لفت نظري أحد القضاة الذين قابلتهم, وأنا بصدد إعداد تحقيق حول (العنف ضد المرأة) إلى أن هذه المشكلة التي كثر اللغط حولها عالمياً, لا تشكل ظاهرة تستحق أن ينهض عليها بحث أو تحقيق في سورية. فهي لا تعدو حالة استثنائية, أو طفرات تطفو بين حين وآخر على سطح المجتمع, ولا يصح الارتكاز عليها كقاعدة للبحث والتقصّي. وهذا القاضي المتنور, طرح علي سؤالاً, كان بمثابة الصفعة التي ترد الوعي, قائلاً: أنت مثلاً.. كم مرة ضربك زوجك?.. واستأنف القول: خذي الأمر ببساطة أكثر, في القياس, على أبعد من المستوى الشخصي, وتذكري كم, امرأة على مستوى عائلتك, أو في البناء, أو الحي الذي تقطنين فيه قد تعرضت للضرب من زوجها?.. في حقيقة الأمر, حرضني كلام هذا القاضي, على طرح مزيد من الأسئلة, ولاسيما بعد أن اكتشفت متأخرة أن ذاكرتي لم تختزن ولا حادثة- تكررّت لنساء ضربن من رجالهن, لا على المستوى الشخصي, ولا الأسري, ولا في البناء أو الحي الذي أقطن فيه, ولا حتى في المؤسسة التي أعمل بها, أو القرية التي أنتمي إليها.. ترى.. كيف نفسر إذن تصاعد هذا التيار المحلي الذي يعلو صوته بين حين وآخر إلى مستوى يقرب من الضجيج والصراخ والصخب, الذي ينّد عن فعاليات بعض المنظمات أو الهيئات التي تعنى بشؤون المرأة والأسرة, وقد بدأت تجنح في ندواتها ومحاضراتها, إلى تكريس هذه الحالات الاستثنائية على أنها(قاعدة) تبنى وتؤسس عليها توصيات الندوات والمحاضرات, وفي حال أشمل (المؤتمرات).. وإذا سلمنا جدلاً مع حاملات لواء الدفاع عن المرأة ضد العنف, بوجود هذه الظاهرة في مجتمعنا على السائد والمشاع وخرجنا مع حاملات المشكلات في المسيرات التي تناهض ظاهرة العنف ضد المرأة, وتدعو رسمياً وشعبياً إلى مكافحتها.. ألا يجدر بنا أولاً طرح السؤال: أين الاحصاءات التي تؤكد شيوع هذه الظاهرة في المجتمع السوري?.. بمنتهى الحياد والموضوعية أقول, وبعد مزيد من البحث والتمحيص, في ملفات محاكم الجنايات والشرعية, لرصد مدى شيوع هذه الظاهرة في مجتمعنا, أنا لم أقع على أكثر من بعض الحالات المتناثرة هنا وهناك, والتي لم تتجاوز أصابع يدي.. الأمر الذي حدا بي أخيراً إلى قصد أصحاب الرأي والاختصاص في الشرع والدين, لاستطلاع وجهات نظرهم في هذه الظاهرة والنبش عن جذورها إن وجدت, فلم أقع في نهاية المطاف, إلا على مايكرّم المرأة ويعلو بشأنها, كقول رسول الله (ص) (رفقاً بالقوارير) مشبهاً النساء بها, في إشارة إلى أنهن سريعات الكسر والعطب, ما يستلزم معاملتهن بالرفق واللين, واستطراداً استرسل أحد أصحاب الرأي معلقاً على ماورد قائلاً: حتى الزوجات الناشزات, كان تأديبهن حسب ماورد في القرآن ا لكريم والسنة الشريفة يتدرج تصاعداً من النصح, والأمر بالمعروف إلى الهجران في المضاجع إلى الضرب بالمعنى المجازي المعنوي وليس المادي المبّرح.. على نحو ما اجتمع عليه تفسير الفقهاء.. ولعله من المفارقة بعد ذلك, أن نجد ماعندنا مختلفاً كلياً عما هو سائد في مجتمعات الغرب المتحررة, التي وصلت نسبة ا لنساء المعنفات فيها ( حسب الاحصائيات العالمية) إلى أرقام مخجلة, وفي ذلك ما يتناقض مع بنية هذه المجتمعات وثقافتها المعروفة بمناهضة المرأة, ودعم حركات تحررها في العالم. خلاصة القول. إن حمل ألوية( لا.. للعنف ضد المرأة) لا يصح في مجتمعنا لأنه باعتراف الباحثات المستشرقات, اللواتي قابلت صدفة (إحداهن) وهي تحاور ذات القاضي: هو تيار وافد, وليس متأصلاً ونابعاً من صلب عاداتنا وتقاليدنا وشرعنا وديننا.. والسؤال الذي يجدر طرحه ختاماً.. هل تستحق حالة متناثرة هنا, وأخرى طفت على السطح هناك, عناء فتح( المظلة) من كوكبة النساء المتجمهرات حول هذه الراية وحاملات مشاعل هذا التيار?.. 13/2/2006
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon