هل يمكن للمرأة أن تكون قضية ، أو أزمة أو مشكلة تطرح على طاولة المناقشات، ثم هل يمكن التقصي المعرفي عن حال المرأة السورية ( موضوع دراستنا )، باعتبارها كائناً مستقلا عن المجتمع، وعن التاريخ، وبمعزل عن كونها ذاتاً إنسانية عانت من مواجهة ثقافة من أهم معالمها القهر، ثقافة عمرها مئات بل آلاف السنين، ثقافة تراكمت وترسخت وتجذرت عبر عملية ممتدة ومعقدة، ثم عادت وتمفصلت مع معطيات اجتماعية اقتصادية وسياسية زادتها قوة رسوخاً. إلى درجة تجعل من قمع المرأة سمة تقبع في أعماق اللاوعي الجمعي، مما جعل دفع الإحساس بهذا القمع كمقدمة لمحاربته، إلى ساحة الوعي الخلاق بشمولية وعمق أمراً صعباً وخطراً، إذ يزحزح ذلك في حال حدوثه، ترسخ الثقافة والمنظومة القيمية، والهوية الحضارية السورية بمجملها.
فما مادة هذه الثقافة وماذا أنتجت..؟ إن هذه الثقافة ضاربة في جذورها إلى ما قبل ظهور الأديان السماوية على أرض سورية الطبيعية، ويعود تشكلها إلى بدايات تكوين التجمعات البشرية الحضرية، حيث بدأت تظهر أهمية العنف والقوة في استراتيجيات الهيمنة، وفي سياق تلك العمليات المعقدة ، تبلورت أيضا كل المجريات والتلاعبات والقيم والأعراف والقوانين التي تسلب الأنثى " بحكم ضعفها البيولوجي وجودها الحر، فصارت الأنثى الجهة الأضعف والتي تتعرض للقمع بامتياز وخصوصية. وعندما جاءت الأديان السماوية وآخرها الإسلام الذي لا زال يحتل الساحة السوسيولوجية العظمى في سورية، ويلون بقيمه هوية السوريين. فإنه وإن وعد المرأة بمكانة روحية ( على الأقل) مساوية للرجل، إلا أنه لم يغير من موقعها القانوني أو الشعائري تغييرا ملموسا، وفي الحقيقة إن الإسلام لم يستطع أن يلغي أو يتجاوز وضع المرأةعما كان عليه قبله , بل لقد رسخ شأنه شأن الأديان الأخرى، القيم العميقة السابقة عليه، وأبدها وخلع عليها قدسيته هو أيضاً. ورغم انتشار القيم المؤسسة لحقوق الإنسان في الغرب المتقدم والذي أسس لتحرير حقيقي للمرأة،إلا أن ذلك لم يكن له مثيلا في البلدان المتأثرة بالظاهرة الإسلامية و منها سورية، فإلى اليوم لا زالت شخصية الأنثى السورية، حريتها وكرامتها تعرض للانتهاك اليومي المشرعن، لا يزال كل الرجل السوري يضطهد كل الأنثى السورية، في أخطر انتهاك وتشويه للشخصية السورية،لا تزال أدوار ومواقع الأنثى السورية تراثية الضبط والتحديد, راسخة ومجذرة في الشيفرات الأعرافية، والأمر الأخطر،أن الحيف الذي يحيق بها مدعوم بقوة القانون، ذلك القانون الذي يجعل من المرأة في كثير من الأحيان، ذاتا مستهدفة في حياتها وحريتها . لقد جعلت هذه الانتهاكات المرأة تعاني من ضياع وجودي، ومن حالة تشبه الماسوشيزم الجماعي، الذي يتضح جلياً في عدم مقاومة الأعداد الهائلة من الأنثى السورية، لأي إجراء ينتهك وجودها،بل مقاطعتها وأحيانا معاداتها لأي موقف أو سلوك يهدف تحريرها و الدفاع عن شخصيتها، و تحولها هي نفسها إلى آلة نسخ بيداغوجية ( تربوية )، للقيم والأعراف التي تنسف وجودها، وتغيب استقلاليتها، وتؤبد تبعيتها واضطهادها، وكأنه طاب لها أن تكون تابعا. إن أبرز هذه الانتهاكات يتبدى في وضع الأنثى العام المغيبة عن اتخاذ القرار حتى فيما يتعلق بمصيرها الشخصي... فقدان الثقة العامة بها... حرمان أعداد هائلة من التعليم الثانوي والعالي وأحيانا الابتدائي(بحجة صيانة الشرف) ... الحال المزري للمرأة المطلقة... والمرأة التي لم تستطع الزواج....أو تلك التي تقبع عاجزة بانتظار أن تنقذها الذكورة وتختارها... تعدد الزوجات.. منع المرأة من العمل والخروج إلى الحياة العامة..... قتلها بدافع الشرف، (إذ يلاقي ترحيبا وشرعية ومباركة جماعية مشينة).. والذي يجد ما يبرره قانونا،لدرجة أن العقوبة المرتبطة بهذه الجريمة تكاد توازي عقوبة مخالفة قد لا تتعدى أي جنحة بسيطة، ثم القسر الذي يفرضه المنطق الطائفي والديني على الأنثى، الأمر الذي يزيد من وعورة أزماتها، ويوسع مساحات قهرها( ذلك المنطق الذي يفصل السوريين عن بعضهم في غيتوات نفسية عميقة لها قوة التاريخ الساكن الطويل). ولكن ماذا إن كانت غير قادرة على التجاوب مع كل تلك الضغوط؟.... ماذا إن خانتها ذاتها في القدرة على كبت كل إرادتها ؟ هل ستتمتع بروح التمرد..؟ وكيف..؟، هل ستتمرد متقنعة بخطاب وفعل وسلوك يحظى بالمباركة الجماعية، وهي وفي الحالة هذه قد تعيش ازدواجية خطيرة ،أو فصام في الشخصية، يهددان وحدتها النفسية وكيانها الذاتي، ناهيك عن الرعب الذي سيظل ساكنا فيها، تحسبا لأي اختراق لقناع أمنها،الذي يهدد حياتها ووجودها، أو تتمرد بوعي وعلنية، حتى لو كان هذا النوع من التمرد مطلوبا، إلا أنه سيظل يمثل حالة نادرة ،لأن الأنثى باعتبارها ذاتا إنسانية لا تستطيع إلا أن تدافع عن وجودها الطبيعي، إذ إن أقل ما يصيبها في هذه الحالة، إن لم تنسف حياتها، هو تعرضها للاستبعاد والذل والإرهاب والعنف وتحت غطاء من الشرعية،......... أما ما يقال عن احتلال المرأة السورية لمواقع في القضاء والحكومة، وشغلها لبعض المناصب القيادية في السلطة فلا يشكل إلا محاولات تجميلية، تقدم على أنها دلالات تحديثية ،وتتم على الأغلب بشكل أوتوماتيكي ومعد له سلفا. إن القسر والإكراهات والقيود التي تعاني منها الأنثى السورية، جعلت منها مستلبة في العمق، مقموعة أبشع أنواع القمع، لقد عجزت عن أن تملك نفسها جسدا ومصيرا وإرادة، إنها تعاني من حالة أشبه بالرق، بل إنه فعلا شكل مسكوت عنه من الرق. هل يمكننا بعد ذلك أن ندعي أن معركة تحرير المرأة السورية سهلة، وأنها بدأت منذ أن رفعت بعض الأحزاب شعار تحرير المرأة، أو من خلال بعض التنظيمات الكاريكاتورية النسائية، هل يمكننا إلا أن نفهم أن التحرير الحقيقي لكل الأنثى السورية لن يتم أبدا بمعزل عن تجديد الثقافة، وتغيير التصورات والبنى الذهنية، واستبدال النظام المعرفي القديم بآخر جديد يفرز تشكلا جديدا للشخص البشري. إن إعادة النظر بوضع الانثى السورية، ودراسة المآسي والحالات الكثيرة التي تتعرض فيها حقوقها للانتهاك، وترقية وضعها واحترام إرادتها، والتراجع عن محاولات استرقاقها، ورد الاعتبار إلى ثقلها الشخصي والاجتماعي، هي من صميم عملية بناء الحداثة السورية والديمقراطية، فالحداثة السورية التي نناضل من اجلها، هي في جوهرها تحرير للإنسان من كل القيود، من كل القيم والمحرمات والمقدسات التي تفرض نفسها بمعزل عن الدراسة والنقد، تحرير الإنسان وليس الرجل فقط. إن نظم التربية المتخلفة والموروثة، والنظم التعليمية التي تورث الاجترار والمطابقة النمطية، وكذلك القوانين الجائرة بحق الأنثى السورية، يجب أن تستبدل في إطار عملية التفكيك والتركيب التي يجب أن تطبق على التراثات الدينية في سورية، إن قيم الحداثة هي التي تشكل البديل المناسب والتحريري، نظاما معرفيا وبناء قيميا منسجما ومتماسكا، لا يمكن الإخلال بأي من قيمه، وإلا تعرض البناء كله للبناء والتشويه والهدم المحقق. على الأنثى السورية أن تعي واقعها، وتدرك موقفها وتأخذ قرارها للانخراط في المواجهة الكبرى التي ستحررها، إن حزب الحداثة والديمقراطية لسورية يقف في جهة التحديث والتحرير الحقيقي للمرأة وللإنسان السوري.. لذلك فإن الحزب ينتظر مساهمة الانثى السورية.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon