثر من 80% من محصول القطن، ولا سيما في العمليات اليدوية قبل البذار والجني والخدمة.. بالإضافة إلى المساهمات الكبيرة في تحقيق الأمن الغذائي، والأدوار المتعددة في كامل السلسلة الممتدة من بدء البذار إلى عمليات مابعد الحصار، واستخدام الموارد الطبيعية والحفاظ عليها وتصنيع الأغذية وحلب الأبقار وتربية الحيوانات. فهي تشكل القوة الرئيسية في إنتاج الأغذية وتجهيزها للأسرّة. ولا يُعتبر هذا إلا امتداداً لنظام الخدمة في المنزل، وهي لا تعي إلا ما ندر من حقوقها الاقتصادية والاجتماعية.
والمجتمع الريفي، كما هو معروف، محكومة أكثر من غيره من التجمعات البشرية الأخرى بالموروثات والتقاليد التي من شأنها أن تزيد من تخلف المرأة. فعلى الرغم من كل ما تسهم به المرأة الريفية في تحقيق الأمن الغذائي، لا يكاد يكون لها ذكر بين القوى الفاعلة في التنمية، ولا تسجّل مساهماتها في الإحصاءات أو يشار إليها في التقارير، فهذه الإسهامات هي جزء من واجبات المرأة كزوجة وأم وليس كعمل يدرج في حساباتها في الاقتصاد الأسري أو الاقتصاد الوطني.
وهناك سمات خاصة تتصف بها الأسرة الريفية والتي تقوم على أسس التمييز الواضح بين الذكر والأنثى وحصر المهام والمسؤوليات بالرجل.
ورغم مساهمتها الفعالة والكبيرة في الإنتاج، تتعرض المرأة الريفية للفقر، فهي محرومة من حق التملك، فأكثر المناطق الريفية، حسب العادات والمفاهيم، لا تورِّث النساء، والمرأة تقدم جانباً كبيراً من عملها سواء كان نظامياً أم موسمياً دون مقابل بسبب قصور بعض المفاهيم المساندة لعمل المرأة في الزراعة.. كل هذا ساهم في تأنيث الفقر، أي تركزه في عنصر النساء. بالإضافة إلى قائمة طويلة من المعوقات، إذ تزداد باستمرار أعداد النساء اللاتي يعشن تحت خط الفقر ولا يتوفر مناخ سياسي واقتصادي ملازم لاستئصال الجوع والفقر.
بالإضافة إلى الأوضاع الصحية المتردية التي تحتاج إلى الحد الأدنى من العناية والاهتمام، بسبب عدم توفر الخدمات الضرورية والكافية لرعاية الأم والطفل.
وتعاني المرأة الريفية مشكلة الأمية، إذ إن عملية محو الأمية في الريف السوري، وخاصة بين النساء، لا يشكل سياسة ثابتة واضحة المعالم، فهي تفتقر إلى الخطط العملية وتتحكم بها العفوية والنشاطات الموسمية وتحكمها جملة من المناسبات، ورغم زيادة عدد دورات محو الأمية في الريف، فمازالت النسبة عالية جداً وقد تصل إلى 7080%، ومن الضروري إخراج عملية محو الأمية من الروتينية وجعلها عملية جماهيرية، واعتبار الدوائر الرسمية مساعداً يقدم المتطلبات اللازمة التي تقوم بها لجان محو الأمية في الريف.. مع الاهتمام الجدي والفعال بتعليم الفتاة الريفية وإيصال هذا التعليم إلى نسب مرتفعة، وتنظيم دورات تدريبية للتدريب الفني.. إلا أن هذا كله يتعارض مع كون عملها في الحقل موسمياً مما يدفع معظم الفتيات إلى ترك المدرسة لمساعدة أهليهن. فيؤثر ذلك عٌّلى تحصيلهن. كما أن للهجرة من الريف إلى المدينة أثراً كبيراً في تأخر الريف في النمو وتؤثر هذه الهجرة سلباً على المرأة الريفية، إذ ازداد العبء عليها في الأعمال الحقلية وفي الأسرة.
ومن أجل دعم برامج التنمية الريفية والنهوض بواقع المرأة، لابد من حصولها على تسهيلات ومساعدات تمكنها من تطوير نفسها وتحسين إنتاجها وذلك:
بأن يكون لها ملكية خاصة كضمان للحصول على بعض القروض من أجل إنشاء بعض المشاريع الصغيرة الخاصة بها تستفيد من مردودها.
التوعية بحقوقها الاقتصادية والقانونية والتدريب على الزراعة والتقنيات الحديثة.
التوجه إليها كعضو فعال في التنمية الريفية بالإرشاد الزراعي، وأن تكون صاحبة قرار على المقدرات والمردود الإنتاجي باعتبار أنها تشارك في أكثر من نصف الإنتاج.
التنسق بين الجهات الحكومية والمنظمات الشعبية للوصول إلى استراتيجية شاملة تؤدي إلى تحسين أوضاع المرأة كمحرك للعملية الزراعية وإلى إشراكها في برامج التنمية.
العمل على جعل إلزامية التعليم واقعاً فعلياً، واتخاذ الإجراءات اللازمة لدخول الفتيات في الريف وخاصة الفقيرات، واللجوء إلى المدارس المهنية والفنية.
التوفير اللازم لكل الخدمات الصحية، وخاصة مراكز التوليد والمراكز الصحية.

المراجع:
وثائق المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين 1995.
المرأة في حضارات بلاد الشام د. علي القيّم 1997.
9/2/2005 

جريدة النور

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon