بدا أن كاساندرا فلويد كانت تستمتع بجميع مقومات الحياة الناجحة.
فقد كانت أخصائية أمراض نساء وولادة في مستشفى كايزر بيرماننتي في مدينة سان خوزيه في كاليفورنيا، وأما لابنة جميلة. كما أنها تخرجت بمرتبة الشرف من جامعة كاليفورنيا في بيركلي ومن كلية الطب في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو.
لكن، وفي عام 2001، حدث أمر صدم جميع من يعرفونها: لقد قام زوجها السابق الذي كان يعمل في قسم مبيعات الإعلان في إحدى محطات الإذاعة بإطلاق النار عليها وأرداها قتيلة فيما كانت ابنتهما البالغة من العمر أربع سنوات نائمة بالقرب منها. ثم أطلق النار على نفسه فيما بعد.
ويقول المدافعون عن المرأة إن مقتل فلويد دليل مروع عن الجانب الخفي للعنف المنزلي-- حتى بالنسبة لمن يعملون في قطاع الصحة ولديهم إمكانية الوصول إلى المساعدة الطبية.
ووفقا لصندوق الأسرة للحد من العنف المنزلي، فإن 37 في المائة من النساء اللواتي سعين للحصول على علاج لإصابات ذات صلة بالعنف المنزلي في غرف الطوارئ عام 1994، تعرضن للإصابة على يد زوج حالي أو سابق أو عشيق/عشيقة سابق/سابقة. وينفق نظام الرعاية الصحية الأمريكي 4.1 بليون دولار سنويا على العناية الطبية المباشرة وعلى خدمات الصحة النفسية للمرضى الذين يعانون من العنف المنزلي، وفقا لدراسة نشرتها مجلة أركايفز أوف فاميلي ميديسين عام 2000.
وقد قامت شركة كايزر بيرماننتي رب عمل فلويد السابق، وهي شركة قومية لإدارة الخدمات الصحية مقرها أوكلاند بإخراج المشكلة إلى العلن من خلال برنامج شامل فريد من نوعه للعاملين والمرضى.
فقد أطلقت كايزر بيرماننتي لشمالي كاليفورنيا برنامجا تجريبيا عام 1998، وتم توسيع البرنامج عام 2000 ليشمل 35 مركزا طبيا في المنطقة. ومنذ ذلك الحين زادت معدلات تشخيص حالات العنف المنزلي بين المرضي بثلاثة أضعاف.
وهذا البرنامج الذي يحظى بالتقدير قوميا فريد من نوعه لأنه ينقل تشخيص حالات العنف إلى ما وراء خدمات غرف الطوارئ، ويقوم بوصل من يعانون من العنف المنزلي بشبكة موارد وعلى نحو سريع، داخل إطار خدمة الرعاية الصحية وداخل الإطار المجتمعي على حد سواء. وقد حاز البرنامج على العديد من الجوائز، بما فيها جوائز من مجموعات مكافحة العنف المنزلي والجمعية الأمريكية لخطط الرعاية الصحية، وهي منظمة تضم في عضويتها الشركات المزودة لخدمات التأمين.
وثمة خطط لتوسيع البرنامج على نطاق قومي.
قفزة في معدلات تشخيص حالات العنف المنزلي
ومن خلال هذا البرنامج، يتم فحص المرضى في غرف الفحص بدلا من غرف الطوارئ كما في السابق. وبلغ عدد المرضى الذين تم تشخيصهم عام 2000 في وحدات الرعاية الأساسية ( وحدات أمراض النساء والولادة ووحدات الطب العائلي) الذين عانوا من العنف المنزلي 110 مريضا. وقد قفز هذا المعدل إلى 883 مريضا عام 2003. أما عدد المرضى الذين تم فحصهم في مرافق تابعة لشركة كايزر بيرماننتي والذين كانوا يعانون من العنف المنزلي فقد بلغ 761 مريضا عام 2000. وقفز هذا المعدل إلى 2,575 عام 2003.
" إننا نتعرف إلى الحالة قبل أن يأتي المريض إلى المستشفى وهو يعاني من كسر في العظام أو من كدمة"، كما تقول د. بريجيد مكاو، الرئيسة الإكلينيكية لفريق وقف العنف المنزلي في كايزر بيرماننتي لشمالي كاليفورنيا.
وأحد المعالم الرئيسية في البرنامج هو تدريب الأخصائيين الإكلينيكيين على طرح أسئلة على المريض حول حياته المنزلية أثناء الفحوص الروتينية. وقد يقود سؤال عابر مثل " كيف تسير الأمور في البيت؟" إلى نقاش مفتوح.
آلام في الصدر وخفقان في القلب
وتتذكر مكاو أنها رأت مريضة في قسم الطوارئ تعاني من آلام في الصدر وخفقان في القلب. وتقول: " لقد كانت امرأة شابة في حالة صحية جيدة ولم يبدو أنها تعاني من أعراض مشكلات القلب، فسألتها عن كيف تسير الأمور في البيت فأجابت ’ الأطفال لا يحبون حقيقة أنني وزوجي نتشاجر.‘"
وقالت المرأة إن زوجها كان يصفها بـ"الخنزيرة" و"القذرة" وأنه كان يشجع الأطفال على مناداة أمهم بهذه الأسماء.
وتقول مكاو: " إنه لم يقم بتهديدها أو ضربها، لكنه هدّد بالانتحار إن هي هجرته."
وشاركت المرأة في جلسات علاج جماعية في برنامج لكايزر بيرماننتي خاص بالعنف بين الشركاء الحميمين، " وبدأت تفكر في هذه المسائل"، كما تقول مكاو.
وغالبا ما تظهر على أولئك الداخلين في علاقة عدوانية علامات فيزيولوجية للتوتر مثل الصداع والقلق والاكتئاب وآلام مزمنة في المعدة. ومن بين الأعراض الأخرى للعنف المنزلي عدم القيام بتطعيم الأطفال في المواعيد المحدّدة أو التخلف عن مواعيد أخرى. وتعاني النساء اللواتي يتعرضن للعنف من المنزلي من أمراض عصبية ونسائية متصلة بالتوتر بنسبة أعلى بـ60 في المائة من نظيراتهن اللواتي لم يتعرضن قط للاعتداء، وفقا لكايزر بيرماننتي.
تقول ريبيكا وايتمان كبيرة محللي الصحة لصندوق الأسرة للحد من العنف المنزلي في سان فرانسيسكو: " كل الأعراض التي تراها بريجيد متصلة ببعضها البعض. الأمر الرائع في ما تقوم به كايزر هم أنهم ينظرون إلى طائفة عريضة من المرضى وليس فقط للحوامل أو المراهقات. إنهم متواجدون في المكان الذي نتمنى وجود معظم الناس فيه."
الكونغرس ينظر في تطوير فحوص العنف المنزلي
ينظر الكونغرس الآن في تطوير فحوص العنف المنزلي في مراكز الرعاية الصحية كجزء من قانون 2005 لمقاومة العنف ضد النساء، وهو ما سيؤدي إلى تجديد التفويض للقانون الريادي الذي يوفر التمويل لخدمات الاستجابة القضائية والجنائية للعنف. ومشروع القانون الذي يحظى بدعم الحزبين، تم تقديمه في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي وسيتم تقديمه في مجلس النواب اليوم، الاثنين. ويشمل مشروع القانون التمويل لتدريب وتعليم أخصائي الخدمات الصحية في كيفية فحص واكتشاف حالات العنف المنزلي في مرضاهم. وسيمول مشروع القانون أيضا الشراكة بين مزودي الخدمات الصحية والمجموعات الأهلية مثل تلك التي تقوم على الملاذات الآمنة ومراكز أزمات الاغتصاب.
ويُقدر عدد النساء الأمريكيات اللواتي يعشن في علاقات عدوانية بين 5 في المائة إلى 14 في المائة، وتتعرض واحدة من كل ثلاثة نساء أمريكيات للاعتداء على يد شريك حميم في مرحلة ما من حياتها، وفقا لصندوق الأسرة للحد من العنف المنزلي.
تقول مكاو: " لدينا ثقافة لا تبحث في قضايا العنف من قبل شريك حميم. فمشاعر العار تحول بين الناس ومعالجة الموضوع بشكل مفتوح. ويتطلب الأمر أن يقوم شخص ما بالسؤال عن المشكلة بطريقة تنم عن الحنان."
ويتطلب الأمر كذلك شبكة من الخدمات يمكن لمن يعيشون أوضاعا عدوانية الوصول إليها بسهولة ويسر، كما تقول مكاو. إن كايزر في وضع أفضل من معظم مزودي خدمات الرعاية الصحية الآخرين لأن برنامجها خطة رعاية صحية ومركز طبي وصيدلية ومركز لخدمات المرضى الخارجيين في مكان واحد. وليس المرضى بحاجة للانتظار للحصول على موافقة شركة التأمين لزيارة أخصائي أمراض نفسية، على سبيل المثال. إضافة إلى ذلك، كوّنت كايزر علاقات شراكة مع الجماعات الأهلية لمقاومة العنف المنزلي، كما أنها تحيل المرضى إلى الملاذات الآمنة وبنوك الغذاء.
تدريب العاملين على التعرف على حالات العنف المنزلي
وقد اتخذت شركات أخرى للرعاية الصحية مثل شركة "بلو شيلد أوف كاليفورنيا" و" هيلث إنشورانس بلان لنيويورك الكبرى" خطوات هي الأخرى على صعيد معالجة العنف على يد شريك حميم. وتعقد بلو شيلد دورات تدريبية للموظفين في كاليفورنيا للتعرف على حالات العنف المنزلي والمساعدة فيها. كما أنها توفر دورات تعليمية لموظفيها. وكانت شركة "ليز كليربورن" هي السبّاقة في مجال تدريب موظفيها على مكافحة العنف المنزلي في دورات تُعقد في مقار العمل، وهي تقدم التدريب الآن للعامة وللشركات الأخرى.
في هذه الأثناء، تعمل كايزر مع الأقسام التابعة لها الخاصة بتطوير الموارد البشرية لتحسين آليات التعرف على العنف المنزلي على يد شريك حميم بين موظفيها.
وهناك معرض جوال باسم " شاهد عيان صامت"، يلقي الأضواء على قصص موظفي شركة كايزر بيرماننتي الناجين من العنف المنزلي. ويعرض المعرض كلمات مكتوبة على خلفية سوداء داكنة. ويتنقل المعرض عبر مرافق شركة كايزر وفي محلات ميسي الراقية في شمالي كاليفورنيا.
إحدى النساء التي أشركت الآخرين في قصتها، كتبت تقول إن القليل فحسب هم الذين عرفوا الحقيقة عن وضعها الزوجي " فقد كانت هناك أسلحة نارية، وكنت أخاف على حياتي. لقد أصبحت مريضة أثناء زواجي وكنت أعاني من أرق دائم ومن التعرق ليلا ومن الاضطرابات وتطورت لدي أعراض داء الذئبة."
وكان طبيبها قد سألها عن كيفية سير الأمور في البيت، قائلا: " أنا قلق من إنه إن لم يقتلك زوجك، فإن التوتر هو الذي سيقتلك."
وتضيف هذه المرأة: " لم أترك زوجي في ذلك اليوم، لكن كلمات الطبيب كانت من العوامل الرئيسية التي دفعتني للرحيل. وقد عادت صحتي إلى حالتها الطبيعية بالكامل منذ ذلك الحين."
وهذه المرأة أخصائية نفسانية تبلغ من العمر 42 عاما وتعمل في شركة كايزر.
تقول مكاو: " يبيّن العرض أهمية العزيمة، فهؤلاء أناس في علاقات مزعجة وتبعث على القلق لكنهم يحصلون على المساعدة."
ريبيكا فيسيلي هي مراسلة شؤون الرعاية الصحية في صحيفة أوكلاند تريبيون.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon