حركة تحرر المرأة.. قرن من الأسئلة


توجه إلينا ، نحن الناشطات في مجال حقوق المرأة ، أسئلة كنا نعتقد أنها أصبحت من البديهيات منذ عقود:
ماذا تريد المرأة؟
هل تردن شن حرب على الرجل؟
والغريب أن هذه الأسئلة تطرح أحيانا من قبل بعض المفكرين والباحثين والمثقفين, بل المهتمين بشؤون المجتمع ونهضته والمدافعين عن حقوق الإنسان, بشكل يوحي بفصلهم التام بين حقوق الإنسان وحقوق المرأة, وكأن حقوق الإنسان تعني حقوق الرجال فقط, وكأن تحرير المرأة ليس شرطا أساسيا لنهوض المجتمع ككل.
إن هذه الأسئلة تستدعي, بشكل ملح, أهمية إعادة التذكير دوما بأهداف حركة تحرر المرأة, وخصوصيتها في مجتمعاتنا, والسبيل العملي لنشر أفكارها وتحقيق ما تصبو إليه, مادمنا لا نزال في طور طرح الأسئلة, التي كنا نعتقد أن الكثير من إجاباتها دوّنت في أدبيات النهضويين العرب قبل أكثر من قرن من الزمان.
لقد اتفقت التنظيمات والحركات النسائية في العالم على أهداف مشتركة للنضال في سبيل تحرير المرأة, تم تلخيصها كنتائج للمؤتمر الذي عقد في بكين 1995, وفي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو ), التي رعتها الأمم المتحدة, والمستندة إلى ميثاق المم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان, والتي لم توقع عليها سورية للأسف بعد.
إن اتفاق جميع حركات تحرر المرأة في العالم على أهداف مشتركة, لا تمنع أن يختص كل بلد على حدة بالطريق التي عليه أن يسلكها لتحقيق هذه الأهداف, فالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية التي تلقي بظلها على المرأة تجعل من أخذ هذه الأوضاع بعين الاعتبار عند مناقشة ظروف المرأة وسبل تحررها مسالة على غاية كبيرة من الأهمية, وإغفالها يوقع حركة تحرر المرأة في الأخطاء التي وقعت بها الكثير من الحركات الوطنية المجتمعية, وبخاصة في الدول النامية, وكانت المسبب الرئيسي لإجهاض هذه الحركات وفشلها.
لاشك أننا نتفق مع مقررات مؤتمر بكين واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة, والتي تسعى في مجملها إلى منح المرأة حقوقها باعتبارها إنسانا كامل الأهلية مساو للرجل, ومنحها الحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية, وإزالة جميع أشكال التفرقة والاستبعاد والتقييد الذي يتم على أساس جنسها, لكننا في الوقت نفسه لابد أن نضع في اعتبارنا خصوصيات وضع مجتمعاتنا, والمعوقات التي تصطدم بها حركة تحرر المرأة في بلادنا, والتي تستدعي خطوات متأنية أشارت إليها سيداو في مادتها الرابعة التي تقول: لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف في هذه الاتفاقية تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزا كما تحدده هذه الاتفاقية, ولكنه يجب ألا يستتبع بأي حال, كنتيجة له, الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة, كما يجب وقف العمل بهذه التدابير عندما تكون أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة قد تحققت.
إن الظروف والتحديات التي تمر بها بلادنا, والتي تتشابه من حيث السمات العامة في جميع أقطار الوطن العربي, تجعل لحركة تحرر المرأة فيها خصوصية لابد من أخذها بعين الاعتبار للنهوض بالمرأة, وبالتالي بالمجتمعات العربية التي تعاني قهرا وتخلفا ومواتا. فتحديات التنمية, وإصرار الأنظمة في الكثير من الدول العربية على حصر النضال النسوي في منظمات شبه رسمية, مصابة بأدواء الترهل والنفعية, وعدم تشجيع أي تحرك أهلي يساهم في خدمة حركة تحرر المرأة, بالإضافة إلى التحديات الخارجية, المتمثلة بشكل أساسي في العدو الصهيوني الذي يمارس عدوانه واحتلاله, وما تستنزفه مواجهة هذا العدو من قدرات وموارد البلاد, بالإضافة إلى تحديات النظام العالمي الجد\يد, والذي تمارس أمريكا من خلاله غطرستها وقمعها لحركات التحرر الوطني, و العولمة التي تحاول محو هويات الشعوب ووجودها, تجعل من مواجهة هذه التحديات حجر الأساس في صلب أي تحرك وطني مجتمعي, وضرورة لا يمكن لنضال المرأة أن يغفلها.
من هنا تظهر لنا أهمية ترجمة الأهداف التي وضعتها حركة تحرر المرأة في العالم, على أرض الواقع و وتلمس السبل التي يمكن أن تقودنا لتحقيق هذه الأهداف:
ففي المجال القانوني: تنص اتفاقية سيداو في بنودها الأولى على تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الدساتير الوطنية والتشريعات المناسبة الأخرى.
وهذا المطلب وإن كان متحققا في دستورنا الوطني الذي ينص في جميع مواده على مساواة المرأة بالرجل, وبخاصة في المادة 3: المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات, والمادة 45: تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية . إلا أن القوانين الأخرى تأتي مناقضة لفحوى الدستور وبخاصة قانون الأحوال الشخصية, الذي ينسف مبدأ هذه المساواة من أساسه و بخاصة في المواد التي تحرم المرأة من أهليتها الكاملة باشتراط الولاية عليها وحرمانها من حق الولاية والوصاية حتى على أولادها, و لو كانت قاضية, والقاضي ولي من لا ولي له, ناهيك عن بقية المواد التي تكرس نظاما أبويا بطريركيا, والتي استمدت مضامينها من مفاهيم المجتمع القبلي ما قبل الإسلام, كذلك بعض المواد في قانون العقوبات والجنسية التي تحرم المرأة حقوقها كمواطن متساو مع الرجل أمام القانون كما ينص الدستور. وصحيح أن القانون المدني عندنا يمنح المرأة حقوقا مساوية للرجل في إبرام العقود وإدارة الممتلكات, إلا أن حريتها في الحركة واختيار السكن والإقامة محددة برغبة زوجها, كما ينص قانون الأحوال الشخصية. ولا يضمن القانون للمرأة حتى اليوم حقها الأدنى كمواطن له صحيفته المستقلة في السجل المدني.
لقد غلف قانون الأحوال الشخصية في بلادنا بقدسية, لا يجوز المساس بها بحجة أنها مستمدة من الشريعة الإسلامية, رغم أن ذلك تم بطريقة انتقائية ذكورية, من السهل بمكان إثبات انتقائيتها وانحيازها, فالشريعة الإسلامية ليست العقبة الحقيقية في وجه تعديل القوانين المتعلقة بالمرأة, بل العقلية الذكورية السلفية, وأبرز دليل على ذلك تونس, التي استطاعت تطوير قانون الأحوال الشخصية بما يخدم مصلحة المرأة استنادا إلى الشريعة الإسلامية أيضا.
من ناحية أخرى لابد من السعي إلى تأمين حماية قانونية للمرأة في حال تعرضها للتمييز والعنف من قبل الأفراد والمؤسسات, حيث يتم في كثير من الأحيان تجاوز القانون وحرمان المرأة من الحقوق التي يمنحها إياها, تحت سمع وأنظار المجتمع.
تنص سيداو في مادتها الخامسة على ضرورة تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية, والأعراف والممارسات القائمة, التي تشكل تمييزا ضد المرأة. وفي بلادنا تخضع المرأة وبخاصة في الريف لأعراف وعادات وتقاليد النظام القبلي العشائري, والتي تكون في كثير من الأحيان أقوى من القانون نفسه, بل إنها تغلف بلبوس ديني مختلق, مما يجعل من الصعوبة بمكان مواجهتها ومقاومتها.
محاولة إرساء فهم سليم للأمومة باعتبارها امتيازا اجتماعيا للمرأة من حيث أنها تبذل من وقتها وجهدها وصحتها وعنايتها لإهداء المجتمع فردا جديدا, ومحاربة مفهوم جعلها الوظيفة الوحيدة للمرأة في الحياة, مما يخنق طاقاتها الإبداعية الخلاقة.
المشاركة السياسية: مشاركة متساوية مع الرجل. وقد كانت سورية من أوائل الدول العربية التي منحت المرأة حقوق الترشيح والانتخاب والتصويت, في حين لا تزال المرأة في بعض الدول العربية محرومة من هذه الحقوق. إلا إن مشاركة المرأة في الوظائف والمسؤوليات العامة وتمثيل الشعب على المستوى المحلي والدولي يتم بطريقة نسبية محدودة, لا تتناسب مع عدد النساء ذوات الكفاءة.
النضال في سبيل نيل المرأة حقوقها كاملة داخل الأسرة, ويتضمن ذلك حقها في اختيار الزوج, وعقد زواج منصف, ونفس الحقوق أثناء الزواج وبعد فسخه, مع تمتعها بنفس حقوق الرجل فيما يتعلق بأطفالها, من ولاية وقوامة ووصاية, مع ملاحظة أن تكون مصلحة الأطفال هي الراجحة, وضمان حريتها في تقرير عدد الأطفال والفترة بين إنجاب طفل وآخر, وتمتعها بنفس الحقوق الشخصية للزوج من حيث اختيار اسم الأسرة والمهنة والوظيفة, وتمتعها, عمليا وليس نظريا, بنفس الحقوق في الملكية والإشراف عليها وإدارتها والتصرف بها, على أن يحكم كل هذه الأمور قوانين ناظمة للأسرة, ومحاكم مختصة يرجع إليها ليس فقط بعد فسخ الزواج وإنما أثناءه أيضا, وتحديد سن أدنى للزواج, ومنع تعدد الزوجات, وتسجيل الزواج إلزاميا, مع رفد هذه الإجراءات بالعقوبات الرادعة قانونيا.
حق المرأة في التعليم بتقديم نفس الفرص لها كالرجل تماما, والسعي لخفض معدلات ترك المدرسة, وتطبيق عقوبات على الوالدين الذين لا يلتزمان بإلزامية تعليم أطفالهما, وتطبيق التعليم المختلط, وتصحيح مناهج التعليم بما يتناسب مع فكرة إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة, وتطبيق مناهج تربوية مختصة بصحة الأسرة, بما في ذلك تخطيط الأسرة.
حق المرأة في العمل, ويضمن ذلك حقها في اختيار مهنتها ومكان عملها وإتاحة نفس فرص التوظيف, ومساواة عدد العاملين بالعاملات في كافة القطاعات إن أمكن, وهنا لابد من أن ننوه أن قانون العمل في بلادنا ضمن مساواة في الأجر والضمان الاجتماعي والصحي ( وتشذ عن هذه القاعدة بعض النقابات المهنية ) و تأمين المرأة في فترة الحمل والرضاعة. إلا أن المطالب العالمية والتي تنص على اعتبار الرجل مساويا للمرأة في مسالة رعاية الطفل بعد ولادته, حتى من حيث حقه, أي حق الأب كالأم تماما, في الحصول على إجازة مأجورة لرعاية الطفل الوليد في حال اتفاق الزوجين على ضرورة عمل الأم في تلك الفترة لأسباب خاصة بهما, تعتبر أيضا مطلبا مشروعا, كذلك تأمين مرافق مثالية لرعاية أطفال العاملين, مع تأمين الرعاية الصحية المجانية أثناء الحمل والإرضاع تطبيقا لمفهوم الأمومة كفعل اجتماعي يرفد المجتمع بفرد جديد.

مكافحة الاتجار بالمرأة والدعارة.
العمل الجاد والمخلص في سبيل تكريس مفهوم اعتبار العمل المنزلي في رعاية الأسرة والأطفال من اختصاص المرأة و الرجل معا, يستحق من يقوم به كل الاحترام والتقدير, ولا أبالغ إذا قلت أن هذا البند المغفل من قبل جميع المقررات والاتفاقات الدولية وبخاصة سيداو, يعتبر عصبا أساسيا في قضية تحررها, هي التي باتت تتحمل أعباء العمل داخل المنزل وخارجه, وليس من المبالغة أيضا الإقرار بمشروعية مطالبة الكثير من حركات التحرر في العالم بان يكون هذا العمل مأجورا بصفته عملا يساهم في المنتوج الوطني.

حق المراة في ممارسة جميع الأنشطة الاجتماعية والرياضية, ومجالات الترويح عن النفس.
إيلاء قضية المرأة الريفية في بلادنا اهتماما خاصا, بدراسة خصوصية وضعها, من حيث كونها امرأة عاملة, تعمل طوال النهار في أرض أهلها أو زوجها دون أجر بالإضافة إلى عملها المنزلي المضني بشروط معيشية صعبة ، بل لا إنسانية أحيانا, وحملها وإنجابها العديد من الأطفال دون أي تنظيم للنسل, ودون أن يكون لها الحق في تقرير هذه المسألة, أو حتى مناقشتها. المرأة الريفية في كثير من المناطق هي يد عاملة وآلة لإنجاب المزيد من الأيدي العاملة, دون أن تتمتع بأي حق من الحقوق الإنسانية, حتى حق التصرف بحياتها وروحها وجسدها. عدا عن أنها لا تتلقى قدرا مناسبا من التعليم بحيث لا تدرك في كثير من الحالات الظلم الواقع عليها وتعتبره قدرا لا فكاك منه.
إن خصوصية وضع المرأة في الريف يستدعي وضع برامج خاصة لتوعيتها و تامين حقها في أجور العمل والتعلم والصحة الإنجابية, وتشجيعها على إنشاء التعاونيات ومنحها القروض, وتأمين وضع معيشي مناسب, وأنشطة اجتماعية تشارك بها. ولعل التجارب التي قامت بها الهند وباكستان وبنغلادش, وتخوض الأردن اليوم غمارها, بمنح المرأة الريفية قروضا صغيرة كي تقوم بمشروع منتج صغير في بيتها يؤمن معيشتها ومعيشة أطفالها لمثل يحتذى, نتمنى تعميمه في كافة الدول العربية.
إن تحقيق أهداف تحرر المرأة تتطلب سنوات من العمل الدؤوب المخلص, حيث تكمن البداية في توعية المرأة بنفسها إنسانا كامل الأهلية و توعيتها بحقوقها وإمكاناتها, تصحيح نظرتها إلى نفسها وإلى الرجل, وتوعيتها بأهمية دورها كمربية وأم في غرس الأفكار الصحيحة عن المرأة في أذهان أطفالها ذكورا كانوا أم إناثا, وألا تكون أداة في يد الرجل لممارسة قمعه الذكوري على أطفاله وبخاصة بناته, وكذلك توعية الرجل بأهمية تحرير المرأة من أجل النهوض بالمجتمع ككل, ومحاولة إشراكه في النضال الهادف لنيل المرأة حقوقها.
ومن الأهمية بمكان الحوار مع الآخر سواء كان في موقع المسؤولية, أم كان من الاتجاه السلفي الداعي إلى عودة المرأة إلى أجنحة الحريم, إذ لابد للحوار أن يعطي نتائج إيجابية, مادام هناك المخلصون من كافة الاتجاهات, الذين يحملون صادقين الهم المجتمعي والوطني والإنساني.
إن النضال في سبيل نيل المرأة حقوقها مرتبط ارتباطا صميميا بحركة إحياء المجتمع المدني التي تسعى للنهوض بالمجتمع ككل, فنهوض المجتمع يؤدي إلى النهوض بالمرأة, والعكس صحيح, من حيث كونهما كلا واحدا لا ينفصل. وفي بلد نام كبلدنا لابد من استغلال جميع الطاقات المجتمعية, التي تساهم حتى في اكثر الدول تقدما في رفد مساعي الدولة, الحامل الحقيقي لأي تغيير مجتمعي. من ناحية أخرى لابد من دعم الجهود الحكومية للنهوض بالمرأة في جميع المجالات, والمساهمة في الأبحاث النظرية, والأعمال الميدانية التي ترعاها.
وهنا لابد من التركيز على دور الإعلام الحر المسؤول في نشر الوعي المتعلق بقضية المرأة, كغيرها من القضايا, سواء على صعيد الإعلام المكتوب أم المسموع أم المرئي أم الإلكتروني.

أخيرا لابد لي أن أشير إلى خطوة هامة قامت بهما الحـــكومة الســــورية مؤخرا, ستسهم في دعم قضية المرأة ، وهي رفع سن التعليم الإلزامي حتى نهاية المرحلة الإعدادية, والذي يعتبر في حال تطبيقه بشكل دقيق من أهم الخطوات في مجال تحرر المرأة في السنوات الأخيرة, إذ سيفضي ذلك آليا إلى رفع سن الزواج و ودرجة التعليم لدى الفتيات, ومعروف ما لهذين العاملين من أثر إيجابي على مستقبل المرأة ككل.

إن حركة تحرر المرأة بمجملها حركة تهدف إلى تحرير أفراد المجتمع جميعا, وتفعيل طاقاته كلها, بمواجهة التحديات الصعبة, سعيا نحو مستقبل مشرق, وعالم تسوده العدالة.
 
15/12/2004

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon