يؤلف الأطفال في مجتمعنا العربي الجزء الأكبر منه. وهذا يعني أن أكثر من نصف السكان تقع أعمارهم مي أقل من سن السادسة عشر,وهذا الجزء الضخم من المجتمع ومهما بلغنا في أهميته فلن نكون مبالغين, لأنه الجزء الأكبر من مجتمعنا, ويؤدي تواجد الأطفال في الشوارع إلى فقدان التوجيه المباشر الذي يسهم إلى حد كبير في تشرد الأطفال. يؤلف الأطفال في مجتمعنا العربي الجزء الأكبر منه. وهذا يعني أن أكثر من نصف السكان تقع أعمارهم مي أقل من سن السادسة عشر,وهذا الجزء الضخم من المجتمع ومهما بلغنا في أهميته فلن نكون مبالغين, لأنه الجزء الأكبر من مجتمعنا, ويؤدي تواجد الأطفال في الشوارع إلى فقدان التوجيه المباشر الذي يسهم إلى حد كبير في تشرد الأطفال. إن شغل أوقات الفراغ والترويح عن النفس أمر حيوي لتجديد الطاقة والنشاط, كما أن النشاط الترويحي يمنح النفس والفكر والجسد شيئاً من الراحة التي تهيئ الإنسان لمتابعة العمل الجدي, لذلك فإن هذا الميل إلى الترويح عن النفس ليس عبارة عن ترف, إنما هو حاجة طبيعية يحتاجها التاجر والعامل والطالب والموظف والكبير والصغير.. ويلاحظ المتجولون في شوارع مدننا ظاهرة اجتماعية لها انعكاسات وردود أفعال بعيدة المدى ألا وهي مسألة الفراغ عند الأطفال من جهة وتشغيلهم من جهة أُخرى، وهكذا فإن الشارع أصبح المجال الأوسع المفتوح بعد المنزل والمدرسة أمام الطفل لقضاء ساعات فراغه مما يخلق آثار عميقة تتمثل فيما يلي: 1- فقدان التوجيه المباشر للأطفال... وهي تؤدي إلى أخطاء لا نفطن إليها إلا في مراحل الشباب. 2- عدم انتظام الأطفال في مؤسسات ثقافية ورياضية... مما يقلل فيهم روح التعاون البنّاء في المستقبل. 3- إن تواجد الأطفال في الشوارع... من العوامل المشجعة على تشردهم وانحرافهم في مراحل لاحقة. 4- إن تواجد الأطفال في الشوارع... من أكثر العوامل التي تؤدي إلى حوادث السير. ولما كان الطفل هو فتى الغد ورجل المستقبل وهو اللبنة الأولى في تركيب المجتمع لذا فإن تنمية قواه العقلية وفقاً لمراحل النمو المختلفة وفي ضوء إمكانات المجتمع وحاجاته أمرٌ ضروريّ, كما أنه يجب التركيز على تنمية المدارك ومراقبة السلوك. لقد أعطت المجتمعات المتطورة أهمية كبرى لتربية الأطفال ودورهم الكبير في بناء المجتمع وأولتهم عناية كبيرة, وقد جاء هذا الاهتمام بمردود عال بحيث سار التقدم في تلك المجتمعات بحلقات متصلة وبِخُطىً سريعة وكبيرة, وبالمقابل نجد أن الدول النامية ومنها المجتمع العربي لا يلقى فيها الطفل في أطوار نموه المختلفة العناية الكافية في معظم المؤسسات العامة في المجتمع. ففي الأسرة نجد أن الطفل أسيراً لتربية تحكمها وتحددها ظروف اجتماعية واقتصادية لا تتلاءم ومرحلة التغيير الاجتماعي ولا بد هنا من توجيه الأنظار نحو الظروف الاجتماعية المحيطة بالأطفال في مجتمعنا والتعرف عليها وتحسينها. وهناك أسباب عديدة لتواجد الأطفال في الشارع أهمها: 1- توتر العلاقات الاجتماعية ضمن الأسرة. 2- إسلوب التنشئة. 3- حجم المنزل. 4- الدخل. 5- التعليم. 6- غياب الأب. 7- عمل الأم. 8- حجم الأسرة. إن التفكك لا يمكن إلا وأن يترك أثراً سلبياً, اجتماعيا كان أم نفسياً أو سلوكياً... إن الكثير من الدراسات الإحصائية الميدانية تؤكد تلك الحقائق,فحالات التفكك الأسري والتشتت والحرمان من أحد الأبوين ستمهد لكثير من الأمراض النفسية كالاكتئاب والقلق وحتى بعد تقدم عمر الأطفال وسيظهر ذلك عاجلاً أم آجلاً. و لا بد من التأكيد على غياب الرعاية المتوازنة والجو الأسري الآمن سيترك أثراً سلبياً عند الأطفال مما يعكس خللاً في السلوك والتصرفات ويفسح المجال أمام الكثير من القيم الهدامة الغائبة عن رقابة الأسرة ويفتح الطريق أمام الطفل للانحراف. وتحتاج القيم البناءة والسلوكيات القويمة إلى الجو الأسري الذي يبني الأساس المتين لها. والتشتت الأسري يؤدي بطبيعة الحال إلى: الحرمان من التعليم والعدوانية والتشتت بين الاثنين والتسول والعمل المبكر واستغلال الأطفال فإذا تجولت في تجولت في شوارع مدننا تطالعك وجوهٌ من مختلف الأعمار وأغلبهم من الصغار. منهم من يتوسل ويمد يده ويستجديك لتتحسن عليه ببعض القروش أو الليرات، ومنهم من يحمل بعض السلع الخفيفة كالأمشاط والعلكة والجرائد والولاعات وأكياس النايلون... وهذا نراه يومياً في الأسواق. وهذه وسيلة تسول أخرى لكن بطريقة أشرف قليلاً. وفي ظل التحديث والتطوير القانوني في سوريا والتي تتمثل بالدرجة الأولى في تطوير التشريعات والقوانين لخلق الأرضية المناسبة لهذا التحديث, كان للقوانين التي تمس حياة الإنسان مباشرة الأولوية انطلاقاً أن الإنسان هو غاية الحياة وهو هدف كل تطوير, فكيف إذا كان هذا الإنسان عاملاً منتجاً. لقد صدر القانون رقم(24) بتاريخ 10/12/2000 متضمنا تعديلاً لبعض أحكام قانون العمل رقم (91) لعام 1959 وتعديلاته, وهو القانون المطبق على عمال القطاع الخاص, والقانون يعتبر في غاية الأهمية ولقد نصّت المادة (124) من القانون الجديد على منع تشغيل الأحداث قبل تمام سن الخامسة عشر. كما لا يسمح لهم بالدخول إلى أماكن العمل, ولوزير الشؤون الاجتماعية والعمل أن يمنع تشغيل الأحداث إذا قلت أعمارهم عن 16 سنة في بعض الصناعات التي تحدد بقرار منه. وللوزير أن يمنع تشغيلهم في الصناعات الأخرى ما لم يبلغ سنهم 17 سنة وأضاف التعديل فقرة مع مراعاة أحكام بعض الفقرات أنه يجوز لوزير الشؤون الاجتماعية والعمل بقرار منه تشغيل الأحداث اللذين تتراوح أعمارهم ما بين 13-15 سنة في الأعمال الخفيفة التي لا تضر بصحتهم ونموهم, أما المادة (125) فقضت بألا يجوز تشغيل الأحداث الذين تقل أعمارهم 15 سنة فيما بين الساعة السابعة مساء والسادسة صباحاً ولا يجوز تشغيلهم فعلياً مدة تزيد عن ست ساعات في اليوم الواحد ولا يجوز إبقائهم في مكان العمل أكثر من سبع ساعات متصلة ويجب أن تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر للراحة وتناول الطعام ولا يقل مجموعها عن ساعة وتحدد هذه الفترة أو الفترات بحيث لا يشتغلون أكثر من أربع ساعات متتالية. أما المادة (126) فقد قضت بعدم جواز تشغيل الأحداث اللذين تقل أعمارهم عن 15 سنة في الصناعات والأعمال التي تحدد بقرار من وزير الشؤون الاجتماعية والعمل إلا إذا كان لديهم تذاكر عمل تثبت مقدرتهم الصحية على القيام بها وتصرف هذه التذاكر مجاناً من مكتب الصحة. كذلك حدد القرار الصادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل برقم (923) لعام 2000 سن عمل الأطفال في الجهات التابعة للقطاع العام فلا يجوز تشغيل الأحداث قبل تمام سن الخامسة عشر في أي عملٍ كان ولا يجوز تشغيل من هم دون السادسة عشر متن العمر في الأعمال الإنتاجية. والسؤال الذي يطرح نفسه بعد كل هذا هو: (( من يُلزم أصحاب المعامل في القطاع الخاص بالتقيد بأحكام القانون في ظل الحاجات المادية المتزايدة لمختلف الأسر, ومن يمنعهم من تشغيل الأحداث بأجور زهيدة ولساعات طويلة وماذا عن القطاع الغير منتظم الذي يعمل فيه أعداد هائلة من الأحداث وخصوصاً في فصل الصيف عندما تغلق المدارس أبوابها)) ومن هنا أصبحت الحاجة ملحة إلى تطوير وظيفة المدرسة بحيث تسهم بشغل أوقات الفراغ إلى جانب وظيفتها التربوية, كأن تصبح ساحات المدارس وملاعبها ميدان تجمعاتهم وممارسة هواياتهم تحت إشراف مختصين أثناء الإجازات الطويلة والقصيرة, علماً بأن هذا لا يضيف أعباء مادية تذكر على ميزانية التعليم, ومما يتمم وظيفة المدرسة والمنزل إنشاء نوادٍ للأطفال وساحات شعبية أو متنزهات عامة توفر لهم المتعة والبهجة والفائدة وتبعدهم عن الأذى والتشرد والانحراف أو تشغيلهم بأماكن قذرة كأسواق الخضار أو بين السيارات وعلى الأرصفة. ولا بد هنا من عرض بعض النماذج التي نراها يومياً في أسواقنا والأماكن المتناثرة هنا وهناك: الطفل سعد.... (9) سنوات ونصف: بائع علكة, يستعطف ويستجدي المارة وخاصة البنات بدموعه المزيفة قال: أعمل من أجل الطعام أبي لا يعمل ويأخذ نقودنا التي نحصل عليها أنا وإخوتي الذين يعملون في بيع الخبز والعلكة ويقول أيضاً أنه يحب المدرسة ووالده سيعاقبه عن لم يعمل طوال النهار. الطفل سامر.... (11) سنة: يدخن, وهو لا يحب المدرسة وأمه كانت تقول دائماً( يكمل للسادس فقط ), يعمل في محل لبيع الخضار قال: أنا صحيح لا أحب المدرسة لكني لا أحب هذا العمل لأنني مجبر على ذلك وأسرتي ليست بحاجة لكن حسب رأي والدي لكي أتعود على العمل. الطفل حسن.... (12) سنة: والده متوفى منذ سنتين ومنذ ذلك الوقت لم يذهب إلى المدرسة, والدته دفعته إلى العمل بورشة للنجارة ليتعلم مهنة يهرب من الورشة باستمرار ليدخن ويلتقي أصدقائه. الطفل بسام....(12) سنة: بائع صحف في الكراج يرفض شرح الأسباب التي تجبره على العمل, والده يعمل في المنطقة الصناعية, والده لا يأخذ النقود التي يحصل عليها بسام ولكنه يجمعها في حصالة. الطفل عبد الله....(10) سنوات: يبع الخبز وأخوه فهد يبيع الأمشاط عمره 9 سنوات يقول : والدي متوفى منذ زمن ونحن فقراء ولا أريد أن أرى أمي وأخواتي محتاجين. طفل عمره (13) سنة تقريباً: رفض ذكر اسمه أو عمره لكنه قال: إن عدد أسرتنا كبير أبي كان يعمل في ورشة للحديد بالمنطقة الصناعية لكنه تعرض لإصابة عمل أقعدته في النزل وأمي تعمل في محل لبيع الملابس براتب قليل. وهنا لابد أن نطرح السؤال التالي أيضا ما الذي يجبر هؤلاء الأطفال على أن يجوبوا الشوارع طولاً وعرضاً في حر الصيف وبرد الشتاء يستجدون الناس ويتَّبعون أساليب مختلفة ليروجوا لسلعهم أملاً في الحصول على حفنة من القروش السورية وهل يقف الفقر دائماً وراء عمالة الأطفال, أم أن هناك عوامل اجتماعية لا اقتصادية, كجهل الوالدين بدور التعليم وأهميته بجميع نواحي الحياة وليس لمجرد كونه جسراً لإيجاد فرص عمل في المستقبل.
وبعد هذا الاستطلاع المختصر وللحقيقة نقول: تكمن خطورة هذه الظاهرة وانعكاساتها على الأولاد في نمو بعض العادات السيئة كالسرقة والعنف والإدمان على المخدرات والتدخين والشذوذ كما تؤثر في نموهم الفيزيولوجي والجسدي وتضعف صحتهم وقواهم العقلية, نظراً للأعمال الشاقة التي يقومون بها, فضلاً عن تعرضهم للاستغلال نتيجة تدني أجورهم بشكل كبير, وهذه الأمور تعرضهم لاضطرابات نفسية وسلوكية وتؤثر في توازنهم وتشعرهم بالنقص والعدوانية مقارنة بغيرهم من الأطفال مما ينعكس على موقفهم من المجتمع كونهم يعتبرونه المسئول عما أصابهم من فقر وحرمان. إن تشغيل الأحداث لا يؤدي إلى تحطم مستقبلهم فقط وإنما إلى تدمير مستقبل المجتمع لأن هؤلاء هم الدماء التي يفترض أن تغذي كيانه وتمده بالحيوية والقوة. وتتنامى عند الأطفال الحالة العدوانية في السلوك بسبب انخراطهم في هموم الحياة وهو ما يؤدي بهم أيضا إلى الجنوح. ولجنوحِ الأحداثِ بحثاً طويلاً جداً سأختصرهُ قدرَ المستطاعِ: معنى كلمة حدث لَقَدْ عرفت بتعريفات عديدة ومختلفة كلٌ عرفها من وجهة نظر خاصة.
فمن وجهة النظر الاجتماعية: عَرَّفَ علماء النفس والاجتماع الحدث بأنه الإنسان منذ ولادته وحتى يتم النضج الاجتماعي والنفسي وتتكامل له عناصر الرشد.
ومن وجهة النظر القانونية: عرف علماء القانون الحدث بأنه الإنسان الصغير منذ ولادته وحتى بلوغه السن التي حددها القانون للرشد وهي في القانون العربي السوري ثمانية عشر عاماً وقد قسمها رجال القانون إلى قسمين أولاً: مرحلة انعدام المسؤولية الجزائية وهم من لم يتموا سن السابعة عشر ثانياً: مرحلة المسؤولية الجزائية المخفضة وهو الحدث الذي ارتكب الجنحة بعد أن أتم السابعة عشر من عمره ولم يتم الثامنة عشر.
تعريف الجنوح للجنوح والانحراف معانٍ مختلفة ومتعددة منها: المعنى الأخلاقي: وهو الانحراف عن المعايير الأخلاقية المثلى. المعنى السيكولوجي:ويؤكد على الفروق الفردية التي تصل إلى درجة تجعل الفرد يسلك سلوكاً غريباً يؤثر في إنتاجه وتكيفه الاجتماعي. المعنى القانوني:وهو فعل مخالف للقانون يرتكبه الحدث ويعاقب عليه. ظاهرة جنوح الأحداث تُعد مشكلة إجرام الأحداث من أهم وأعقد المشكلات الاجتماعية التي تواجه جميع أقطار العالم المتقدمة منها والمتأخرة على حد سواء لما فيها من خطر على مستقبلها. والإحصاءات مع أنها قديمة لكنها حقائق تقول: أنه في فرنسا نجد أن الإجرام في نطاق البالغين قد تضاعف ثلاث مرات بين عامي 1830 -1880 في حين أن عدد جرائم الأحداث ازدادت أربع مرات بنفس الفترة وفي عام 1936 بلغ عدد الأحداث المحالين إلى القضاء عشرة آلاف وثمان مائة وسبعة أحداث. وارتفع إلى أربع وأربعون ألفاً وثمان مائة وأربع عشر حدثاً في عام 1967 وقد كان نصيب باريس وحدها 25./. وقد ارتفع حجم الزيادة ما بين عامي 1959-1966 بنسبة100./. مع أن زيادة المواليد في نفس الفترة كانت 23./. فقط. وفي انكلترا ارتفع عددا لجانحين من 15270 حدثاً عام 1938 إلى 66636 عام 1944 وهذه الظاهرة موجودة في الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وغيرها. والإحصاءات تقول أيضاً: أنه يمكن للحدث ارتكاب جميع أنواع الجرائم مثل البالغين ويزيد عن ذلك أنه من الأحداث من يجيد القيام بأفعال لا يقوى عليها كثير من البالغين نظراً لصغر أحجامهم وخفة حركتهم وبعض المزايا الأخرى. وتشهد على ذلك سجلات المحاكم المليئة بحوادث القتل والأذى والسرقات الموصوفة وانتهاك الأعراض وإزالة البكارة والاحتيال. وقد قدّمت إلى محكمة الأحداث في حلب عام 1956 ما يزيد عن 1200 دعوى بحق أحداث وقد ثبت أن هؤلاء قد ارتكبوا 35 نوعاً من الجرائم منها 15 جريمة قتل أو تسبب بالوفاة. خطورة هذه الظاهرة: لهذه الظاهرة خطورة مزدوجة فمن جهة يصبح الأحداث طاقات معطَّلة لا تفيد المجتمع, ومن جهة أخرى يصبحون طاقات معطِّلة: * خطورتها على المجتمع: إن جنوح الأحداث كإجرام الكبار يعود بالضرر المباشر على كيان المجتمع وإذا بدأ الحدث حياته بالإجرام ونشأ واعتاد عليه أصبح من العسير إصلاحه وهو راشد. * خطورتها على الأحداث: بما أن الأحداث هم عماد المستقبل وأمل المجتمع والعمود الفقري للأسرة فإن جنوحهم ضرر على أنفسهم وعلى مجتمعهم فتمتد الخسائر إلى تلك الخامات البشرية وإلى ما يمكن أن يقدموه للمجتمع من طاقة وإنتاج فالخسائر تصيب البدن والعقل والعواطف كما تؤثر على علاقات الألفة والود والسلام بين الناس وتصيب العمل والإنتاج بالفقر والتعطيل والتعويق فيصبحون قوى معطَّلة يعيشون عالة على ذويهم وعلى المجتمع, وبالنتيجة فإن خسائر المجتمع تتمثل في النتائج الضارة للإجرام من جهة ومن تعطل وفقد هذه الطاقات الخلاَّقة المتمثلة بالشباب.
اهتمام العالم بظاهرة الجنوح إن التصاعد المذهل في جنوح الأحداث أقلق العالم بأسره فانكب الأخصائيون في مختلف العلوم القانونية والاجتماعية والنفسية على بحثها من جميع جوانبها. ففي أوربا تشكلت لجنة المسائل الجنائية ودرست جرائم الأحداث في عدد من الدول منها: النمسا _ بلجيكا _ الدانيمارك _ فرنسا _ اليونان _ النرويج _ هولندا _ ألمانيا _ بريطانيا _ السويد _ تركيا... وفي تقريرها عام 1960 الذي أكد أن إجرام الأحداث يرتفع كماً وكيفاً في عشر من الدول السالفة الذكر باستثناء بلجيكا و الدانيمارك, وسنة 1955 كانت قد دعت منظمة الأمم المتحدة إلى أول مؤتمر دولي لمكافحة الجريمة ومعالجة الجانحين ومن أبرز مواد جدول الأعمال "جرائم الأحداث".
أَسْباب الجنوح وعوامله: هناك عدة أسْباب للجنوح منها: 1- أسباب خاصة بشخص الحدث, فقد رأى الباحثون أنَ لشخصية الحدث لها المقام الأول في تحديد شبب الجريمة, فقد لوحظ أن اضطرابات النمو والعاهات والأمراض البدنية والعقلية والنفسية والانحرافات الجنسية كلها قد تكون ذات تأثير على سلوك الحدث وتدفعه إلى الانحراف ويمكن القول أن التكوين الجسمي والعقلي للأبوين قد ينعكس على الطفل حين ولادته, فمدمني المخدرات والسكر والمصابين ببعض الأمراض يؤثر على التكوين الجسمي والنفسي للطفل. 2- أسباب خارجية اجتماعية واقتصادية, فللبيئة تأثيراً واضحاً وكبيراً على السلوك والتصرفات وللعوامل الاقتصادية والاجتماعية أهمية كبيرة وتتفوق على غيرها من الأسباب التي تؤدي إلى الجنوح, فالحدث الجانح مصنوع لا مولود وإجرام الصغار من صنع الكبار والحدث المنحرف ضحية وسط اجتماعي سيئ. 3- الوضع الاقتصادي, قد يكون الفقر حافزاً على النبوغ والامتياز والتفوق وقد يكون حافزاً على الانحراف, إذ أن الفقر يعني: السكن السيئ, وسوء التغذية والعلاج, والجوع والعري, وقد يكون سبباً لتفكك الروابط العائلية, والقلق واليأس, لكن الفقر ليس السبب الرئيسي للانحراف فقد يقدم على الجريمة أناس أغنياء لكن الترف وغياب المراقبة قد يسبب أحياناً شذوذاً وانحرافاً. 4- تفكك الأسرة, من المؤكد أن البيئة العائلية تلعب دوراً هاماً في صنع شخصية الحدث وخاصة في السنوات الأولى من عمره, ويكفي أن يشب الصغير في بيت فيه أحد الأبوين أوكليهما منحرف, أو انحراف أكبر الأبناء والبنات حتى يستعذب الانحراف ويستمر فيه, ومن ناحية أخرى أيضاً إن الإسراف في اللين والتدليل أو الصرامة والقسوة أو التهاون والسلبية وعدم الاكتراث لهم دور في صنع شخصية الحدث. 5- أسباب أخرى للانحراف, ففي إحصاء لمائة سجينا وجد أنَ خمسون منهم عاشوا طفولة مضطربة و واحد وعشرون سجيناً عاشوا فاقدين أحد الوالدين وخمسة فاقدين الوالدين معاً وعشرة وجدوا في أسرة يسودها الشقاق وعشرة في معاهد إصلاحية وأربعة عهد بهم إلى الملاجئ لتربيتهم. 6- الصحبة السيئة, إن اتصال الأحداث مع رفاق السوء قد يوصلهم إلى الانحراف. 7- وسائل الإعلام والتسلية, إن السينما والمسرح والصحافة والكتب والراديو وغيرها إن لم تكن قائمة على أساس سليم فهي قد تساعد على انسياق الأحداث إلى الانحراف وذلك عندما يظهر مقترف الجريمة بمظهر البطل. 8- الفراغ والبطالة والعمل غير المناسب, إن شروط العمل والأشخاص الذين يعملون مع الحدث تكون مصدراً خطراً معنوياً وأخلاقياً, وقد توجه الحدث توجيهاً سيئاً ينتهي بهِ إلى الانحراف, كما أن دور اللهو والحانات وصالات الألعاب والعمل المبكر له التأثير القوي على الأحداث وبؤرة من بؤر الانحراف. إن هذه العوامل والأسباب منفردة ليست كافية بحد ذاتها للانحراف, لكن عندما يجتمع أكثر من سبب واحد تكون العواقب وخيمة, و إن العامل الاقتصادي يتصدر هذه الأسباب مع استعداد الحدث ذاته.
العلاج: يجب مواجهة الظاهرة من زاويتين: قبل وقوع الجريمة بعد وقوع الجريمة ففي الأولى وقاية وفي الثانية إصلاح سبل الوقاية قبل وقوع الجريمة لكي يكون العلاج الوقائي حاسماً يجب أن يتناول المشكلة من جذورها وأعماقها, لا من أعراضها وظواهرها السطحية وذلك عن طريق تضافر الجهود العامة والخاصة بدءاً من الفرد ذاته وانتهاء بالدولة مروراً بالمدرسة والعمل, عملاً بالحكمة القائلة الوقاية خير من العلاج.
والوقاية إما شخصية أو اجتماعية: الوقاية الشخصية وتتم كما يلي: تامين جميع ما يلزم لسلامة الحدث بدنياً وعقلياً وفتح المجال له للحصول على درجة من التعليم النظري والمهني. إنشاء عيادات نفسية لتشخيص الحالات المرضية أو اللا اجتماعية ومعالجتها. تنمية الروح الرياضية والاجتماعية للأطفال. الوقاية الاجتماعية * رفع مستوى الأسرة باعتبارها خلية المجتمع الأساسية. * إنشاء النوادي الرياضية وحدائق الأطفال في الأحياء الشعبية وإنشاء دور الحضانة وتشجيع منظمات الشباب (رياضية ثقافية اجتماعية). * إنشاء مساكن صحية بأسعار ممكنة للفقراء. * سن تشريع خاص يضم سلامة وعمل الأحداث خارج أسرهم. * منع النشرات والمجلات الفاضحة وخلق صحافة للأحداث وإنتاج سينما تلاءم الأطفال. * نشر توعية للأسرة حول مخاطر جنوح الأحداث.
سبل الإصلاح بعد وقوع الجريمة لا بد أن يكون رد الفعل الاجتماعي تجاه الأحداث الجانحين إنسانياً وأن تعتمد السياسة الجزائية على شخص الحدث لا على جرمه وأن لا توقع العقوبة التي تقع على البالغين وهذه المعاملة ليست وليدة الصدفة بل لأسباب عدة: أولاً: لأنهم عدة الأمة وأمل المستقبل. ثانياً: لأن ملكات الإنسان العقلية والفكرية لا تنضج دفعة واحدة. ثالثاً: أن تتلاءم تدابير الإصلاح مع هذا السن لأن الحدث يكون لين وسهل الانقياد بينما البالغ صعب الانقياد. القانون الجزائي والأحداث - القانون الجزائي هو مجموع القواعد القانونية من تحديد الجرائم وما يقابلها من إجراءات وعقاب الجاني وتنظيم الخصومة الجزائية و به جانبين: - الأول: جانب موضوعي ويضم قواعد قانونية تحدد أنماط السلوك الإنساني إيجابية كانت أم سلبية, وتبين الجزاءات, عقوبات أو تدابير احترازية أو إصلاحية ويطلق على هذا الجانب "قانون العقوبات". - الثاني: جانب إجرائي ويضم مجموعة قواعد قانونية تحدد الوسائل الكفيلة للتثبت من وقوع الجريمة ومعرفة مرتكبها وتوقيع الجزاء ثم تنفيذه ويطلق عليه "قانون أصول المحاكمات". أسس المعاملة الجزائية للأحداث الجانحين الهدف الأول والأخير هو إصلاح الحدث وإعادته عنصراً نافعاً للمجتمع. ويقوم نظام الأحداث الجزائي على: إفراد قواعد خاصة تحكم مسؤولية الأحداث الجانحين. أن يتجه التشريع نحو إصلاحهم وتقويمهم. إن تدابر الإصلاح ليست عقوبات. أن تكون إجراءات الملاحقة والتحقيق والمحاكمة والتنفيذ متلائمة وهدف الإصلاح. إفراد محاكم خاصة تنظر في قضايا الأحداث الجانحين. وكما أسلفنا سابقاً أنه هناك تدابير إصلاحية وهي كما يلي: * تسليم الحدث إلى أبويهِ أو كليهما أو وليه الشرعي. * تسليمه إلى أحد أفراد أسرته. * تسليمه إلى مؤسسة أو جمعية مرخصة. * وضعه في معهد خاص بالإصلاح. * وضعه في مراكز الملاحظة. * الحجز في مأوى احترازي. *الحرية المُراقبة. * منع الإقامة. * منع ارتياد المحلات المُفسدة. * المنع من مزاولة عمل ما. * الرعاية. هكذا نجد أنه لا مجال للشك بأن انحراف الصغار هو من صنع الكبار وانطلاقاً من هذا المبدأ وعند النظر في انحراف الأحداث وحجم المسؤولية الجزائية التي رتبها الشارع عليهم لا بد من تعزيز مشاركة المجتمع للحدث مسؤوليته الاجتماعية لأن هذا المجتمع مسؤل عن تأمين المناخ الصحي والرعاية اللازمة لتنشئة الجيل الواعد, ثروة الأمة في غدها المشرق حتى يصبح أبناء هذا الجيل أفراداً صالحين في مجتمعهم لينهضوا بمقدراته نحو التطور والازدهار. وتجاوباً مع التوصيات العالمية والإقليمية ومع قواعد المواثيق الدولية والتي تنادت الدول المتحضرة لإرسائها واعتبارها دساتير دولية تحمي وترعى حقوق وشؤون الأحداث في حاضرهم ومستقبلهم, وإصدار القوانين الأكثر تطوراً أو التي تحمل بين سطورها مواد التفهم الدقيق والحب نحو الأحداث يقيناً منا بأنهم بحاجة إلى الرعاية والإصلاح أكثر من القسوة والتأنيب, وسن المزيد من التشريعات بهدف تأمين الحماية المطلقة لهذه الغرسات الفتية الواعدة. ولأن ما نحسن صنعه اليوم نجده حقيقة مشرقة تضيء لنل المستقبل المنشود. ملاحظة: ألقيت هذا الموضوع كمحاضرة بمقر الهلال الأحمر بمدينة السويداء.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon