استبشرنا، و(نا) هنا تعود على جميع النساء والرجال والأطفال والجمعيات والتجمعات النسوية وغير النسوية ممن شاركوا وشاركن في الحملة الوطنية التي أطلقتها رابطة النساء السوريات من أجل تغيير مادة في قانون الجنسية لإعطاء المرأة السورية المتزوجة بغير سوري الحق في منح جنسيتها لأطفالها، أسوة بالرجل كخطوة أولى تفتح الباب أمام تسوية وضع المرأة القانوني، والبدء بتغيير جميع القوانين التي تتضمن تمييزاً في الحقوق بين المرأة والرجل. لم يكن استبشارنا لسذاجة في طبعنا، بل بسبب التجاوب الكبير الذي لقيه هذا المطلب بعد أن عرضت الأسر السورية المعنيّة معاناتها، المترتبة على وجود هذا التمييز في القانون، على شاشات التلفزيون وفي الصحف والجلسات العامة. فقد كان التجاوب حاراً ومؤثراً على كل المستويات الشعبية والإعلامية وعلى مستوى أصحاب القرار في مجلس الشعب والحكومة والقيادات السياسية والفعاليات الثقافية والاجتماعية والدينية على اختلاف انتماءاتها والذي جرى التعبير عنه في مشروع القانون الذي رفعه 35 نائباً ونائبة في مجلس الشعب. ممن يمثلون ويمثلن كل أطياف الوطن ومعتقداته. فما الذي حدث بعد ذلك! فجأة فقدنا أثر مشروع القانون، ولم نعد نعرف أين (علق). وأثار شكوكنا ومخاوفنا تعميم على وسائل الإعلام كافة، لا نعرف الجهة التي أصدرته، بتغييب كل إشارة إلى قانون الجنسية. وبدأنا نسمع عن محاذير لم يعلنها أحد في حينه، تربط القضية بأبعاد أمنيّة وسياسية وطنية وقومية. والسؤال الذي يحق للحركة النسائية والمجتمعية المناضلة من أجل المساواة العامة بين أفراد الشعب الواحد، نساء ورجالاً، هو: لماذا نرى في حصول المرأة على حق يتمتع به الرجل منذ قرون خطراً على المجتمع، ولا نرى في تمتع الرجل به أي خطر! يتزوج الرجل بأجنبية مهما كانت انتماءاتها الوطنية أو المذهبية أو العرقية فيحصل أبناؤهما، آلياً، على الجنسية السورية. الأبناء الذين تربيهم هي، وترضعهم حب وطنها هي، وقيمها هي، دون أن يشكل ذلك أي خطر وطني أو قومي. وتتزوج المرأة رجلاً، غالباً ما يكون عربياً، مسلماً أو مسيحياً، بحسب انتمائها المذهبي فلا يحصل أولادها الذين تربيهم هي، وترضعهم حب وطنها هي، وقيمها هي على الحق الذي يتمتع به أبناء المرأة الأجنبية. كيف يستطيع المشرّع أن يكرّس التمييز في عدد من الحقوق بين المرأة والرجل دون مقاومة تذكر، ولا يستطيع أن يكرّس المساواة في واحد من الحقوق دون مقاومة تذكر! ولماذا، إذن، أطلقت طاقات المرأة السورية في العقود الأخيرة لمشاركة أوسع في حياة البلاد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إذا كنا لا نتحمّل أية تسوية محتملة في وضعها القانوني القائم على التمييز السافر في عدد من قوانين البلاد التي يكرّس دستورها مبدأ المساواة التامة أمام القانون بين جميع أفراد المجتمع، إلاّ إذا كنا لا نحسب النساء بين هؤلاء الأفراد. وخصوصاً أن التسوية المطلوبة هنا بسيطة وخالية من التعقيدات التقليدية التي باتت أيضاً مستهلكة وغير مقنعة مهما تزيت بأزياء، يتخذها البعض ذرائع لتأجيل ما هو حتمي. ولعل الأشد إيلاماً في موضوع التعديل القانوني المنتظر هو أن النساء السوريات المعنيّات بالمشكلة وأسرهن كانوا ينتظرون شهر آذار الحافل بالمناسبات الوطنية والدولية الخاصة بالمرأة، ويتوقعون، كما قالوا في مكالماتهم الهاتفية المتكررة، أن يحمل إليهم آذار بشرى تنسيهم معاناة السنين، وتفتح آفاقاً أخرى أمام أجيال مقبلة من النساء والأطفال، وهاهو ذا آذار يوشك على الرحيل، وعيد الأم يقترب، ولم نسمع أن مشروع القانون قد أدرج على جدول أعمال الدورة الأخيرة لمجلس الشعب، مما يعني أنه مازال في مطبخ ما. الخشية كل الخشية أن تكون ناره واهية تنتزع الأمل المرتقب من قلوب الأمهات اللواتي مازلن بالانتظار. ولا يخفى أن بعضهن قلقات من أن يتم استثناؤهن من التمتع بحق منح جنسيتهن لأولادهن بذريعة يعلم الجميع أنها غير مناسبة. إن من يربط بين حق المرأة في منح جنسيتها لأولادها وبين جنسية الزوج ينسى، أو يتناسى، أن الحق المطلوب هو للمرأة السورية وأولادها وليس للزوج وأولاده. والحق لا يتجزأ ولا يوزع جزافاً، ولا يجوز أن تعطى بعض النساء شهادة مواطنة وتحرم منها أخريات. لم نودع آذار بعد، ومازال بالإمكان تتويج عيد الأم بما يفرحها ويسعدها ويثير الطمأنينة في بيت تشقى يومياً للحفاظ عليه، وفرح البعض سوف يعطي الجميع الأمل بعطاءات آذارية متتالية، وصولاً إلى حقوق متساوية في الأسرة والمجتمع لئلا تضطر النساء يوماً إلى القول: خذوا الأعياد وأعطوني حقوقي.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon