الإرهاب التربوي..


خاص: "نساء سورية"

 

"أعدت هذه الدراسة كحلقة بحث في جامعة تشرين، كلية التربية، قسم الإدارة والتخطيط. بإشراف الأستاذ فهد حاتم. للعام الدراسي 2003-2004"

مشكلة البحث :
يتعرض أطفالنا يومياً لعنف بل لإرهاب تربوي بقصد أو بدون قصد، داخل أو خارج المنزل، بالمدرسة أوفي الشارع. والإرهاب التربوي مشكلة اجتماعية كبيرة قد تؤثر على مستقبل الجيل القادم وبالتالي على المجتمع.

أهمية البحث :
تكمن أهمية البحث في طرحه لنقاط هامة من أساليب التعامل مع الطفل والتي قد تكون شديدة التأثير عليه لما فيها من عنف جسدي أو لفظي أو معنوي وهذا ضمن المنزل كبيئة تربوية وضمن المدرسة كبيئة تربوية تعليمية.

الجانـب النظـري:
- تمهيد.
1- العنف التربوي.
2- مفهوم العقوبة التربوية.
3- تعريف الإرهاب التربوي.
4- الإرهاب الأُسروي.
5- العنف ضد الأولاد.
6- التكيف الانفعالي والشخصي للمعلم.
7- الأعراض الباكرة لسوء التكيف.
8- بعض مظاهر سوء التكيف.
9- التربية وسمات المجتمع.
10- آثار ونتائج التربية العنيفة على شخصية الناشئة.
- الخاتمة والرأي الشخصي.

الجانــب الميدانـي :

أهداف البحث:
الإجابة على الأسئلة التالية :
أ- هل يتعرض أطفالنا لإرهاب تربوي ؟
ب- ما هي أنواع العنف التي يتعرض لها أطفالنا ؟
ج- ما هي آثار التربية العنيفة على شخصية الناشئة ؟

فرضيات البحث :
الفرضية الأساسية :
هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين العنف الموجه للذكور أو الإناث
فرضيات البحث :
هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين الذكور والإناث في العنف الجسدي.
هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين الذكور والإناث في العنف الفظي.
هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين الذكور والإناث في العنف المعنوي.

حدود البحث:
الزمان : استغرق البحث مدة زمنية وقدرها شهرين من الفصل الدراسي الأول للعام 2003- 2004
المكان : تم إجراء البحث في مدرسة للتعليم الأساسي الحلقة الثانية وهي مدرسة صقر قريش.

منهج البحث :
وهو منهج وصفي تحليلي.

عينة البحث :
تم تطبيق البحث على عشرين طالب وطالبة من الصف السادس10ذكورو10 إناث.

أداة البحث :
استبيان مؤلف من 15 بند له ثلاث خيارات، موافق، متردد, معارض،وهذه صورة فارغة عنه.

الإرهاب التربويعتاب مصطفى
تسعى السياسات التربوية في أغلب بلدان العالم إلى تجسيد المبدأ الديمقراطي في العمل التربوي وتتبنى النظريات الحديثة في مجال التربية والتعليم ومع ذلك ما زالت مظاهر العنف تجد مكانا لها بين جدران المدرسة والمؤسسات التربوية المختلفة وما زالت وجنات الأطفال تتوهج تحت تأثير الصفعات وأيديهم ترتعش تحت وطأة العصي والمساطر ناهيك عما يتعرضون له من حملات التوبيخ والشتائم وأبجديات القهر والتهديد في إطار المدرسة والمنزل وعلى دروب تحصيلهم العلمي والمعرفي أليس من شأن ذلك كله أن ينعكس بأفدح الخسائر على مستوى نموهم العقلي والروحي والاجتماعي؟

1- العنف التربوي :
مما لا ريب فيه أن العنف التربوي يقود إلى إنتاج الشخصية السلبية التي تعتريها روح الهزيمة والضعف والقصور ويشكل الإطار العام لعملية تشريط تربوي سلبية تبدأ في إطار الأسرة وتنتهي في بأحضان المؤسسات التربوية المختلفة ومن شأن ذلك إعاقة عملية النمو والتكامل والازدهار في الشخصية الإنسانية وتعريض الأطفال والناشئة إلى عملية استلاب شامله تكرس جميع مظاهر القصور والسلبية في الشخصية الإنسانية.

2- مفهوم العقوبة التربوية :
يتميز مفهوم الإرهاب التربوي بالاتساع والشمولية وذلك بالقياس مفهوم العقوبة التربوية وتشير العقوبة التربوية إلى الفعل السلبي الذي يوقعه المربي على الطفل كالضرب والحرمان والتهديد وذلك بهدف منع الطفل من ممارسة فعاله سلوكية أو تربوية محدده ويمكن أن نميز الجوانب التالية في العقوبة التربوية:
1. مصدر العقوبة كالمعلم والمربي.
2. نوع العقوبة كالضرب والحرمان والتهديد.
3. سبب العقوبة كمخالفة الأنظمة والقوانين أو التقصير في أداء الواجبات.
4. غاية العقوبة وقد يتمثل ذلك في إيجاد نوع من السلوك أو نفي لنوع آخر من السلوك
5. أثر العقوبة وقد يتمثل ذلك في الألم الجسدي أو النفسي عند الطفل موضوع العقوبة ويمثل ذلك في العادة فرد أو مجموعة أفراد كالأطفال التلاميذ والطلاب إن ما نعنيه بالإرهاب التربوي يختلف إلى حد كبير عما تعنيه العقوبة التربوية وذلك من حيث الشمولية ودرجة العمق والتأثير.
تشكل العقوبة أحد العناصر الأساسية للتشريط الإرهابي فالإرهاب التربوي يكون عبر فعاليات تربوية سلبية متعددة تشكل المناخ العام لعملية تفريغ واستلاب نفسيين وبهذا المعنى يمكن القول بأن المواقف والخبرات التربوية المؤلمة التي تضرب جذورها عبر الزمان والمكان في تاريخ الفرد تمثل الشروط الموضوعية لما يسمى الإرهاب التربوي.

3- تعريف الإرهاب التربوي :
بناءاً عل ما تقدم يمكن تعريف الإرهاب التربوي بأنه نسف الفعاليات التربوية والخبرات السلبية كالعقوبات الجسدية والاستهزاء والسخرية والتكهم وأحكام التبخيس وغير ذلك من الإحباطات النفسية والمعنوية التي تشكل المناخ العام لحالة من الخوف والتوتر والقلق التي يعانيها المتربون والتي تستمر عبر الزمن وتؤدي إلى نوع من الإعاقة النفسية والفكرية إلى حالة من الاستلاب وعدم القدرة على التكيف والمبادرة وبعبارة أخرى يمكن القول أن الإرهاب التربوي يتحقق عبر سلسلة من الخبرات المؤلمة التي يعانيها الطفل عبر سيرته التربوية في إطار المدرسة والأسرة.

4- الإرهاب الأسروي :
ما زالت أساليب التربية التقليدية تهيمن بشكل واسع في أواسطنا الاجتماعية المختلفة وهي تتباين بالطبع وفقا لتباين الأواسط الاجتماعية ولتباين مستوى الوعي التربوي والثقافي للفئات الاجتماعية المختلفة ويمكن لنا بالملاحظة البسيطة أن ندرك طابع العنف الذي يهيمن على العلاقات القائمة في إطار الأسرة التقليدية وفيما يلي سنحدد بعض الملامح الأساسية للإرهاب التربوي الذي يسود في أجواء الأسرة والتي تنعكس سلباً على تكوين الأطفال الروحي والعقلي.
1. المنازعات الزوجية والخلافات التي تحدث بين الزوجين في إطار الأسرة والتي تأخذ مظاهر متعددة تبدأ بالطرح وتنتهي بالضرب وفي هذا الخصوص تشير الدراسات النفسية إلى أن مثل ذلك يعتبر ؛د الأسباب الرئيسية للأمراض والعقد النفسية التي يعانيها الأطفال.
2. الشجار الذي يحدث بين الأخوة الذين يتبادلون الشتائم والضرب.
3. أساليب التهديد والوعيد التي يمارسها الكبار على الصغار.
4. اعتماد الآباء والأمهات على أسلوب الضرب المباشر للأطفال.
5. الأحكام السلبية المستمرة التي يصدرها الأبوان على الطفل.
6. غالباً ما يقوم الأبوان وذلك من أجل تكوين نمط من السلوك عند الطفل بالاعتماد على قصص خيالية مخيفة للطفل وفي أغلب الأحيان نجد أن رائحة الموت والذبح والحرق بالنار وقطع الأعناق تفوح من هذه القصص التي تمثل في نهاية الأمر نسقاً من معايير الإرهاب والتخويف التي تجعل الطفل في حالة من القلق والتوتر الدائمين ومثل ذلك يؤدي في نهاية الأمر إلى شكل كامل في بنية الطفل الذهنية والعقلية.
(وطفة ، 1997 ، صـ164 ،165 )

5- العنف ضد الأولاد :
هناك ثلاثة أنواع رئيسية للعنف الممارس ضد الأولاد. العنف الجسدي والانتهاك الجنسي والعنف العاطفي أو المعنوي.
بالنسبة للعنف الجسدي فهنالك عوارض لافته ينتبه إليها الخبير في العيادة أو المعلمة في الصف تدل على أن طفل معرض لعنف جسدي منها:
1. دلائل جسديه وشكاوى جسدية متكررة.
2. تشويه أو أذى الذات.
3. تراجع في الأداء المدرسي سببه تشتت الانتباه.
4. عودة إلى سلوكيات طفولية مثل (مص الإصبع-التبول اللإرادي ).
5. اشمئزاز من أشخاص معينين.
6. اضطرابات بنمط النوم.
7. تعلق غير طبيعي ببعض الأشخاص.
8. عقده ذنب مفرطة ونقص الئقة بالنفس.
9. إنزواء أو عدوانية تجاه الآخرين.

أما بالنسبه للانتهاك الجنسي للأطفال فالدلائل متعددة، وإقامة تشخيص نهائي لانتهاك جنسي لطفل معين يتطلب عدة جلسات كشف لدى الاختصاصي في هذا المجال وأهم الدلائل تتلخص بمايلي :
1. تصرفات اغرائية ومعرفة جنسية متطورة تفوق عمر الطفل.
2. ملامح الاعتداء الجنسي تبرز في رسومات الولد (تكرار لرسم الأشخاص مع أعضائهم التناسلية بشكل واضح.
3. اضطرابات في النوم مع حدة كوابيس.
4. إنزواء عن الأصدقاء أو العائلة أو ظهور عدوانية مفاجئة.
5. تراجع في الأداء المدرسي مفاجىء أو تدريجي.
6. فقدان الثقة بالذات وظهور معالم الإحباط والاكتئاب.
7. اعتماد السرية وعدم البوح بما يحدث لة.

إن تأثير العنف الجنسي على الولد عميق جداً وقد يستوجب سنوات من العلاج الدقيق وخاصة في مجتماعتنا الشرقية إذ أن الأمور الجنسية مرتبطة بمفاهيم العيب والعار وغالبا ما تنتاب الولد أو المراهق المنتهك جنسيا مشاعر الذنب الفادح وتضع حاجزاً كتيماً بينه وبين الأشخاص من حوله بشأن هذه الأمور فيرفض التحدث عنها لأن التحدث عنها أمر مؤلم للغاية إنما العلاج ضروري لأن من دونه قد تؤدي خبرات الانتهاك الجنسي خاصة إذا كانت متكررة ومستمرة لفترة طويلة في حياة الطفل أو المراهق إلى عوارض نفسية وسلوكية أهمها الاكتئاب – تعدد الشخصيات -العدائية - الانزواء -الإنحراف الصبياني وانتهاك الأطفال - والسلوك الإجرامي - والسلوك الجنسي المنحرف.

أما العنف العاطفي أو المعنوي:

إن سبب شيوع هذا النوع من العنف بكثرة مرتبط يشكل عام بالمعتقدات التربوية التي لسوء الحظ لا تزال تسود معظم المجتمعات حيث يرى الأهل أن النظام التربوي يكون أفضل إذا تضمن التهديد والإحباط والتجريح الذهني وهذا نتيجة إحباط أو قمع الثقة بالنفس مما يجعل من الإنسان ((معاقاً عاطفياً)) وللعنف العاطفي أشكال عديدة قد نمارس أحدها في حياتنا دون أن نشعر إن هذا عنف وهي :
ا- أبسط الأشكال وأكثرها شيوعاً هو التخلي عن الطفل وإهماله أي عندما يضع الأبوين أو كلاهما شيئاً ما دائماً في الأولوية مما يشعر الطفل وكأنه في المرتبة الثانية وعادة تظهر هذه الظاهرة في مجتمعنا نتيجة انشغال الأبوين بالعمل لتأمين مستلزمات الحياة.
2- الشكل الثاني الذي نستعمله كثيراً هو إلقاء اللوم على الطفل لأمور خارجة عن سيطرتهم فيشعر أنه المسؤول عن كل ما يحدث في العائلة فيؤدي إلى شعور بالغ بالذنب
3- الشكل الثالث هو ((التربية الخاطئة ))ويشمل العقوبات القاسية مثل الإرهاب والحرمان من أمور أساسيه والتهديد للحجز في غرفة مظلمة وتعييره وتعييبه والشق الثاني منها هو اللجوء للابتزاز العاطفي بتهديده بحرمانه من الحب.
4- الشكل الرابع هو إطلاق ألقاب على الطفل بما في ذلك السخرية أو التهجم عليه بالانتقاد اللاذع والمؤلم بمقارنته بإخوته.
5- هو الملاحظ في حالات الطلاق أو انفصال الأهل حيث يقوم أحد الوالدين بتحميل الطفل مشاكله الخاصة أو يتكل عليه للدعم.
6- الشكل السادس ربما الأهم هو عندما نطلب الكمال من أولادنا ونتوقع الأفضل منهم لا نرضى أو نكتفي بما لديهم من قدرات وكفاءات طالبين منهم أن يحققوا أحلامنا التي لم نستطيع تحقيقها.
إن الطفل الذي ينمو وسط أجواء عدم الثقة والتعييب والذي سوف يفقد كل ثقه بقدراته والاهتمام بالحياة ويصل للمراهقة ضائعاً حائراً من دون هوية واضحة وغير قادر على تكوين روابط مع الآخرين (مرهج ، 203 ،204 ،205 ،206 )

6 - التكيف الانفعالي والشخصي للمعلم :

إذا كان لعلم النفس من فأئدة تطبيقية فإن أولى مهامه أن يساعد المعلم في تكيفه الشخصي والمعلم بحاجة ماسة إلى هذه المساعدة وذلك بأن المعلم يواجه طوال يومه بفاعليات ذات صبغة انفعالية من مثل العداء والتحدي وتخريب ممتلكات وإساءة الاستعمال وغير ذلك من الأمور ثم إن أفعال الطلاب وهياجهم يسبب للمعلم توتراً لا بد له من تصريف من خلال العمل والمعلم الذي لا يصرف توتره تصريفاً سوياً يصبح سريع التهييج مضطرباً عاطفياً وسيء التكيف إن المعلم الذي فشل في الوصول إلى وسائل أخرى لتخفيف الضغط عن نفسه ولذلك فإنه يجعل من طلابه أكباش الفداء ويصب عليهم جام غضبه ليخفف عن نفسه

7- الأعراض الباكرة لسوء التكيف :

ما هي علامات الخطر في سلوك المعلم الذي تشير إلى سوء التكيف وعدم النضج العاطفي؟ وكيف يستطيع المراقب أو المعلم نفسه أن يكتشف الأعراض التي تشير إلى حاجته إلى العلاج النفسي ؟ إن هذه الأسئلة هامة جداً وذلك على اعتبار أهمية الوقاية وأفضليتها على العلاج المتأخر لعل النزق وسرعة التهييج هما أهم الأعراض الباكرة التي تتجلى عند المعلم إن سرعة الغضب هي في بعض الأحيان تعبير صريح عن المصاعب الانفعالية الكامنة ومثال ذلك أن المعلم الذي يصرخ من الذي أحدث الضجة ألا تجيبون حسنا سيتأخر الصف بكامله ساعة بعد خروج الطلاب نقول أن مثل هذا المعلم يعبر عن سوء محاكمة وسوء تصرف وعن سوء تكييف كذلك المعلم الذي يتهكم على طلابه ويبالغ في تقريعهم أو يعاقبهم عقوبات غريبة من النوع الذي وصفناه في أنه يعطي دلالات على سوء صحته النفسية وعلى حاجته للعلاج النفسي ثم إن المعلم الذي يندد في صفه بأخطاء زملائه كثيراً ما يعبر عن عدم شعوره بالاطمئنان الذي يعبر عنه بالإساءة إلى زملائه ومثل هذا المعلم كثيراً ما يكون عدواً لكل تجديد وابتكار وينقض رفاقه الذين يتقدمون عليه فهذا السلوك يكون مصحوباً بشعور باليأس مظهره السخرية إن أمثال هذا المعلم لا يتحسنون و يقفون في وجه كل محاولة للتحسين وسوء الصحة النفسية للمعلم قد يتجلى أحياناً في عدم قدرة المعلم على تقبل حجوم الطلاب السوي إن المعلم الذي لا يتحمل الضجة أو المزاح عليه أن يفكر في مهنه غير مهنة التعليم وبصوره أخرى نستطيع أن نقول أن إضاعته ضبط النفس وميل المعلم الشاذ إلى أن يكون هاما علامات على سوء التكييف.

8- بعض مظاهر سوء التكييف :

كثيراً ما تتعدى المشاكل والمصاعب التي يعانيها المعلمون من خلال معاملتهم طلابهم ولقد وجد أحد الباحثين الأمثلة التالية من العقوبات الهمجية وغير العادلة التي يطبقها المعلمون على تلامذتهم:
1- شد الطالب أو الطالبة من شعره.
2- رفس الطالب.
3- قسر الطالب على الاعتذار وهو في حالة الركوع.
4- السخرية من الطالب المتأتأ.
5- استعمال بعض الألقاب المشينة. ( عاقل ،1985 ،صـ612 ،616 ،614 )

9- التربية وسمات المجتمع :

يطبع المجتمع نظامه التربوي بطابعه الخاص فسمات وملامح النظام التربوي ما تعكس إلى حد كبير سمات وملامح المجتمع الذي يحويه إن العلاقة بين النظامين علاقة تتصف بدرجة عالية من التعقيد فالنظام التربوي السائد هو الأداة التي يكرس فيها المجتمع وجوده ويعيد إنتاج تواصله الثقافي والحضاري وعلى خلاف ذلك يؤدي النظام التربوي في مراحل تاريخية معنية وظائف التجديد والإبداع كما يقوم بتمثيل التغيرات الحضارية والقيم الثقافية الجديدة بما ينسجم والتطلعات الاجتماعية نحو النهوض الحضاري لقد لعب نظامنا التربوي أدواراً حضارية متكاملة في ضوء الإنجازات العلمية المتلاحقة والثورات التكنولوجية المتعاقبة ولكن نظاماً تربوياً ما مهما بلغت درجة تطوره وفعاليته لا يستطيع أن يزيل دفعة واحدة جميع القيم التقليدية المعيقة لحركة النمو والحضارة العلمية والغاية من هذه المقدمة تهدف إلى القول إن الكثير من المظاهر التربوية المرضية التي نعانيها في المدرسة هي نتاج لموروث ثقافي وتركة ثقافية متخلفة أملتها ظروف اجتماعية عبر أحقاب تاريخية متعاقبة ولا بد لنا في هذا السياق أن تذكر بعض المحاور الأساسية لتأثير التركة الثقافية المتخلفة في نظامنا التربوي.
1- لا تزال قيم التربية الأبوية تهيمن على كثير من جوانب حياتنا التربوية في إطار الأسرة والمجتمع.
2- تتسم العلاقات الاجتماعية القائمة بكونها أيضا علاقات تركز على نسق من المعابير الكلاسيكية التقليدية.
3- لا يوجد العلم في فراغ وهو في نهاية الأمر ينحدر من وسط اجتماعي أو بيئة اجتماعية تسودها القيم التربوية المغرقة في تخلفها وتقليدها إذ تتغلب القيم التقليدية على هذه التي درسها وتعلمها في إطار المؤسسات التربوية العليا التي أعد فيها.
( نشواني ،1988 ، 594 ).
فيمكن لنا أن نذكر أهم الأسباب التي لا تزال تشكل الصدر الفعلي لممارسة العنف في إطار المؤسسة التربوية.
1- الخبرات التربوية السابقة لبعض القائمين على العملية التربوية سواء أكان ذلك في إطار الأسرة التي ينتمي إليها المعلم أو في إطار المؤسسة التربوية التي تلقى فيها تعليمه بدءًا من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية إن استخدام العنف في المدرسة يبرر لاحقاً للطالب نفسه الذي يصبح معلماً فيما بعد شرعية العنف كقيمة تربوية.
2- النقص في مستوى الإعداد التربوي للمعلمين وعلى الخصوص عند المدرسين الذين لم تتح لهم فرصة الدراسة والتحصيل التربوية في إطار مؤسسة تربوية متخصصة في إعداد وتأهيل المعلمين والمدرسين وما أكثر المدرسين الذين لا توجد لديهم أية أفكار عن النظريات التربوية الحديثة وأساليب التربية.
3- اختزال العملية التربوية في جانبها المعرفي وإهمال الجانب النفسي والتربوي الذي يسعى إلى تحقيقه التكامل والنمو والازدهار في شخص الطالب أو التلميذ.
ذوو الطلاب كمعلميهم يركزون في الدرجة الأولى على مستوى تحصيل الطلاب ولا يوجد هناك اهتمام كبير بالجوانب النفسية الروحية عند الأطفال والناشئة ونحن ندرك ذلك جيدا والكثير من الآباء لا يتوارى عن استخدام أشد أساليب العنف ضد أبناءهم إذ تبين لهم أن ذلك نافع ضمن زيادة مستوى تحصيلهم المدرسي وإن السؤال المحوري المعروف الذي يطرحه الآباء على أبنائهم هل نجحت وكم من الدرجات قد نلت.
هناك إشكالية ذات طابع اجتماعي معروف تتعلق بطبيعة ما هو قائم في الواقع الاجتماعي على مستوى العملية التربوية هناك الكثير من المعلمين الذين حاولوا تطبيق منهج الديمقراطية في العمل التربوي ولكن محاولاتهم هذه قد باءت بالفشل وذلك يعود إلى طبيعة ما هو سائد من اعتياد الطلاب على نمط معروف من العلاقة التربوية وجود نوع من الإكراه المؤسساتي الذي يجعل المعلم نفسه عرضة للسخرية والتهكم حين يحاول تطبيق النظريات الحديثة في أداءه التربوي.

10- آثار ونتائج التربية العنيفة على شخصية الناشئة:

يمكن لنا أن نحدد باختصار أهم النتائج والآثار التي تتركها التربية العنيفة على شخصية الناشئة والجيل بما يلي:
إن الإرهاب يؤدي في نهاية الأمر إلى إنتاج شخصيات إرهابية خائفة تتميز بالعجز والقصور.
يؤدي العنف التربوي إلى تكوين الشخصية السلبية وإلى الإحساس بالضعف وعدم المقدرة على تحمل المسؤولية.
تكوين عقدة الذنب الدائمة.
تعطيل طاقات الفعل والإبداع والابتكار في شخصية الإنسان.
إنتاج الشخصية الإنطوائية.
الشخصية العصابية والانفعالية.
الشخصية المتسلطة.
وقد أثبتت الدراسات الاجتماعية والتربوية إن النجاح والتفوق الدراسي كانا على الدوام من نصيب الأطفال الذين ينتمون إلى أوساط اجتماعية تتميز بهيمنة العلاقات الديمقراطية وبينت هذه الدراسات أيضا أن الإبداع والابتكار مرهونان بدرجة الحرية التي تمنح للأطفال في حركتهم وفي تلبية احتياجاتهم ويكمن جوهر الإنسان في حريته وقدرته على لتفكير النقدي الفاعل وبالتالي فإن التربية المتسلطة من شأنها تفريغ الإنسان من محتواه واستلاب جوهره الإنساني وقتل طاقة التفكير المبدع لديه وحرمانه من هامش الحرية الضروري لتفتح شخصيته الإنسانية.(وطفة، 1997 ،166-168 ).

وأخيراً:
إنه لمن الممكن أن نعلم ونتعلم في أي مرحله من مراحل حياتنا ولكن ما هو متعذر أن يفيد تربية أنفسنا والآخرين بعد فوات الآوان إن التربية هي عمليه تفاعل دائمة بين الفرد والبيئة التي يعيش فيها وتتم صياغة الإنسان وفقا لجملة المؤشرات والخبرات التي يعيشها في إطار بيئته الاجتماعية بالتالي فإن نموه وازدهاره مرهونان في نهاية الأمر بمدى ماتتيحه له هذه البيئة في نهاية الأمر تشكل التربة التي ينمو فيها ويترعرع الإنسان فإن الحرية والحنان بمنزلة الشمس والدفء الذي يحيط بالشجرة وإن الإكراه والتسلط في العمل التربوي ما هو إلا كالصقيع بالنسبة لأزهار الشجرة إن التربية الديمقراطية تتيح للطفل المناخ الأفضل للنمو والازدهار وعلى خلاف ذلك فإن العنف من شانه أن يحقق عملية استلاب شامله للإنسان.
ماتريد نيله بالإرهاب، يسهل عليك نيله بالابتسام

المراجع
وطفة علي : ك الإرهاب التربوي ، مجلة العربي ، العدد 460 ، آذار ، 1985 م.
د.عاقل فاخر: ك علم النفس التربوي ، ط10 ، دار العلم للملايين ، بيروت ، عام 1985 م.
نشواني عبد المجيد : ك علم النفس التربوي ، ط2 ، دار الفرقان ، الأردن ، 1988م.
مرهج ريتا : ك أولادنا ، ط1 ، أكاديمية ، بلا دار نشر ، لبنان ، 2001م.

8/2005
 

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon