وهذه الحالة تكاد تكون عامة في مجتمعنا العربي. ولهذه الظاهرة جذورها الأتنية العميقة في مجتمعنا. فمن ناحية هنالك النظرة القبلية ومن ناحية أخرى هنالك بعض العادات العاجزة عن مجاراة روح العصر. وأخيراً فإن هنالك ظروفاً مادية قاسية في بعض البلدان العربية بحيث تضطر فروع العائلة للبقاء في مسكنها الذي يكتظ بزوجات الأبناء وبأولادهم.
عن هذه العوامل تنشأ أوضاع اجتماعية، مادية ونفسية تنعكس على الأطفال بحيث يؤدي تضافرها إلى تعريض الطفل للإصابة بالمرض النفسي. ولنستعرض هذه الأوضاع على مختلف الصعد:
1 ـ انخفاض القدرة الشرائية للعائلة مع ازدياد عدد الأبناء. وهذا الانخفاض يجبر العائلة على اعتماد التقشف الذي يصل أحياناً إلى حد حرمان الأبناء من التعليم.
2 ـ إن إشراف الأم على عائلة كبيرة العدد يؤدي لانهماكها جسدياً ونفسياً. وبهذا تجد هذه الأم نفسها مجبرة لتأدية الأعمال والوظائف الملحة وذلك على حساب بقية واجباتها ووظائفها الأقل أهمية. وبمعنى آخر فإن ضغوطات الوقت والإرهاق من شأنها أن تجبر الأم على إهمال نواح عديدة في تربية أطفالها.
3 ـ تحتاج العلاقة الزوجية إلى بعض الشحنات العاطفية والأجواء الرومانسية التي لا يمكن تأمينها في جو منزل مكتظ بالأولاد. مما يعجل في دبيب الملل إلى مخدع الزوجية وهذا ما يشجع ظهور الخلافات الزوجية التي ناقشنا انعكاسها على الأطفال في الفقرة السابقة.
4 ـ يلاحظ في العائلات الكبيرة تناقضات كبيرة في شخصية أفرادها وسلوكهم مما يهدد وحدة وتماسك هذه العائلات. وهنا لا يسعنا إلا الإشادة بذكاء أجدادنا الذين عمدوا إلى سد هذه الثغرات بذكاء نادر. فالسلطة تنتقل من الأب للأخ الأكبر، لأن الأطفال الصغار في العائلة الكبيرة لا يدركون والدهم إلا في شيخوخته بل وربما يموت الوالد وهم بعد أطفالاً، وغيرها من الحلول التي اقترحها أسلافنا والتي استطاعت أن تحافظ على تماسك العائلة العربية. ولكن ظروف المجتمع الحديث تخطت هذه الحلول وأصبحت بحاجة لحلول جذرية أكثر حداثة ربما كان تحديد النسل أقلها خطراً وآثاراً سلبية.
5 ـ اضطرار الأم للاعتماد على أولادها الأكبر سناً، خاصة البنات، لرعاية إخوتهم الصغار حتى تتفرغ الأم للقيام بباقي أعباء المنزل والأسرة. وبهذا فإننا نصادف في هذه العائلات مثلاً طفلة في السادسة ترعى رضيعاً وأخرى في السابعة تدرس شقيقاً في الخامسة. من المؤثر أكثر عندما يأتي الفقر ليضاف إلى مشاكل الأسرة بحيث تضطر لدفع أولادها إلى العمل الجسدي، الشاق أحياناً، وهم في السابعة من عمرهم، وقد أثارت منظمة الأونيسكو هذه المشكلة، مشكلة الأطفال العاملين، وناقشتها دون أن تنجح في حلها لغاية الآن.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon