الجحيم في سجن للنساء في الإكوادور

بعد قضائها سنة في أحد سجون الإكوادور بموجب قانون الاحتجاز غير المحدد، تمكنت إحدى النساء من العودة إلى الولايات المتحدة لتروي ما شاهدته وعايشته هناك. والآن، تقوم ناشطة جامعية بفعل ما في وسعها لتحسين هذه الظروف.

تقول ناتانيا نايلور إنها تدرك قوة الإيمان إذ أنه هو الذي مكنها من الخروج من الجحيم الذي كانت به. فقد كان الجحيم بالنسبة لنايلور، وهي راقصة في الـ23 من عمرها من بلدة راهواي في ولاية نيوجيرزي، هو سجن النساء في غواياكيل في الإكوادور حيث أمضت 13 شهرا بتهمة تهريب المخدرات، وهي تهمة تنفيها.

وتقول نايلور إن اكتشافها مجدّدا للإيمان بالرّب والصلات التي كوّنتها مع السجينات الأخريات مكنتها من تحمل التجربة في السجن. تقول: " لم أجد سوى القليل من الناس الذين كان بوسعي أن أثق بهم. وقد أخبرني الرّب بأنني سأعود إلى دياري سالمة. لكنني لم أعرف متى."

ورغم وجود بند في دستور الإكوادور ينص على إطلاق سراح المحتجزين لأكثر من سنة بدون محاكمة، إلا أن الإكوادور قننت في يناير 2003 الحجز غير المحدد قبل المحاكمة للمتهمين بجرائم تتصل بالمخدرات. وقد تم القبض على نايلور وعشيقها، في ذلك الوقت، في شهر يونيو 2003، أي بعد إقرار القانون بستة أشهر. وجاء ذلك بعد أسبوع من وصول الاثنين إلى الإكوادور لقضاء أجازتهما.

وقد اعترف عشيق نايلور السابق، وهو مواطن أمريكي أيضا، بمسؤوليته عن المخدرات التي وجدها مسؤولو المطار في إحدى حقائب نايلور. وبعد مرور عامين على احتجازه، ما زال يقبع في السجن بانتظار صدور الحكم عليه. وتقول نايلور إنها لم تتم محاكمتها أو إصدار حكم عليها من خلال المحكمة، رغم تأجيل البت في قضيتها والظهور غير المثمر في قاعة المحكمة عدة مرات.

وفي إحدى المرات، أخفقت المحكمة في توفير مترجم حيث أن نايلور لا تتحدث الإسبانية، فأجل القاضي النظر في القضية إلى يوم آخر. وفي مرة أخرى، تغيّب المدعي العام. واستمرت الأمور على هذا المنوال إلى أن أخبرها محاميها في أحد الأيام بأن التماسها بإسقاط التهمة عنها والذي تقدمت به عقب القبض عليها تمت الموافقة عليه فجأة.

وقد أشار أحد المسؤولين في مكتب المدّعي العام الفيدرالي في غوايانكيل، وهو المكتب المسؤول عن القضايا الجنائية، إلى أن نايلور تم احتجازها بصورة قانونية وأن قضيتها خضعت للإجراءات القانونية المتبعة في النظام القانوني لالإكوادور.

وقال المسؤول الذي تحدث شرطة عدم كشف هويته إن نايلور استأنفت وأنها كسبت حق الإفراج عنها رغم أن الإجراء استغرق أكثر من سنة.

التأخر في إصدار الأحكام أمر مألوف

وجد تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية حول ممارسات حقوق الإنسان في الإكوادور صدر في فبراير الماضي أنه من المرجح أن يُحتجز السجناء في الإكوادور لمدة قد تصل إلى سنة قبل محاكمتهم أو الإفراج عنهم وأن نصف المحتجزين لم تتم محاكمتهم رسميا على الإطلاق.

وتشير جزان مارينر نائبة رئيس شعبة حقوق الإنسان للأمريكيتين في منظمة مراقبة حقوق الإنسان، ومقرها نيويورك، هي الأخرى إلى أن قضاء فترات طويلة في الحبس دون صدور أحكام بحق المحتجزين أمر شائع في أمريكا اللاتينية.

" الغالبية من السجناء في سجون أمريكا اللاتينية هم محتجزون في فترات ما قبل المحاكمة. وغالبا ما يقضي السجناء فترات أطول في السجن قبل المحاكمة مما يقضونه فيها فعليا بعد صدور الأحكام بحقهم."

والحجز على ذمة التحقيق يمثل مشكلة في الولايات المتحدة أيضا حيث تستطيع إدارة الرئيس بوش حبس الإرهابيين المشتبه بهم دون محاكمة. وأشهر هذه الحالات هي تلك التي تتم في سجن غوانتانمو في كوبا. وبعد صدور قرار غامض للمحكمة العليا في يونيو 2004 ينص على أنه للمساجين الحق في الحصول على ضمانات أكثر لأمنهم، اشتبك الجيش ومحامو المحتجزين في جدل حول ما هي نوعية جلسات الاستماع التي يحق لهؤلاء المحتجزين أن يحظوا بها.

وسجن غواياكيل-- واسمه الرسمي هو السجن الساحلي-- هو أكبر سجن يقع على ساحل الإكوادور الغربي، على مبعدة 167 ميلا ( 270 كيلومترا) جنوب غربي العاصمة كويتو. ويضم سجن الرجال حوالي 1,100 سجين فيما يضم سجن النساء 325 سجينة وحوالي 60 طفلا لا ملاذ آخر لهم. هذا وقد تم تصميم المجمع كله ليتسع لـ600 سجين.

ومعظم السجينات في السجن الساحلي محتجزات بسبب جرائم تتصل بالمخدرات. وتمثل النساء الأجنبيات حوالي 20 في المائة منهن. وهن من بلدان قريبة مثل كولومبيا وبيرو، ومن بلدان بعيدة مثل جنوب أفريقيا وتايلاند. أما عدد السجناء الأمريكيين في أية فترة من الفترات فلا يتجاوز الـ12 سجينا.

الرشاوى للحصول على سرير وعلى الطعام والمحامين

تقول نايلور إن الرشاوى يمكن لها أن توفر لك سريرا في أفضل أجنحة السجن الخاص بالنساء الثلاثة فضلا عن الطعام والملابس والمحامين. أما الذين لا يستطيعون تقديم الرشاوى فيُجبرون على العيش في الجناح 3، وهو جناح قذر ملئ بالصراصير، كما تقول نايلور. وتتكون الوجبات المقدمة للنساء أساسا من الأرز والسردين. وحينما يكون هناك نقص في التمويل والتبرعات، لا يتوفر الطعام للسجناء على الإطلاق.

وتوافق إحدى المسؤولات في نظام سجون الإكوادور على أن الرشاوى أمر شائع. كما أنها أكدّت الوصف السائد عن السجن الساحلي بما في ذلك العدد المرتفع للأطفال الذين يعيشون مع أمهاتهم المحتجزات. وتقول المسؤولة إنه لا يتعيّن على السجناء دفع أية رشاوى بيد أن المسؤولين الفاسدين كثيرا ما يأخذون الرشاوى لمنح السجناء تسهيلات ومستويات مختلفة من المعيشة وفقا لما يدفعونه من مال.

تقول زيومارا ديل فالي مديرة الاتصالات العامة لنظام السجون في الإكوادور: " الظروف في السجن مروعة، إذ توجد جرذان بحجم الأرانب."

ولم تستطع المسؤولة أن تجزم بشيء بخصوص الطعام لكنها قالت إنه رغم وعود الدولة بزيادة الميزانية لإطعام السجناء بـ11 مليون دولار، فإنه لا يتوفر في الوقت الحالي سوى دولار واحد في اليوم لإطعام المساجين كلهم.

وتقول ديل فالي إن مسؤولي السجون الفيدرالية " قلقون للغاية" إزاء الوضع. وتضيف: " إنه وضع صعب ذلك الذي نواجهه. لكن ليس بوسعنا أن نفعل شيئا بسبب نقص الأموال."

وقد عادت كيتلين دنكلي وهي طالبة بالسنة الثالثة في كلية هنتر في جامعة نيويورك متخصصة في الدراسات الحضرية والدراسات الأفريقية واللاتينية للتو من زيارتها الثانية إلى السجن، وبعد أن عايشت عن كثب ظروف السجن أثناء دراستها في الإكوادور في فضل الربيع الماضي.

وقد زارت دنكلي السجن الساحلي لأول مرة مع محامي كان يمثل عدة سجينات.

وبعدما شاهدت المياه القذرة المتوفرة للشرب وانتشار الأمراض الجسدية والعقلية وغياب التربية الجنسية أو برامج لعلاج الإدمان على المخدرات، بدأت تكرّس معظم وقت فراغها للتعرف على السجينات وتحاول الدفاع عن حقوقهن عبر توجيه مناشدات إلى المسؤولين الحكوميين ومنظمات حقوق الإنسان.

وبعدما قدمت زجاجة ويسكي رشوة لأحد الحرّاس، باتت دنكلي وجها معروفا في السجن ولم يعد أحد يمنعها من الدخول متى شاءت.

ومن خلال تبرعات من أناس في الولايات المتحدة، جمعت دنكلي 1,000 دولار نقدا وما قيمته 1,500 من المواد الطبية الأساسية ومواد النظافة. وعادت إلى سجن غوايانكيل في مايو مع مواد للنظافة الشخصية للسجينات اشترتها بما توفر لها من تبرعات، وأجرت مقابلات مع السجينات على أمل تحريك جماعات مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان لصالح السجينات.

وخلال فترة بقائها التي دامت ثلاثة أسابيع، أدارت دنكلي ندوات حول الوقاية من فيروس أتش آى في/الإيدز وحول التربية الجنسية لكل زنزانة في السجن.

تقول دنكلي: " العنف الجنسي مشكلة كبيرة في السجن. فكل الحراس يمارسون الجنس مع السجينات ويتحرشون بهن."

ويمكن للنساء في السجن زيارة عنابر السجناء الرجال لأغراض الجنس لفترات تستمر لثماني ساعات. وتقول دنكلي إنه لا يتم توفير الواقيات الذكرية، كما أنه ليس هناك مواد تعليمية حول الإيدز أو الأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي.

وللسجناء حرية نسبية في الحركة داخل السجن. ويأتي الزوّار والمحامون والباعة المتجولون في كل الأوقات. وكما تقول نايلور ودنكلي، فإن الحراس وبفضل ما يتلقونه من رشاوى لا يمنعون السجناء من التظاهر من أجل لفت الأنظار إلى أوضاعهم.

والإضرابات عن الطعام أمر شائع حيث يقوم السجناء بإخاطة أفواههم للتعبير عن رفضهم للطعام.

وفي 23 يونيو قامت اثنان من السجينات بإخاطة فيهما بسلك أسود غليظ كجزء من حملة احتجاج تلفزيونية بهدف تحسين الأوضاع وإصلاح نظام الأحكام والعقوبات. وكانت هذه تصعيدا لإضراب عن الطعام بدأه مئات المساجين في كافة أرجاء البلاد في 20 يونيو.

وهناك أسلوب آخر للاحتجاج حيث تقوم السجينات بدفن أجسادهن عدا الرأس تحت الأرض. ويُعرف هؤلاء باسم " الأحياء الأموات."

وتقول السجينات إن العيش في ظل هذه الظروف ليس أفضل من الموت.

شاركت ثيريسا برين في إعداد هذا التقرير.

تعمل روبن هيندري في القسم الدولي لوكالة أسوشييتد بريس في مدينة نيويورك. وهي تساهم بانتظام بصفتها كاتبة مستقلة في موقع MSNBC.com. أما ثيريسا برين فهي مراسلة لوُمينز إي نيوز وغيرها من المجلات وتقيم في مكسيكو سيتي.

6/2005
 وُمينز إي نيوز

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon