شاهد عيان على حدث في الصباح الباكر: ذبحوها على قارعة الطريق وذنبها أنها تريد حياة كريمة


في يوم من أيام هذا الصيف كان الفجر يلملم أذياله ويفتح ذراعيه مرحبا بالصباح. والشمس لما تزل تفرك عينيها من أثر النوم في غيبتها ولهيب العالم في أعماقها، وآب يعلن عن صرخة مكبوته سكنت القلب الكسير المستسلم إلى قدره، تنتظر بهلع أطبق على كل حواسها شخيب الدم من عنقها الدقيق الذي تأنى الخالق بتكوينه، أربعة رجال كما الأطواد يجتازون كل المحرمات والأخلاق، يطبقون على الجسد الغض الطري، ويروعونه يعصرونه بلا رحمة أو شفقة، ثلة غير قليلة من الناس استهواها المشهد، وقفت تستمتع بمنظر الذبح الراقص والحورية القربان ترتجف تبكي، تصرخ بصمت ولا من مجيب، فضجيج السيارات الذي بدأ يعلو بخجل لم يخفف من هول المشهد، يعلو صدرها ويهبط بطريقة هستيرية، وشارع (الثلاثين) ينتشي بالمارة غير الآبهين، كانوا أربعة وحوش وكانت حملاً وديعا تكالبت عليه الذئاب، ليس ذنبها أنها من (القرباط)، فهي إنسانة، تحس بالألم والجوع والحزن والفرح والحب كما غيرها، ذنبها أنها تزوجت من قريب لها شرعاً من غير إرادة أولياء النعمة ومادي أيديهم كل يوم لأخذ ما جنته من التسول، عار إن هي تزوجت،عار إن هي هربت، وعار أن أحبت، ومصيبة المصائب أن تتوقف عن التسول، كان يجب أن تخرج كل يوم باكراً وتعود مساء دون أن تسأل ماذا فعلت أو أين كانت أو ذهبت، بل ماذا جلبت، لتفعل ما تشاء دون رقيب أو حسيب شرط أن تعود والمحفظة مليئة، أما أن تعيش كباقي النساء فهذا عار ما بعده عار، من أين لها أن تعلم أن امرأة مخادعة ستغرر بها وتستجرها إلى حتفها، وتسلمها إلى جلاديها، أربعة وكل منهم يحمل سكيناً كبيرة تعب كثيراً في شحذها وعلى مرأى القاصي والداني ألقيت الصبية أرضاً وأمسك بيديها اثنان وثالث برقبتها وأخيها يحز رقبتها بسكين كبيرة أمام الجميع وعلى قارعة الطريق وكأنه يتحدى الشرائع والأعراف والقوانين، ذبحت الصبية ذبح النعاج في (الحجر الأسود) بالقرب من (مشحم عامر)، وكل من كان في المكان شاهد عملية الذبح وكأنها استهوته دون أن يتحرك ضمير واحد منهم، مجرد واحد منهم، واحد فقط ويحاول وقف الجريمة ولو بكلمة.
كيف ينجو كل من أقدم على إزهاق روح بمثل هذه الطريقة وهذه الأسباب من القصاص العادل (الإعدام) بحجة أن الجريمة بدافع الشرف، أي شرف يتحلى به مثل هؤلاء وأي كرامة يتباهون بها بإرهاق دم بريئة على قارعة الطريق، كل ذنبها أنها تريد حياة كريمة.

الثورة- العدد رقم 12861- تاريخ 17/11/2005- الصفحة 17
 جريدة "الثورة"

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon