وقاية الأطفال من سوء المعاملة


 
(التعسف)
كلمة عنف violence مشتقة من الكلمة اللاتينية Violare التي تعنى ينتهك أو يؤذى أو يغتصب. ولا شك أن العنف هو انتهاك ينتج عنه تأثيرات عاطفية إلى جانب الضرر البدني. ولم يتضح من الأبحاث ما إذا كان العنف ينشأ من باعث عدواني داخلي أو أنه سلوك يتعلمه الفرد وعلى كل فمن الواضح أن كل البشر لهم القدرة على العنف.
ويجب أن نتعرف أن العنف يعتبر واحدا من أهم مشاكل الصحة النفسية التي تواجه الأمة.
ويشير تقرير لذلك بأن ضحايا العنف الذين يقدر عددهم بأربعة ملايين كل عام لا ينالون الاهتمام اللازم وعلاوة على ذلك فان زيادة آلامهم وهى الزيادة التي كان من الممكن تجنبها عن طريق جهود المجتمع للوقاية الصحية أصبحت غير واردة.
وهناك كثير من العوامل الاجتماعية أو الطائفية التي تؤثر على العنف مثل تغير الظروف الاجتماعية أو متطلبات الحياة الكثيرة على الناس أو الظروف الاقتصادية أو الانتهاك لآدمية الإنسان في مجتمع ما أو طائفة ما. ومن العوامل التي تؤثر على السلوك العنيف العمل والتعلم ووسائل الإعلام والدين والسكان ووسائل الترفيه في المجتمع. وقد يأخذ العنف ضد الأفراد أو ضد النفس شكل الانتحار أو الهجوم أو الاغتصاب.
كما أن العنف العائلي مسئول عن الإصابات الكبيرة والموت. وقد زادت حالات سوء معاملة الأطفال التي سجلت في الثمانينات وهى حقبة شهدت اهتماما اكبر بالتعسف ضد الزوجات وبداية لتسجيل التعسف ضد كبار السن.
ويمكن للعنف الجسدي أن يظهر هذه الصور الثلاثة معا كجزء من نظام التحكيم في العنف.
إن العوامل التي تميز الأشخاص الذين ينغمسون في أعمال العنف الأسرية تشمل التربية وظروف المعيشة والضغوط المتزايدة وليس هناك بين أعضاء الأسرة من هم محصنين من التعسف والإهمال.
فعناك التعسف ضد الزوج أو ضد الأطفال أو الكبار أو العنف الشديد ضد الأقارب والاخوة أو الأمهات وكلها تحدث.
إن وجود حالات تعسف ضد الأطفال تدل على ضعف وظيفة الأسرة. وان تعسف الوالدين اللذين يدركون مشكلتهما يظهر في أنهما كثيرا ما يرفضان طلب المساعدة وذلك بسبب الوصمة التي ستلحق بهما باعتبارهم متعسفين ضد الأطفال. وكثيرا ما يقع الأطفال ضحايا للتعسف لأنهم صغار ولا حيله لهم في لم الأسرة. وفى كثير من الأسر يقع التعسف على واحد من الأبناء فقد يركز الوالدان على أحد الأبناء بالذات ويدققون على سلوكه وينتقدونه وفى بعض الحالات قد يكون لدى الابن صفات معينة كأن يشبه أحد أفراد الأسرة أو أن يكون معوقا أو يكون مفرط الذكاء ويتمتع ببعض القدرات التي تثير أحد الوالدين.
ويميل الوالدان المتعسفان إلى السيطرة على سلوك أبنائهما والى عدم الشعور باحتياجاتهم. كما أنهما كثيرا ما تكون لديهما توقعات غير واقعية حول تطور قدرات أبنائهما ويتراوح التعسف ضد الابن بين الإيذاء الجسدي العنيف والإهمال السلبي.
إن العنف مثل الضرب أو الكي بالنار أو الركل أو الهز الشديد كثيرا ما ينتج عنه إصابات جسدية. أما الإهمال السلبي فقد ينتج عنه سوء المعاملة ولكنه يشمل التعسف العاطفي كالزعيق أو التقليل من شان الابن أو نقده العاطفي كالتقليل الشديد من مشاعر الابن وقد ينتج عنه أن يشعر الابن بقلة القيمة وعدم التقدير وعدم الاهتمام به وانه لا قيمة له ويتعلم ضحايا التعسف العاطفي أن يخفوا مشاعرهم وذلك لكي يتجنبوا التعرض لمزيد من التعسف. وقد يظهر عليهم رد الفعل بالتأخر الدراسي أو الهروب من المدرسة وبالعداء والعدوانية.
أما الأعراض الجسدية للتعسف العاطفي أو الجنسي أو البدني فقد تشمل النشاط الزائد أو الانزواء أو الإسراف في تناول الطعام أو بعض الأمراض الجلدية أو الشكاوى البدنية أو الغمغمة أو التلعثم في الكلام أو التبول اللا إرادي. ومن المثير أن التبول اللاإرادي يؤدي إلى مزيد من التعسف وهكذا نصل إلى حلقة مفرغة.
وعندما يشكو الطفل من أعراض بدنية ليس لها أصل بدني واضح فلابد أن نأخذ في الاعتبار إمكانية تعرضه للتعسف كجزء من التشخيص وإهمال الطفل قد يكون ماديا أو عاطفيا ويعرف الإهمال المادي على انه عدم تقديم الطعام المناسب والملابس والمسكن والناحية الصحية أو العلاج الطبي اللازم وكثيرا ما يرتبط بالفقر الشديد.
أما الإهمال العاطفي فهو عدم توافر عناصر التربية الأساسية وعدم التقبل وعدم الاهتمام بالتنمية الصحية والعاطفية الشخصية ويؤدى هذا الإهمال إلى التأثير على احترام الشخص لنفسه.
ومن الصعب تقييم الإهمال وتقديره لأنه من الصعب ملاحظته بل وقد لا يلاحظ على الإطلاق. ويشمل التعسف ضد الطفل التعسف الجنسي ويتدرج التعسف الجنسي للطفل من اللمس الغير مرغوب فيه إلى المعاشرة الجنسية. فتتم معظم عمليات التعسف الجنسي ضد الأطفال بواسطة شخص معروف للطفل. وقد بينت الأبحاث أن من خصائص الآباء المتعسفين جنسيا نحو أطفالهم عدم الشعور بالسعادة أو الوحدة أو الجمود ويشترك في هذه الصفات كلا النوعين، وعلى كل فان المشاكل العائلية التي أظهرها الوالدان المتعسفان جنسيا على الأبناء كانت اقل من التي أظهرها الوالدان المتعسفان بدنيا.
وفى الولايات المتحدة يقدر أن 1% من الفتيات قد تعرضن للتعسف الجنسي من الوالد أو زوج الأم.
وهناك اهتمام متزايد بهذه العلاقات الجنسية الخاطئة بسبب القوانين التي تصدر بهذا الشان ولكن في أغلب الأحيان تظل هذه العلاقات الخاطئة سرا عائليا. وهناك أعراض جانبية مؤثرة تصاحب العلاقات الجنسية الخاطئة. فالمراهق الذي يهرب يظهر في الحقيقة سلوكا إيجابيا وصحيا نحو معاملة عائلية عنيفة. ولذلك فان تقييم الحالة لابد أن يشمل الاستفسار عن التعسف الجنسي أو البدني في البيت.
ويقول هوك وكنج (Houck & Ging) 1989 - إن تأثير أي معاملة سيئة للطفل يمكن التقليل منه إذا كان أحد الوالدين ليس عدوانياً أو كان هناك أحد الأقارب يقدم عونا مستقرا ومستمرا ويوفر للطفل الإشباع العاطفي.
يتاح للممرضات اللاتي يعملن في المراكز الصحية الاتصال بكثير من المرضى في مواقف مختلفة بما في ذلك المنازل فهن في مواقع مؤثرة تتيح لهن التدخل في حالات العنف الاجتماعي أو العائلي.

التمريض في المراكز الصحية وتداخله لمنع العنف والتعسف ضد الإنسانية:

1- الوقاية الأولية:
أولا: لمنع العنف والتعسف ضد الإنسانية فلا بد من تدخل المجتمع.
ثانيا: يستطيع المجتمع أن يتخذ موقفا ضد العنف كما لا بد له أن يتأكد من أن العاملين المنتخبين وأن وسائل الإعلام المختلفة يعلمون أن عدم استعمال العنف من الأولويات في هذه البيئة.
ثالثاً: يمكن للأفراد أن يتخذوا الإجراءات التي تقلل من تعرضهم للعنف وذلك بتحسن أحوال الأمن لمنازلهم وتعليم إجراءات الحماية الذاتية. ويمكن لممرضات المراكز الصحية أن يشجعوا الناس على أن يغلقوا نوافذ بيوتهم وأبوابهم وان يقطعوا فروع الأشجار التي تحيط بمنازلهم ويتركوا الأنوار مضاءة أثناء الفترات التي تنتشر فيها الجريمة.

تقييم عوامل الخطر

أنواع السلوك الخطر يشمل ما يلي:

التشخيص الطبي النفسي كالاكتئاب.
أنواع من تعاطى المخدرات.
الحزن بعد فقدان شخص عزيز.
الوحدة أو العزلة.
عدم توفر نظام للمعونة.
التشرد.
التاريخ السابق للحالات العدوانية أو الانتحار.
البطالة المزمنة.
وجود حالات لاستعمال الأسلحة أو لحالات الاعتقال.
تاريخ للهروب
حالات حوادث السيارات نتيجة للإهمال الشخصي.
الشكاوى النفسية والجسمية
الاستراتيجية الفردية والأسرية للوقاية الأساسية:
تقوية الفرد والأسر بحيث يستطيعون مواجهة ضغوط الحياة المتزايدة واحتياجاتها.
تقليل العناصر المدمرة في المجتمع.

دور ممرضات المركز الصحي الاجتماعي في الوقاية الأساسية:
تدعيم أنماط السلوك الصحي والتعرف على حالات التعسف الممكن حدوثها.
لديهم فرص مختلفة لتقوية القدرات الأسرية بل وتقبلها.
يمكن أن تتضمن الزيارات للمنازل أو الفصول الدراسية أو العيادات التي تعلم المهارات الأساسية مثل تغيير ملابس الطفل أو حمله أو مرجحته.
يحتاج الوالدان لتعلم الأساليب المعقولة لتأديب الأطفال وتوجيههم للمحافظة على حد معقول من السلوك دون إلحاق أذى عاطفي أو بدني بالطفل.
تستطيع الممرضات المساعدة على بدء مجموعات المعونة المتبادلة أو بيات العمل كرئيسات أو قائدات لمثل هذه المجموعات.

2- الوقاية الثانوية:
عندما تقع حالات التعسف فان ممرضات المراكز الصحية الاجتماعية يمكنهن اتخاذ الإجراءات المناسبة للتقليل من التعسف أو القضاء عليه.
إن وقوع العنف يمثل أزمة عائلية ولابد من معالجته باستعمال الاستراتيجية الخاصة بمعالجة الأزمات.
ولابد أن يتجه تدخل هيئة التمريض نحو تشجيع المشاركة في مناقشة المشكلة والبحث عن بدائل للتعامل مع التوتر الذي أدى إلى الموقف التعسفي.
لابد من وضع الأشخاص المصابين مؤقتا أو بصفة دائمة في مكان آمن.
بالنسبة للأطفال غالبا ما تكون هناك حاجة لتوفير الحماية والخدمات للطفل لمدة 24 ساعة أو توفير الدادات اللاتي يستطعن العناية بالطفل حتى يمكن الوصول إلى حل للأزمة الفردية أو العائلية.
يمكن استعمال تليفون الطوارئ لتقديم الخدمة العاجلة المؤقتة للعائلات.
قد تحتاج الأسر إلى المشورة حول قيمة الترويح والمرح واللعب مع تقليل التوتر وتوجيه الدوافع العدوانية توجيها صحيحا.

3- الوقاية الثلاثية:
تشمل المبادئ الخاصة بإعطاء العناية اللازمة للعائلات التي تتعرض للعنف ما يلي:
عدم السماح بالعنف
الاحترام والعناية لكل أفراد الأسرة
الأمان له الأولوية المفضلة
الأمانة المطلقة
التحسن
الاستشارة تعتبر من المكونات الهامة للوقاية الثلاثية.

سامية محمد : أستاذ ورئيس قسم صحة المجتمع - المعهد العالي للتمريض - الإسكندرية
 
 21/8/2004 
الحوار المتمدن 

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon