لعلّ المرأة العربية اليوم من أكثر الفئات الاجتماعية تخلفاً، ليس بحكم تأخرها عن التعليم، ولا تأخرها عن احتلال مواقعها ضمن السلم الوظيفي والإداري، وإنما لقصور ما في النظرة التي يفرضها المجتمع عليها. وبالطبع، عندما نقول المجتمع، لا نعني الرجل وحده، بل والمرأة نفسها، خاصة تلك النساء اللواتي ارتضين فكرة القمع الرجولي لهن، وفكرة العمل ضمن دائرة البيت-الاولاد، والعلاقة الزوجية. والفكرتان، مع أنهما تبدوان خارجيتان عن مدركات الواقع العربي اليوم، إلا أنهما في صلب أي نظرة تقدمية تريد من المرأة ان تحتل موقعها، ليس في بيتها فحسب، كصنو للرجل في المسؤولية، وإنما أيضاً في المجتمع، بوصفها طاقة كبرى يمكن ان تسد نواقص كثيرة لا يستطيع سدّها الرجل. يقول ابن رشد: "إن معيشتنا الاجتماعية الحاضرة لا تدعنا ننظر ما في النساء من القوى الكامنة، فهي عندنا كأنها لم تُخلق إلا للولادة، وإرضاع الأطفال، ولذلك تُفني هذه العبودية كل ما فيها من القوة على الأعمال العظيمة. وهذا هو السبب في عدم وجود نساء رفيعات الشأن عندنا. فضلاً عن ذلك فإن حياتهن أشبه بحيات النبات وهن عالة على رجالهن. لذلك كان الفقر عظيماً في مدننا لأن دور النساء فيها مضاعف لعدد الرجال وهن عاجزات عن كسب رزقهن الضروري"(1). ومع ان قول ابن رشد هذا جاء قبل ثمانية قرون، فإن الكثير من مضامينه نجدها اليوم في مجتمعنا العربي. ومن الواضح أن تحليل ابن رشد يربط بين التخلف الاجتماعي-الاقتصادي وتخلف المرأة، وهي نظرة متقدمة جداً، حتى في مفردات الفلسفة العربية الاسلامية نفسها. وهذا ما جعل ابن رشد خاتمة منطقية للأفكار الفلسفية والاجتماعية التي صاغها الفلاسفة العرب ابتداء من الكندي حتى ابن خلدون، مروراً بابن سينا، والغزالي وابن تيمية، والجرجاني-القاضي ... فالمرأة في تصور هؤلاء، لا يقاس تقدمها، او تخلفها، إلا من خلال تقدم اقتصاد المجتمع وتأخره. لقد راى ابن رشد ما لدى المرأة من قوة قادرة لو استخدمت بطريقة معاصرة، أنْ تُغيِّر الكثير، ليس فقط في النظرة حولها كامرأة، وإنما أيضاً في دورها الفاعل في البناء الاجتماعي. فقد اوضح أن العبودية تقضي على قوى المرأة، وقوى المجتمع معاً. لهذا عدّ تخلفها تخلفاً اجتماعياً. وبعد أن أصبح للاقتصاد الدور الحاسم في بناء المجتمعات الحديثة، لا نجد في بلداننا العربية تغييراً جذرياً لدور المراة في بناء مجتمعاتنا، بل أن أسيجة من الحرمان والمنع، والتحريم، والتقليل من شأن المرأة قد برزت كجزء من أيديولوجيا دينية، وسياسية مقنّعة بأقنعة العشائر والقبائل والأعراف، وأقنعة جسدية تؤكد أن المرأة غير قادرة، بفعل الحمل والولادة والتنشئة، على القيام بمهامها الاقتصادية. إن مثل هذه الوقائع والنظرات المتخلفة تمتلك، للأسف، صفة قانونية تؤكدها دساتير بعض الأنظمة وتدعمها بنصوص دينية واجتماعية. وهذا ما جعل الكثير من محللي المجتمعات العربية اليوم يقصرون رؤيتهم على الرجل ودوره فقط. إن مثل هذه النظرة لم تعد قائمة في المجتمعات الأوروبية التي اعتمدت، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، على المرأة في إدارة شؤون البلاد في مختلف النواحي. يقول أحمد فارس الشدياق، وهو من الاوائل الذين تحسسوا أهمية دور المرأة في المجتمع: " الأولى عندي أنا العبد الحقير أن تشتغل البنت بأحد الفنون والعلوم النافعة سواء كان ذلك عقلياً أو يدوياً، ألا ترى أن الأنثى مفطورة على حب الذكر والذكر على حب الأنثى؟ فجهل البنات بالدنيا غير مانع لهن من معرفة الرجال واستطلاع أحوالهم بل ربما أفضى الجهل إلى التهافت عليهم والانقياد اليهم دون نظر في العواقب"(2). فمن الواضح أن الشدياق يربط بين العمل والعقل، وهذه نظرة متقدمة. فعمل المرأة يزين عقلها، وبالتالي يحدد اختيارها، لأن الزواج اختيار قبل أن يكون شيئاً آخر. إضافة إلى ذلك ان الرجال، في راي الشدياق، لا يُكتشفون إلا من خلال الاختلاط في العمل، منعاً للتهافت والانقياد... وفي أبعاد هذا النص تكمن حقيقة حاجة المجتمع الى العلم اولاً، وإلى المرأة العاملة ثانياً. فالتقدم لا يقوم إلا بهما معاً... يقول الشدياق عن الأزياء التي ارتدتها زوجته وهو يزور مالطا: "التحفت هي ببرنس يغطي كميها إذ كانا يكنسان الأرض. فجعل المارّون وأصحاب الدكاكين يتعجبون. فهم لم يكونوا يعرفون أنها امرأة. فكان بعضهم يقول: أرجل هذا ام امرأة؟ وبعضهم يتعقبها، وبعضهم يلمس أثوابها، ويحدق في وجهها ويقول: ما رأيْنا كاليوم قط شيئاً لا هو رجل ولا امرأة"(3). يلمح الشدياق-اضافة إلى سخريته من الحجاب-إلى أن هذا التشخيص لغطاء الجسد تشخيص لغطاء الهوية. فالأزياء مذ كانت وإلى اليوم، إحدى العلامات التي تشخص هوية الجنس، وتميز بين الرجل والمرأة والطفل، ضمن المجتمع الواحد. فكيف إذا كانت أزياء النساء في العالم كله، بمختلف قومياته وأجناسه، تدل عليهن ولا تدل على الرجال؟ إن طريقة الشدياق واضحة في جعل الزي سمة قامعة لهوية المراة العربية. وفي عمق هذه الهوية المفقودة تلمحُ الحرية المفقودة، والدور المفقود، والوجود المهمش للمرأة وملحقيتها بالرجل، ليس زوجة فحسب، بل شيئاً مبهماً أيضاً. ولعله في قوله التالي يدلل على أنه كان ذا بصيرة نافذة: "إنك مهما بالغت في أن ترفع زوجتك عن رؤية الدنيا فلن تستطيع أن تخفيها عن قلبها. فإن المرأة حيثما كانت وكيفما كانت، هي بنت الدنيا وأمها وأختها وضرتها. إن التعليم على الصغر كالنقش على الحجر"(4). وهنا نجد الشدياق يوجه اللوم ليس للأزياء فقط، انما للتربية القاصرة، وللفهم الناقص لدورها. فالقلب وهو موطن الرؤية في الإسلام، كان وما يزال المحبس الخفي الذي يقود المرأة إلى طريقها مهما كان حجم الحجاب عليها ثقيلاً. وهنا يدرك الشدياق أهمية التعليم لتبصير المرأة، قبل الرجل، بدورها الاجتماعي والوطني في بناء المجتمع الحديث. إن رؤية المفكرين العرب، في بداية عصر النهضة الحديثة، كانت مستعدة من مشاهداتهم في أوروبا. وهذا ما انعكس على كتاباتهم. إن رفاعة الطهطاوي، محمد علي باشا وشبلي الشميل، وحسين الرحال وآخرين حينما بدأوا يقارنون بين مجتمعين، أوروبي متقدم وشرقي متخلف. وكانت جل اهتماماتهم تنصب على تثوير الأدوات الاجتماعية: الصناعة، التجارة، الزراعة، العمران، دور المرأة، دور العلم والتعليم، ومن ثم ما يلحق بهذا كله من حواش ومفردات. وإذا كانت النظرة الإسلامية التي شاعت يومذاك حول المرأة تحسبها من النواقص في كل ممارساتها، فإن النظرة الأوروبية لها كانت مجسداً عملياً من خلال احتلال المرأة لدورها الفاعل في المجتمع. وهذ ما جعل مفاهيم مثل الجنس والجسد، العلاقات، العمل، المسكن خاضعة للطبيعة الاجتماعية الاقتصادية الجديدة، ولم تكن عائقاً أمام أي مفكر يسعى لتطوير المجتمع. على العكس من الدعوات التي روجها رجال الدين، لحجر المرأة، والتقليل من دورها وإبعادها عن المساهمة حتى في بناء بيتها، وإثقالها بأعباء كثيرة ليس بمقدورها وحدها القيام بها. وكان من الواضح أن سبب ذلك هو غياب التعليم، غياب النظرة التقدمية إلى المرأة، غياب التقاليد الاجتماعية الجديدة، ثم غياب العلاقات الأسرية السليمة مثل الكيفية التي تختار المرأة بها زوجها أو عملها الوظيفي. إن تأخر المرأة يعود في أحد أسبابه إلى جهل الرجل بحاجاتها، ونوازعها، ورغباتها، ومواقفها، وهو بالضرورة جهل بنفسه. وإذا ما جئنا لمفهوم الشرف، ففي اللغة تعني كلمة الشرف مَنْ عَلا (ديناً ودنيا). وتشرّف الرجل (نال شرفاً)، وذو شرف (من كان من السلالة النبوية)، فلم تقترن هذه المفردات في القرآن الكريم بالفعل الجنسي. لكنها أصبحت تُقرن بالمرأة الزانية والرجل الزاني بحكم الحياة الاجتماعية اللاحقة، لأن الزنى غير الحب وغير العلاقة المتكافئة. يقول الشدياق: "ولو أن الناس سمعوا مثلاً بأن امرأة متزوجة تُحب غير زوجها لأنكروا عليها ذلك كل الإنكار، واستفظعوه غاية الاستفظاع فتطبل الطبول وتزمر الزمور وتُكتب الكُتب، ولا يبقى في البلد أحد إلا ويروي عنها حكاية أو ترهة. فإذا ما سمعوا عن الرجل أنه يُحب غير زوجته فإنهم يحملون فعله على وجه مرضٍ، ويعتذرون عنه بقولهم ان امرأته غير رائعة"(5). ولم يقف الأمر عند هذه الفروق، بل ان الولد والبنت، في إطار الأسرة الواحدة، مختلفان، ويفرض محيط الأسرة قيوده على البنت بينما يطلقها عن الولد. ويزداد الأمر سوءاً عندما يصبح الولد وصياً على البنت، حيث لا تملك المرأة حتى الحد الأدنى من القول على تصرفات وسلوك أخيها،، أو أي من ذكور أسرتها... هذا الإلغاء ما يزال معمولا به، حتى في أكثر الاسر حداثة. وإذا ما دخلت الفتاة في أي علاقة حب مع شخص آخر، عليها أن تبتدع الحيل كي تُخفي مشاعرها وعواطفها. ولنا تجربة مريرة في أرياف العراق ومدنه الصغيرة. هناك مسألة دقيقة لم تُبحث بعناية بعد، تلك هي العلاقة بين حماية المرأة وإطعامها وإكسائها من قِبلِ ولي أمرها بصرف النظر عن حقوق المرأة، وحقوق الرجل. فلم يكن شرعاً اشتراط إكساء البت أو إطعامها بالإشراف عليها، وبالتالي بقمع كل نوازعها واحتكارها. فقد لا يكون ذلك موافقا لبعض القوانين الوضعية اليوم، فكيف يكون موافقاً للأديان، كما يدّعي البعض؟ فمراجعة أمينة لأي كتاب سماوي لا تقود إلى اقتران اللباس بالوصاية على المرأة، ولا حتى الطعام، فمن حق الإنسان، المرأة كما الرجل أن يأكل وأن يلبس وأن يعمل، وأن يُفكّر. لكننا نجد ارتباط الوصاية بالإطعام والإكساء قد جائت من فاعلية "التملّك" و "الملكية" التي أجازها عرف القبيلة لأبنائها دون بناتها. ومرة اخرى نجد الشدياق أكثر جرأة، حتى من تقدميي اليوم، عندما يقول: "لا ينبغي أن يحس أنّ مجرد إطعامه للمرأة، وإلباسه إياها، منّة عليها، فإن حقوق المرأة أكثر من أن تُذكر"(5). ولو جئنا إلى أدبيات التقدميين، لوجدناها مفترقة عن سلوكهم. فالكثير من النساء اللواتي اشتغلن بحقل المعرفة والتنظيمات والأحزاب، وصادف أن كان عملهن مع الرجال، اصطدمن بمواقف هؤلاء التقدميين المختلفة، فاضافة إلى استغلالمشاعرها، والتقرب إليها بسبل الإغواء والاحتواء نجدهم قاصرين بالفعل عن طرح أي تصوّر عملي يجعل من المرأة كياناً حراً فاعلاً... خذ الأحزاب التقدمية العربية، فلا نجد أي امرأة قد صعدت إلى قياداتها إلى ما ندر. في حين أن المرأة في أكثر البلدان الآسيوية تخلّفاً، تقود مجتمعات متعددة القوميات والأديان، كالهند، باكستان، بنغلاديش، الفلبين. وفي بلدان أوروبا الكثير من النساء تسلّمن مقاليد السلطة ... أما في البلاد العربية فقصور نظرة المجتمع للمرأة جعلها غبر مقبولة لأن تكون وزيرة- إلا ما ندر- دون أن تتقدم خطوة لأن تصبح رئيسة حزب أو رئيسة دولة... إننا نجد المنادين بحقوق المرأة في الشرق العربي منذ أكثر من قرن يستخدمون الحجة نفسها التي لازلنا نرد بها على المعارضين لحرية المرأة. لكن للأسف حتى الآن، وبرغم الفترة التي تفصلنا عنهم، والتغييرات الهائلة التي حدثت في المجتمع وفي الحياة، وبرغم أوجه التطور والتسارع المذهل في الاتصال والمعلومات، لازلنا نرى مواقف متخلفة تصدر عن هذا القائد السياسي أو ذاك سواء تجسّدت سلوكاً مستهجناً أم قولاً خجلاً. لا نجد، نحن النساء، ملجأً لتفسير تخلف الرجل نفسه، إلا في أن هذا الرجل، حتى التقدمي، لا يريد ان يتطور، ولا يريد أن يغيّر النظرة الدفينة التي توارثها عن اسلافه، ولا يريد أن يقرن ما يؤمن به بسلوكه إزاء المراة، ولا يريد أن ينقل أفكاره نقلة يتحرر بها هو من أوهانها. إنّ بعض التخلّف كامن في الرجل نفسه. فكيف نلوم المراة التي وإن تقدّمت، وتطورت نظرتها للحياة، ماتزال ترتبط مع الرجل بعلاقة تبعية، وليست بعلاقة تكافؤية، متوازنة. وفيما يخص قوانين الاحوال الشخصية في البلاد العربية فإنها مستمدّة من الشريعة الإسلامية، التي استمدّت أحكامها من روح العصر الذي انبثقت فيه، أي فترة الدعوة الإسلامية. وإن دارس القانون يرى أن القوانين تستمد أسسها من حركة المجتمع وتطوره، لتكفل تنظيمه على أفضل وجه. فمجتمع اليوم ليس هو مجتمع ما قبل أربعة عشر قرناً. مجتمع اليوم ليس هو مجتمع الأمس بالضرورة. من هنا كان عدم توافق واقع الحال مع هذه القوانين. وإزالة هذا التناقض تتطلب خوض معركة فكرية دون مجاملة، لمن يريد جر المجتمع إلى الوراء، ولا سيما ما يتعلّق بحقوق وحريات المرأة. إن ما يحدث في الجزائر ومصر ليس ضد الحكّام إنما هو ضد تطور المجتمع. لكننا نرى، مع الاسف، حتى القوى التقدمية تخشى خوض المعركة الفكرية مع أمثال هذه القوى. ومن يقرأ أدبيات الأحزاب والمنظمات التقدمية العربية يجد أن نقاش طروحات هذه القوى يقف عند الحدود السياسية والعملية. ولكن عبثاً نطالب بعض المثقفين التقدميين بالخروج من جلودهم السابقة... حتى ولو كانوا قادة ومنظرين، وكباراً في المواقف السياسية الاخرى. لا يُنكَر أن تدني الوعي لدى المراة من أبرز الأسباب لمعاناتها. فانشغالها بإدارة المنزل وتربية الابناء والاهتمام بالزوج أبعدها عن الاهتمام بجوانب الحياة الثقافية وبلوغ الوعي الذي يؤهلها لفهم حقوقها والظلم الواقع عليها. فكثيراً ما أدّى العيش بين جدران المنزل لفترات طويلة إلى شيء من البلادة لدى بعض النساء حيث يغرقن في عالم صغير جداً لا يتعدّى الحديث عن الطعام واللباس وممارسات الزوج ورغباته. وهذا يؤدي إلى استغرابهن ودهشتهن واستهجانهن أحياناً عندما حاولت نساء فتح آفاق جديدة للوصول إلى وضع إنساني أفضل. وللاسف أن هذا يجد التشجيع من قبل ازواجهن لإبقاء الزوجة بعيداً عن الدور الصحيح الذي يجب ان تأخذه. فهم يفضّلون امرأة بسيطة وغير مثقفة على امرأة منفتحة تريد العيش كإنسان وتكامل وتطلب معاملة الند للند من الرجل. إن الكثيرين يلتزمون جانب المثل الشعبي القائل "إبعد عن الشر وغنّي له" وكأن حرية المرأة هي الشر، لأنهم في قرارة نفوسهم غير مؤمنين بها حقاّ، فيستغلّون جهل المرأة وخضوعها غير آبهين إن كانوا عادلين أم لا، متوازنين مع ما يحفظونه من نصوص حول حرية امراة أم لا، ومخلصين لدفع عجلة التطور ببلدانهم أم لا، مع علمهم أن النساء يشكلن نصف المجتمع الذي لا يمكن تجاوزه عندما يراد الحديث عن تطور ونهوض اجتماعي. إن هذا الوضع وجد أرضية خصبة لفكرة مفادها أن المراة تخلق السعادة، وهي المسؤولة الوحيدة عنها. فيجب عليها تحمّل حتى ما لا يطاق، وكأنها مخلوقة خارقة أو حجرية، وكأن السعادة هي فقط الخضوع حتى الموت والاستمرار في الحياة بمنزل لا تفاهم ولا انسجام فيه. وبهذه الفكرة تحلل الرجل من مسؤوليته كإنسان يساهم في الحياة الزوجية ونجاحها أو فشلها. فأين العدل والرحمة؟ أخيراً أقول: إنني لا أشن حرباً ضد الرجل أبداً، فالرجل سر جمال المراة وحنانها الخلّاق كما هي سر قوته وعطائه. ولكن أقول إذا بقي وضع المرأة في مجتمعنا بهذا الشكل وبقيت المراة راضية بدائرة التخلف متّقية شرّ النفوس التي ترى حرية المرأة عيباً، وترى إنسانية المرأة قفزاً على التقاليد، والتخلّف هو الاصالة. إذا بقيت المرأة العربية تراقب غيرها من النساء اللواتي حاولن شقّ طريقهن نحو الحرية والنور بإبداعهن وبثقافتهن وقوة إرادتهن، وتلوكهن بلسانها وتضفي طابع الخسّة على كلمة الحرية وإبعادها عن أهدافها النبيلة والإنسانية. وإذا بقي الرجل يفتخر بزوجة ساذجة لا تناقش في أمور الحياة ولها فم يأكل ولا يتكلّم، إذا بقي كل هذا فسوف لن يجد السياسيون والمثقفون وعلماء الاقتصاد والقانون والأدباء وجميع من يهمهم أمر التطور الاجتماعي انتصاراً لقضية المرأة ولقضية الرجل معاً.
هولندا 28/10/1996
تركت الشاعرة بلقيس حامد حسن بلدها العراق بسبب الظروف السياسية سنة 1979. درست في كلية الحقوق- جامعة دمشق. ثم تابعت هجرتها إلى هولندا حيث تعيش اليوم. انتُخِبَت هي واربعة من الشاعرات من بين 150 من المرشحات في العالم من قِبَلِ منظمة العفو الدولية كأفضل شاعرة مميزة تعمل من أجل الحرية لسنة 2000. لها ثلاثة دواوين : اغتراب الطائر، مخاض مريم، أجمل المخلوقات رجُل. تكتب الآن روايتها الاولى.
المصادر (1) كتاب ابن رشد وفلسفته مع نصوص المناظرة من المناظرة بين محمد عبده وفرح أنطون ص 124 (2) كتاب الساق على الساق لأحمد فارس الشدياق، الجزء الثاني ص 55-56 . (3) نفس المصدر ص 66 . (4) نفس المصدر ص 155 . (5) نفس المصدر ص 125 .
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon