يعاني العديد من أطفال العالم من التحرش الجنسي والاغتصاب سواء كانوا إناثا أو ذكورا، وهذه الجرائم تكون إما على أيدي غرباء أو جيران أو حتى أقرباء، و الأفضع أنها تكون أحيانا على أيدي آباء...لكن المشكل الخطير هو عدم التعامل مع الظاهرة بحجم خطورتها، لأن ما يلاحظ هو التكتم الشديد عليها حتى أن بعض أولياء الأطفال يتفادون اللجوء للمحاكم.
إما بدعوى أن المسيرة طويلة ولا يكونون مأهلين ماديا لخوض غمارها، وإما خوفا على نفسية أطفالهم من أن تمرض أكثر مما هي مدمرة. و هناك من الأولياء من يربط ذلك بالسمعة فيفضلون الصمت، ولكن هل هذا حل؟ الأكيد أنه ليس حلا بدليل تزايد حجم الظاهرة بشكل مخيف ومهول، لتطرح بذلك مجموعة من الأسئلة للأسف لا نحسن لها جوابا..
هل لانعدام الجانب الإنساني فينا ؟ هل لاستسلام البعض منا لنزواته المريضة ولرغباته الشاذة؟ هل لانعدام الوازع الأخلاقي فيها؟ هل لضعف هؤلاء الأبرياء يتم استدراجهم لرغبات مكبوتة ودنيئة، هل...؟ الأسئلة كثيرة وعديدة ولكن علينا أن نجد حلا خصوصا إذا علمنا أنه عندنا بالمغرب ومقارنة مع باقي بلدان العالم العربي تستفحل الظاهرة بشدة وبصورة مخجلة وبشكل مخيف... كم سننتظر حتى نجد الحل؟ وهل لإيجاد الحل، ضروري أن تكون هناك أيام وطنية؟ وهل ستساهم هذه الأيام في الحد من الظاهرة والقضاء عليها..؟ ولماذا انتظرنا كل هذه السنوات قبل أن يتم التطرق للموضوع ومناقشته بشكل واضح وجريء بعيدا عن الاحتشام أو الاستحياء السلبي؟
** التربية الجنسية ضرورية لأطفالنا:
كان موضوع الجنس ولا يزال من المواضيع المحظورة التي لا نتحدث عنها في بيوتنا بدعوى لا يصح وهذا عيب.. إلى غير ذلك من الردود التي ألفنا سماعها، وفي هذه النقطة تقول السيدة بشرى مدرسة: " للأسف الخوض في المواضيع الجنسية من أصعب المواضيع التي تواجهنا وذلك كون العديد من البيوت إن لم نقل العديد من المجتمعات لا يفرقون بين ما هو جنسي وما هو تناسلي، على اعتبار أن الجنس هو بناء جسدي عاطفي يطال النفس وسائر الجسد بينما التناسلي لا يؤدي إلا وظيفته، وكما أجمع العلماء النفس فإن الشهوات الجنسية لا تبدأ عند سن البلوغ، بل يحملها الطفل منذ الولادة وبذلك فهو ليس محصورا في مرحلة معينة، وما يجب علينا نحن كمربين هو أن نسعى لتربية الأجيال وتوضيح كل ذلك حتى يتسنى لهم الاحتماء ومعرفة أنفسهم وصيانتها من التحرش أو الاستدراج للاغتصاب".
** كيف نحمي أبناءنا من التحرش الجنسي؟
الدكتورة أمل المخزومي تذكر مجموعة نقط نستطيع من خلالها أن نجنب أبنائها الوقوع في التحرش الجنسي ومن هذه النقط تقول الدكتورة أمل: " علينا بتوعية الأبناء منذ الصغر وبشكل صريح بعيد عن الابتذال والتطرف في الصراحة، وأن تكون التوعية حسب عمر الطفل وتكون مبسطة جدا مع الصغار وبتوضيح أكبر مع الكبار، ونقطة أخرى لا تقل أهمية وهي عدم السماح للأطفال أن يناموا في فراش واحد، وكذلك علينا مراقبتهم أثناء اللعب خاصة عندما يختلون بأنفسهم، وأحيانا ربما يعتمدون على التقليد للكبار وببراءة، ولا يجب أن نسمح للأطفال الصغار باللعب مع الكبار والمراهقين لئلا يحدث المحذور عن طريق الاستغلال والاعتداء والانحراف". وتضيف الدكتورة بأنه ينبغي على الوالدين الحرص والحذر الشديد أثناء ممارسة العلاقة الجنسية فيما بينهما وأن يسيطرا على كل مجال يتيح التلصص لأبنائهما أو سماع صوتهما لأن حب الاستطلاع لدى الأبناء بهذا الخصوص يكون شديدا جدا.
أحيانا كثيرة يتعرض العديد من الأطفال للتحرشات الجنسية لكنهم لا يخبرون أوليائهم بالأمر إما خوفا من العقاب أو تأنيبا لأنفسهم لأنهم لم يحترسوا جيدا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هنا، هو كيف نجعل أطفالنا يبوحون لنا بما حدث معهم في حال ما إذا تعرضوا لذلك وكيف نشجعهم على البوح والاعتراف لنا، وهكذا يخبرنا الدكتور عكوب محمد اختصاصي في علم النفس: "على الآباء أن يتعاملوا مع أبناءهم بحنان وعطف وثقة متبادلة، ويحيطوهم بالطيبة حتى يكون هناك انفتاح وتواصل بين كافة أفراد الأسرة، هنا فقط يستطيع الطفل أن يخبر الوالدين بكل ما حدث معه، لأنه لن يخاف العقاب أو عدم الفهم أو الظلم، وعلى الأم أن تكون قريبة من ابنتها خصوصا في المراحل المحرجة من حياتها، أيام المرحلة الانتقالية من الطفولة إلى المراهقة على الأم هنا أن تكون متفهمة مع ابنتها حتى تستطيع أن تبوح لها بما يمكن أن تكون قد تعرضت له من تحرش سواء بالكلام أو بالفعل، وكذلك الأب عليه أن يكون قريبا من ابنه ويكون دائما على تواصل معه، كما يجب أن يكون الآباء قدوة صالحة أمام أبنائهم حتى تترسخ لهم معالم الحياة الفاضلة".
أما عن آثار التحرش أو الاغتصاب الجنسي على نفسية الأطفال، أضاف الدكتور عكوب بأن لذلك آثار عميقة على نفسية الأطفال، فالعديد منهم يتولد عنده نوع من الخوف والفزع من أي شيء خصوصا من والديه وخوفه من أن يكتشفا الأمر و كأنه هو الذي ارتكب الجريمة ولم يكن ضحية اغتصاب، ويخاف من الشخص الذي اعتدى عليه خصوصا إن كان قد هدده بالقتل أو بأي شيء إن أفشى سره لأحد. و أشار أيضا إلى أنه يمكن للطفل أن يتلذذ بذاك الموقف فيستمر عليه وبالتالي ينحرف إن لم يلاقي النصح والحذر. وأحيانا يصاب الطفل بالعدوانية ويخلق لديه نوع من الانتقام ويعتدي على آخرين، ومرات عديدة يعيش الطفل في انطوائية وانعزالية ولا يرغب في العلاقات مع الآخرين بل يصبح يعيش في مرارة قاتلة يمكن أن تتطور لأن تصبح اكتئابا أو وسواسا قهريا وأحيانا يفكر في الانتحار.
وربما يصاب بأمراض عقلية أو حتى جسمية وثقته تكون منعدمة سواء في نفسه أو في الآخرين.
هكذا إذن تكون نفسية الأطفال المغتصبين الذين فضلا عن كونهم أطفال وما زالوا في طور النمو والتعلم من هاته الحياة وأبرياء كنسائم الفجر، ولا يتحملون أي نوع من أنواع الأذى، يتعرضون لأبشع الجرائم التي يمكن أن تعصف بحياتهم وتغير اتجاهاتهم و قناعاتهم ويمكن أن تؤدي بهم إلى الانحراف. فإلى متى ستظل جرائم كهذه حبيسة أماكن ارتكابها، وإلى متى سيظل العديد من الأطفال يعانون التحرش والاغتصاب، هم رجال ونساء المستقبل، ومن لا حاضر له لا مستقبل له، على الأقل هذا ما يقال.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon