مع إطلاق تقرير "بكين+10".. هل يصبح العمل الأهلي شريكاً شرعياً؟

ربما لم يتقيد النقاش في اللقاء الذي نظمته الهيئة السورية لشؤون الأسرة بإشراك ما هو موجود من جمعيات أهلية وبعض أعضاء مجلس الشعب وجمهور من الناشطات والصحفيين لاطلاق التقرير الحكومي والتقرير الموازي الذي تقدمه الجمعيات ( نوال يازجي عضو سكرتارية رابطة النساء السوريات) لأول مرة في سورية حول ( بكين+10).
لكنه حتما دار حول المرأة السورية واحتضن الكثير من الصخب والمشاعر المتضاربة والأصوات المكبوتة, فمهمة الحوار النقدي حول المرأة ليست سهلة في مجتمعنا مع وجود ثوابت لا يمكن إلا أن نصطدم بها, ومع ذلك لا يمكن القول إن الحوار حول المرأة غائب في مجتمعنا, إنه موجود لكن ليس بمستوى استراتيجية نقد يمكن أن تطورها المرأة مع أنصارها لتأكيد انسانيتها الكاملة ومبدأ مساواتها مع الرجل, ولعل هذه الاستراتيجية تساهم على المستوى الفكري في جعل التفكير والعمل في قضاياها كمرأة ومواطنة متاحا للجميع, ولعل هذا اللقاء بما هو شراكة مع المجتمع الأهلي (اعتمدتها الهيئة السورية للأسرة مبدأ في عملها للنهوض بالأسرة والمرأة) كان بداية لحوار جماعي يؤسس لتلك الاستراتيجية.‏
مناخ بكين +10‏
قدمت الدكتورة منى غانم التقرير الحكومي بعرض للمناخ الذي وجد فيه برنامج عمل بكين فبينت أن السنوات العشر الماضية كانت انتقالا من قرن لآخر, وقد سادها مفهوم القوة الذي يتحكم بالبشر والانتقال الى الاقتصاد السوق الذي يحمل سلبيات, ومنها زيادة الفقر الذي سيستمر بازدياد اذا لم تلازمه سياسات تحد منه, كذلك ظهرت أمراض جديدة ومنها الايدز وأصبح الانسان معرضا لها حتى لو لم يكن سلوكه يسبب العدوى, وبرزت اتجاهات جديدة منها الاهتمام بدور المجتمع الأهلي وتفعيل دور البرلمانات بالمقارنة مع الحكومات, كما أدركت البشرية أنه لن تتحقق التنمية اذا لم تتحقق حقوق الانسان, فكيف ستتحقق هذه الحقوق بسيادة منطق القوة? هذه هي الظروف التي ظهر فيها برنامج عمل بكين.‏
تذكير‏
انطلاقا من أهمية المسائل المتصلة بتحسين وضع المرأة عقدت هيئة الأمم المتحدة أربعة مؤتمرات دولية أساسية بدءاً من عام 1975 في المكسيك كوبنهاغن عام ,1980 نيروبي ,1985 وبجين الصين عام 1995 وقد توج مؤتمر بيجين 1995 ذلك الاهتمام العالمي وتلك الأهمية لدور المرأة في عالمنا المعاصر والتي لا تزال تعاني من الفقر والأمية وسوء التغذية والعنف, ولا تزال بعض المجتمعات تحرمها من حقوقها الأساسية.‏
وقد وضع المؤتمر منهاج عمل قوي لتمكين المرأة وحدد مجالات الاهتمام الحاسمة المتعلقة بالتمييز ضدها من خلال محاوره الاثني عشر شخصا المشكلات الأساسية لها وواضعا الأهداف الاستراتيجية مع تركيزه على اتخاذ تدابير ملموسة من قبل الحكومات والمنظمات غير الحكومية لمعالجتها والاهتمام بها في جميع أنحاء العالم بهدف تحسين حالة جميع النساء دون استثناء, وطبعا الحكومة العربية السورية من أوائل الدول التي التزمت هذا البرنامج.‏
التقرير الحكومي‏
عرضت فيه رئيسة الهيئة السورية للأسرة الكثير من الانجازات التي تحققت لمصلحة المرأة ومنها التقدم الملحوظ في الصحة الانجابية, وتحديث القوانين المتعلقة بالمرأة والطفل وتغيير نظرة الحكومة الى الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وظهور جمعيات جديدة كجمعية مورد للتمكين الاقتصادي للمرأة والصندوق السوري لتنمية الريف -فردوس- والمصادقة على اتفاقية حقوق الطفل وعقد مؤتمر وطني للطفل أيضا ما عمل لمصلحة التنمية المؤسسية ومنها احداث الهيئة السورية لشؤون الأسرة الذي يأتي ضمن السعي لتحقيق الهدف الاستراتيجي الذي جاء من البرنامج الذي يدعو الى استحداث أو تعزيز أجهزة وطنية وهيئات حكومية أخرى.‏
أيضا تخصيص (بالخطة الاستراتيجية التاسعة) جزءا خاصا بالمرأة واستحداث مديرية تمكين المرأة في هيئة تخطيط الدولة والكثير من الانجازات الأخرى التي رأت الدكتورة أنها لاتعني انتقاء التحديات والصعوبات والتي تبرز في أنه لايشفع للمرأة تميزها في عملها أو أي مجال آخر أن تقوم بكل الأعباء والأدوار التقليدية التي ترهقها مع غياب نظام دعم من المجتمع.‏
التقرير الأهلي‏
قدمته السيدة نوال يازجي التي اعتبرت اللقاء برمته نقلة نوعية في تعامل الحكومة مع المجتمع المدني الذي يدرك أهمية الوحدة الوطنية والتفاعل والتعاون بين ما هو حكومي وأهلي للنهوض بالأسرة والمجتمع عموما على أن يكون هناك تكافؤ فرص في الحصول على المعلومات والاحصاءات والبيانات, فالمجتمع الأهلي لايزال شبه أعزل وغير مقونن وبدأت :إن التقرير أعد منذ عام 2001 وحتى اليوم بمشاركة ناشطات في قضية المرأة وخبيرات تكريسا لمبدأ التعاون والتفاعل بين الحكومة والمجتمع الأهلي, وسنشير الى أهم النواقص والتحديات في كل مجال ونقدم الاقتراحات التي نراها مناسبة..وسأعرض هنا لبعض الاقتراحات التي قدمها التقرير: ومنها مثلا في البند الخاص بالمرأة والفقر: تعديل مواد القوانين الناظمة للارث واحداث آليات تمكن النساء من الحصول على نصيبهن منه (كمنع التنازل) واصدار قانون لاقتسام أملاك الأسرة في حالات الطلاق.والتشجيع لاقامة جمعيات تنموية غير حكومية وتخصيص حصة للنساء في جميع فرص العمل المتاحة في الدولة والقطاع العام والخاص لتضييق الفجوة في نسبة البطالة بين الجنسين, مع دعم وتوسيع الوحدات الارشادية للصناعات التقليدية لايجاد فرص عمل أكبر للنساء وتشمل العمال والعاملات الزراعيين بأحكام قانون العمل لضمان حصول العاملات على أجور مناسبة للأعمال التي يقمن بها.‏
وفي بند المرأة والصحة قدم التقرير الملاحظات التالية: لايزال الزواج المبكر ظاهرة شائعة في المجتمع وخاصة في الريف السوري, اضافة الى ارتفاع معدل الخصوبة فيه وارتفاع نسبة الولادات على أيدي الدايات, وما زالت نسبة الولادات المرتفعة متقاربة وكذلك الزواج بين الأقارب واصابات اللايشمانيا ومازالت ظاهرة النحول منتشرة بين أطفال المدن والتضرم بين أطفال البادية ولم تنخفض نسبة التدرن الرئوي 5000 سنويا ويلعب تدني مستوى المعيشة دورا سلبيا في الاستفادة من العناية الصحية.‏
وفي محور المرأة والعنف قال التقرير :إنه نظرا لنقص المعلومات والاحصائيات عندنا عن ظاهرة العنف, فالدراسات والأبحاث حولها نادرة باستثناء بحث ميداني للاتحاد النسائي حول العنف ضد المرأة في سورية, اضافة لعدد من الأبحاث لمختصين في الجامعات السورية ما أدى الى التركيز على العنف القانوني من قبل المنظمات غير الحكومية والتي قامت بالأنشطة منها أن راهبات الراعي الصالح استقبلن المعنفات من كل انحاء سورية, وتنفيذ برنامج مساعدة لنساء سجن دوما وفتح روضة لأطفالهن, اضافة لمساعدة فتيات معهد التربية الاجتماعية, والمبادرة الاجتماعية قدمت عريضة لمجلس الشعب لتعديل مواد الحضانة وعقدت ندوات في دمشق حولها.‏
طبعا تضمن التقرير كما التقرير الحكومي مراجعة للبنود الاثني عشر لكن لا مجال لعرضها جميعا هنا.‏
مداخلات‏
قدم المشاركات والمشاركون الكثير من المداخلات حول المناخ العام الذي أعد فيه التقرير وما أنجز من الخطة الخمسية التاسعة للمرأة, وهنا قدمت رغداء الأحمد نائبة رئيسة الاتحاد العام النسائي مداخلة: أشارت فيها للجهود التي بذلها الاتحاد بهذا المجال مشيرة إلا أنه كمنظمة قدم الكثير من المشاريع والاقتراحات الايجابية وقالت:إن السلطة التنفيذية لم تأخذ باقتراحاتنا.‏
واعتبر معتز دوه جي أن مناقشة التقرير أتت بخجل وضرر على محور المرأة والعنف رغم أهميته.‏
أما الاستاذة حنان نجمة فاعتبرت الفكر الناقد البناء أساس أي تطوير في المؤسسات الحكومية أولا ومؤسسات المجتمع المدني ثانيا وقالت:إن أي انسان يقدم فكرة ناقدة باتجاه التغيير هو مبدع, كما أضافت: إنه لا يمكن أن نتذرع بالفقه لعدم تحقيق حقوق الانسان والمرأة وتونس مثالا.‏
أخيرا, لم يكن هدف هذا اللقاء كما كان واضحا اعلان انتصار طرف على حساب طرف آخر, بل تقوية الحال الحوارية مع المرأة لتجاوز الفجوات في واقعها, وهنا نتساءل هل يمكن لاستمرار الحوار أن يعيد اكتشاف النفحة التغييرية للنص المقدس في الحياة الاجتماعية? وهل يمكن الوصول الى صيغ مشاركة غير محكومة بأفكار مسبقة وإنما احترام حقيقي للنظرات المتعددة حول المرأة? وأثناء كل ذلك أن تبقى المرأة مدركة أن التغيير لن يكون إلا منها فهي أول متضرر.‏

7 /2/ 2005

جريدة الثورة

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon