لا حرية للمجتمع دون تحرر المرأة


د. مية الرحبي
من الواضح أن قصد السيد " ناصر الماغوط " في مقاله " تحرر المرأة " كان الحديث بسخرية مريرة عن حال الشعوب العربية المقيدة، مسلوبة الإرادة. لكن ذلك لا يمنع أنه وقع في مغالطات كبيرة في هذه المسألة، فمن المعروف أن المرأة تاريخا وحتى اليوم يقع عليها اضطهاد مضاعف، كونها مواطنة تعاني كل ما يعانيه الرجل، ويضاف إلى معاناتها تلك، معاناتها الخاصة بكونها امرأة، لا يعتبرها قانون الأحوال الشخصية أصلا إنسانا كامل الأهلية، وحتى لو كانت قاضية ولية من لا ولي له، فلا يحق لها الولاية على نفسها، لا يحق لها الوصاية على أولادها، حتى لو كانت هي الوحيدة المسؤولة عن تربيتهم وتنشئتهم، والإنفاق عليهم، عدا عن الغبن الواضح المتعلق بقوانين الزواج والطلاق والحضانة والإرث والجنسية والعقوبات، ناهيك عن الاضطهاد الذي تعانيه بتأثير العادات والتقاليد والتي تأخذ سلطة أعلى من الدين والقانون في بعض الحالات (المرأة في الريف لا ترث في غالب الأحيان)، أضف إلى ذلك الظلم الاجتماعي العصري المتمثل بعملها اليوم مثلها مثل الرجل (المضطهد) خارج المنزل، نفس عدد ساعات العمل، لتعود إلى بيتها وتقضي ساعات إضافية في عمل منزلي مرهق يستنزف ما تبقى من جهدها وطاقتها، في حين يقبع الرجل متمددا، يرتاح من عناء العمل، ويفرغ القمع الذي تعرض له خارج منزله باضطهاد الرعية التي يمكن أن يمارس عليها سلطته والمتمثلة بالزوجة والأولاد.

إن من يحاول إنكار الاضطهاد المضاعف الذي تتعرض له المرأة في مجتمعاتنا تحت عناوين عريضة تنادي بالحرية والعدالة يكون واهما تماما، فلا حرية للمجتمعات إلا بحرية نسائها، ولا حرية للنساء إلا بتحرر المجتمعات كافة، ولابد أن يسير النضال الداعي إلى حرية الشعوب جنبا إلى جنب مع نضال مواز، له خصوصية تتعلق بخصوصية وضع المرأة واضطهادها المركب، بتغيير نظرتها إلى نفسها أولا، وتغيير نظرة الرجل إليها ثانيا، فمقولة مثل " إن الرجال في هذه المناصب قد صاروا نسوانا بعد أن تغلبت هرموناتهم المؤنثة على المذكرة وباتوا يميلون إلى الأقوال عوضا عن الأفعال كتعويض عن العجز "، تعبر عن النظرة المؤسفة لبعض مثقفينا، الذين لا زالوا يعتبرون الرجولة بمفهومها التقليدي شرفا، والأنوثة عارا، فالنساء هن العاجزات، اللاتي لا يجدن غير القول..إلى ما هناك من صفات سلبية تلصق بالأنوثة، وإيجابية تلصق بالذكورة كتمييز قائم على النوع الاجتماعي (الجندر) والتي تخلقها المجتمعات، لا الهرمونات الأنثوية، فعلميا أستطيع أن أؤكد لك يا سيدي، كطبيبة، أن لا ارتباط علمي أبدا بين الهرمونات الأنثوية والصفات السلبية التي ألصقت بالمرأة اجتماعيا، ولولا ذلك لما استطعت أن أتقن الكتابة لأرد عليك، لو كان عقلي غير مهيأ لذلك طبيعيا.

إن المعضلة تكمن هنا، فلن تقوم قائمة لمجتمعاتنا إذا لم نؤمن بأن تحرير شعوبنا لن يتم إلا بتحرير نصفها المشلول، ويبدو أن المهمة أمامنا لا زالت عسيرة جدا ما دام جزء من مثقفينا لا يؤمن بعد بكون الأنوثة ليست عائقا أمام امتلاك المرأة لكل الصفات التي تؤهلها للتطور وخوض غمار الحياة جنبا إلى جنب مع الرجل، بعدالة ومساواة كاملة في الحقوق والواجبات بين كافة أفراد المجتمع دون تمييز بين عرق أو دين أو جنس أو لون، ولن يستطيع مثقفونا أن يكونوا في طليعة النضال في سبيل تحقيق العدالة والمساواة ما لم يؤمنوا بذلك إيمانا كاملا، وصدق من قال " إن مقياس تقدمية الرجل وإنسانيته موقفه من المرأة ".
11/12/2002 

 أخبار الشرق
 

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon