الحقوق الإنسانية للمرأة


 يقول الإمام الخميني في مقابلة صحفية: "لا فرق بين المرأة والرجل، فكلاهما إنسان، أما ما يوجد من فوارق طبيعية بينهما فلا علاقة له بالطبيعة الإنسانية لكلا الجنسين"، وقد جاء هذا الجواب رداً على سؤال حول حقوق المرأة، حيث أجاب عليه بدقة، مركزاً على الطبيعة الإنسانية للمرأة، وأن المرأة هي إنسان قبل أن تكون امرأة، ثم يركز على أن الفوارق الموجودة بين الجنسين لا علاقة لها بالطبيعة الإنسانية، بل إنها نابعة من كون المرأة والرجل يكمل أحدهما الآخر.
إذاً فهناك تباين وفروق بين المرأة والرجل، وهذا من متطلبات الحياة الطبيعية الصحيحة، فكل من الجنسين يخضع لنظام حقوقي خاص، يتمتع في ظله بالنعم والحريات الإنسانية، وهذا المفهوم يتعارض مع ما يشيع اليوم في العالم، حيث يعتبرون الرجل صاحب سلطة وهيمنة بسبب تفوقه البدني وممارسته للأعمال الصعبة، ويعتبرون ذلك مبرراً لأن يصبح الرجل هو الحاكم، والمرأة هي الخاضعة. ولعل بعض السيدات يصبحن مصداقاً لما يقول أرسطو من أن الله خلق الناس على صنفين، الأسياد والعبيد، وذلك عندما رأى عبداً يعطي السيف لسيده ويطلب منه أن يؤدبه، فبعض السيدات يرضخن لهذه الذلة والحقارة، بينما ترى الإمام يؤكد عدّة مرات بأن ليس من حق المرأة أن تعتبر نفسها مجرد سلعة، كما لا يحق للرجل النظر إلى المرأة على أنها سلعة أبداً، بل كان (رضوان الله عليه) دائماً يؤكد أن المرأة يجب أن تظل في مقامها الإنساني السامي، لأن الله تعالى خلقها كريمة، والعرفان الإلهي هو: (ولقد كرمنا بني آدم).
إذاً، فإن الكرامة لم تمنح لجنس دون آخر، والفرق الموجود بين الجنسين، في القوة أو الخصال الأخرى، لا علاقة له بالكرامة الانسانية وليست هذه الفروق، عاملاً لضعف أحد الجنسين أو قوة الآخر، وإلا فإن هناك من الحيوانات ما هي أقوى من الإنسان، فهل هي أفضل منه؟

إذاً فالنقاط القيّمة في هذه الإجابة هي:
1_ المرأة، كإنسان تتساوى مع الرجل في الخلق.
2_ على المرأة أن لا ترضى بأي ظلم أو تسلط من جانب الرجل أو المجتمع.
3_ وجود أفكار وممارسات خاطئة من قبل الرجال تعتبر بحد ذاتها مقياساً مهماً، لذا فإن على الرجال أن يكونوا أحد عوامل إعطاء المرأة حقوقها الإنسانية ومنها الحرية.

ولكن ما هو معنى الحرية؟
المؤسف هو أن لكلمة الحرية معنى خاصاً في كل ثقافة وفكر، ولكننا عندما نقول "إن الطير قد تحرر من القفص"، فإننا نقصد هنا المعنى الحقيقي للحرية، لأن الطير خُلق للطيران، والقفص سلبه القدرة على الطيران، ولكن ما المعنى الذي يوحي إليه استخدام هذه الكلمة بحق المرأة؟ ما هي طبيعة المرأة؟ وأين تكمن قدرتها على التحليق والتكامل؟ وما هو قفصها؟ وما هو مفهوم الحرية بالنسبة إليها؟
لعل من المناسب هنا الحديث عن المفهوم الآخر للحرية، وهو المفهوم الذي يشيعه المستعمرون في عصرنا الحالي لتبرير أعمالهم اللا إنسانية، فهؤلاء يدعون إلى تحرير المرأة وتحللها من كل الضوابط والقوانين التي وضعت لها باعتبارها إنساناً في عالم الخلق. إذاً فمن أي شيء يريد هؤلاء تحرير المرأة؟ هل خُلقت أسيرة مكبلة وهم يحاولون تحريرها؟ هذا الادعاء نفسه مليء بالإهانة لخلقة المرأة، وهذا الخواء في الفكر وما يترتب عليه من أسئلة عديدة، تتضح بجلاء من خلال مقابلة أجرتها صحيفة الغارديان.
تسأل السيدة (اليزابيث تارغود): هل إن المرأة قادرة في ظل الحكومة الإسلامية على الاختيار بحرية بين الحجاب الإسلامي واللباس الغربي؟ فيأتيها الجواب "النساء يتمتعن بالحرية في اختيار العمل والمصير وكذلك نوع اللباس، ضمن الموازين والضوابط" (باريس 1979). إن إنعام النظر في هذا السؤال والإجابة عليه، يعتبر أمراً ضرورياً إلى حدٍّ ما، من المؤكد _فيما يتعلق بالنهضة الجبارة التي حدثت _ أن يقوم قائد ثورة كهذه بدراسة أسس هذه النهضة وجوانبها، ويوضح ملامح جلية لآفاق المستقبل، فالنهضة التي تريد هز أركان البيت الأبيض والكرملين والإطاحة بجبابرة هذا الزمان بسواعد الرجال والنساء الأبطال، هل يمكن النظر إلى كون مستقبلها منحصراً بقضية نوع اللباس الذي سترتديه المرأة؟ هل هو حجاب إسلامي أم لباس غربي؟
الجواب الذي قدمه الإمام بعدما أدرك مدى خواء السؤال وتفاهته، كان بحراً من العمق الفكري والنظرة المستقبلية الحاذقة حول اهتمام الإسلام بالمرأة والقدرة على تلبية مطاليب النساء وحقوقهن، فكلمات المصير والحجاب _والفعاليات _ تمثل إحاطة كاملة للنساء، بجميع حقوقهن وشؤون حياتهن. وهو ما يصطلح عليه اليوم بحضور العنصر النسوي في المجتمع ودوره المباشر في التخطيط والإدارة، فالإمام يعتبر ذلك من حقوق المرأة بالبديهة، ويتعدى ذلك إلى نسخ نظرية كل الذين يعتبرون مصير الإنسان مرسوماً من قبل ولا يمكن تغييره، حيث (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الرعد/11)، وقد أكد أيضاً أن المرأة تتمتع بحرية الإختيار، وليست مسلوبة الإرادة وهذا الجواب، صرخة مدوية يعلن فيها الإمام أن حرية المرأة لا تعني تجريدها من حجابها هذا التجريد الذي يؤدي إلى فسادها وضياعها، ولا تعني سلخها من المحيط العائلي، مما يؤدي إلى انهيار العائلة التي هي لبنة أساسية لبناء المجتمع، ولا زجها في الأعمال الشاقة المنهكة التي تتعارض وطبيعة تركيبها البدني، بل إن حضور المرأة في المجتمع وممارستها النشاطات المختلفة وارتدائها الملابس، يجب أن تخضع كلها للموازين والضوابط الشرعية، فكل إنسان، وبحكم إنسانيته، يحتاج إلى حياة هادئة هانئة، وهذا لا يتحقق إلا بسيادة قانون يلتزم به الجميع، إذاً فعلى المرأة أن تتحرك وفقاً للموازين والضوابط، ليس في لبسها فقط، بل حتى في اختيار نوع العمل والمصير.
ومعلوم أن لكل مجتمع قانوناً ينبع من عقيدته وفكره، وليس المجتمع الإسلامي خارجاً عن هذه القاعدة، إذ إن القانون الذي يدير المجتمع قانون إلهي يتطابق مع الفطرة البشرية ويدفع الجميع باتجاه الكمال الوجودي للإنسان، النساء يجب أن يلتزمن بضوابط العفة والحياء العام، ويمارسن _في الوقت نفسه _ دورهن الاجتماعي والسياسي، لأن المرأة تدخل المجتمع دون التمسك بالضوابط والقوانين التي سُنّت من أجل سلامتها وسلامة المجتمع، ستفقد تلك الأصالة والجدية في التأثير والعمل والنمو والكمال، وستتحول بدلاً من ذلك إلى عامل تخريب لهذا المجتمع وهدمه.

د. زهراء مصطفوي
 كريمة الإمام الخميني
 
1/12/2004
 لحواء

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon