بعد أربع سنوات على خروج زوجها من الشقة التي يملكانها في بودابست، ظلت أيه تي ( التي لا ترغب في الكشف عن هويتها) تتعرض لإساءة المعاملة الجسدية والنفسية على يديه. وفي إحدى المرات، اعتدى عليها بالضرب المبرح لدرجة أنها بقيت في المستشفى لأسبوع لمعاناتها من إصابة بالكلى. ولم يكن بوسعها التقدم بطلب لحمايتها أو بفرض قيد على زوجها يمنعه من الاقتراب منها إذ أنه لا وجود لذلك في القانون المجري. فالمجر ليس لها قانون محدّد لمكافحة العنف المنزلي، ولذا تم الحكم على زوجها السابق بالاعتداء والضرب بدلا من ذلك. وحينما حُكم عليه في نهاية المطاف بالتسبب لها في ضرر جسدي جسيم-- بعد ما استمرت المداولات الجنائية لأكثر من ثلاث سنوات-- تم تغريمه مبلغا يعادل 365 دولار. في هذه الأثناء، قامت أيه تي بتغيير أقفال الشقة. غير أن الشرطة أمرتها بالتوقف عن إعاقة وصول زوجها إلى ممتلكاته. وبدأت أيه تي في رفع قضية مدنية للتأكيد على حقها الحصري في استعمال الشقة ولتقسيم ممتلكاتهما المشتركة بينهما. لكن رغم وجود 10 تقارير طبية تؤكد على تعرضها لإساءة المعاملة، قرّر القضاة بأنه من غير الممكن تقييد حق زوجها السابق في الملكية المشتركة بينهما. وقرّرت أيه تي عندئذ أن تتخذ خطوة غير مألوفة. واستفادت من إجراء جديد نسبيا للتقدم بالشكاوى، ورفعت شكوى ضد الحكومة المجرية إلى إحدى لجان الأمم المتحدة في نيويورك، وهي اللجنة المكلفة بمراقبة مدى امتثال البلدان المختلفة لاتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء. وكانت المجر قد وقعت على الاتفاقية، التي تُعرف باسم سيداو، عام 1980. وبالتوقيع على الاتفاقية، ألزمت الحكومة المجرية نفسها بالقضاء على أي نوع من التمييز يحرم النساء من التمتع بحقوقهن كاملة في كل مجالات الحياة، بما فيها الحرية من العنف المنزلي. وفي شهر يناير الماضي، وبعد مراجعتها للوثائق المقدّمة من المرأة المجرية والحكومة المجرية، قرّرت لجنة سيداو أن الحكومة قد انتهكت حقوق أيه تي لعدم حمايتها من زوجها السابق، ثم لإخفاقها في ضمان حقها القانوني ضده، وأنها أخفقت في الامتثال لواجباتها بمقتضى اتفاقية سيداو. وطالبت اللجنة الحكومة المجرية بأن تتخذ على الفور إجراءات لحماية أيه تي وأطفالها وأن تطبق وتنفذ القوانين والبرامج اللازمة لمواجهة العنف المنزلي والقضاء عليه. وتمت إحاطة وزارة الشباب والأسرة والقضايا الاجتماعية والفرص المتساوية في المجر بهذه الاستنتاجات من خلال البعثة المجرية الدائمة في الأمم المتحدة في نيويورك. وتتذكر أيه تي بالقول: " لقد شعرت بأن هذا يقويني وأنني لم أكن وحيدة في معركتي وأن الأمم المتحدة انتصرت لمطلبي في العدالة." بعد ستة أشهر لم يتغير سوى القليل مرّت ستة أشهر منذ أن تقدمت سيداو بتوصياتها إلى المجر. إلا أن الوضع الشخصي لـ أيه تي، كما تقول هي، ظل على ما هو عليه. فهي ما زالت تعيش في نفس الشقة. وقد توقف زوجها عن التحرش بها فقط بعدما طلبت من صديق لها أن يكون حارسها الشخصي. وفي هذه الأثناء يظل المشهد السياسي في البلاد دون تغيير يُذكر. تقول جوليا سبرونز وهي محامية في مجال حقوق الإنسان في بودابست: " إن غياب القوانين الملائمة والأفراد المؤهلين [ الذين يعرفون بوجود اتفاقية سيداو] يعيق المطالبة الفاعلة بحقوق النساء على المستوى المحلي." وتقول سبرونز إن البرلمان المجري رفض في السنة الماضية مشروع قانون-- كان الأول من نوعه-- لإرساء أوامر بالحماية لضحايا العنف المنزلي بحجة أن ذلك سيقيّد حق الرجال في التنقل بحرية وحقهم في الملكية الخاصة. ولم يتم اتخاذ أية خطوة قانونية على هذا الصعيد من ذلك الحين. ومنذ إقرار اتفاقية سيداو عام 1981، قامت 180 بلدا بالمصادقة عليها. وتعلن الاتفاقية، من بين أشياء أخرى، أن النساء لهن نفس الحق مثل الرجال في الفرص التعليمية والوظيفية، ولهن نفس الحق في المشاركة في كل الانتخابات والمشاركة في الحياة العامة والحق في الميراث وإدارة الملكية. ويُفترض أن تكون سيدوا ملزمة قانونيا للبلدان التي تصادق عليها. غير أن الاتفاقية لا تفرض أية عقوبات على أي بلد لا يطبق الاتفاقية. ( رغم أن مجلس الأمن أصدر الكثير من القرارات التي تجيز استخدام القوة الدولية ردا على الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، إلا أن المجلس لم يُجزْ أي قرار يتعلق بحقوق الإنسان للمرأة.) وعلى عكس بعض قوانين الاتحاد الأوروبي التي تأتي مترافقة مع حوافز سياسية أو اقتصادية، فإن سيداو تفتقر إلى ما يُعرف بالعصا والجزرة فيما يتعلق بدفع الحكومات للامتثال للاتفاقية. بيد أن الاتفاقية عزّزت من نشاط المرأة السياسي عبر تقديمها لتصورات عامة عن الفرص المتُاحة للدفع قدما بقوانين ضد التمييز وعبر مساعدة الحكومات في صوغ تشريعات لحماية حقوق النساء، كما تقول ميغ ساثرويت مديرة مركز أبحاث حقوق الإنسان والعدالة العالمية في جامعة نيويورك. ركيزة لسياسات الصحة العامة في كولومبيا في كولومبيا، وفرّت سيداو الأساس لسياسة عامة جديدة في مجال الصحة-- تم إقرارها من قبل الحكومة عام 1992-- وركزت على أهمية الانخراط النشط للنساء في القرارات التي تؤثر على صحتهن وحياتهن وأجسادهن. وقد أكدت هذه السياسة على حق النساء في الحصول على المعلومات الصحية وخدمات تنظيم الأسرة ووسائل تحديد النسل الآمنة. (إلا أن الإجهاض ما زال غير قانوني في كولومبيا.) وقد أشارت المحكمة العليا في كل من بوتسوانا وتنزانيا إلى اتفاقية سيداو في قراراتها لإصلاح القوانين التي كانت تسمح للآباء فقط بتمرير الجنسية لأولادهم والتي كانت تمنع النساء من بيع ممتلكاتهن الموروثة. في الوقت ذاته، تقول ساثرويت إن "التحدي هو ضمان تطبيق اتفاقية سيداو متى تم إقرار هذه القوانين." ورغم وجود قانون شامل حول النوع الاجتماعي في كوستاريكا، نافذ منذ 1990، إلا أن سيداو وجدت عام 2003 أن العنف ضد النساء والصور النمطية الجنسية تستمر في الحد من حقوق النساء في هذا البلد. والكثير من بلدان العالم، حيث تمثل النساء أقل نسبة ممن يعملون بالسياسة-- كما في تركيا وأوكرانيا وسريلانكا ولبنان-- هي أعضاء في اتفاقية سيداو، علما بأن اللجنة طلبت منها مرارا وتكرارا تبني إجراءات خاصة مثل إقرار حصص خاصة بالنساء لزيادة مشاركتهن في السياسة. " متى قمنا بتقديم توصياتنا، فإننا نترك الأمر للنوايا الطيبة للحكومة لكي تقوم بتنفيذها"، كما تقول هايسو شين وهي واحدة من 23 خبيرا في قضايا النوع الاجتماعي في اللجنة التي تجتمع مرتين كل سنة، في يناير وفبراير، لتقييم التقدم الذي تحققه البلدان المختلفة على صعيد مكانة المرأة. وتقول ساثرويت: " يتعيّن على اللجنة أن تعمل من خلال القدرة على الإقناع." المدافعون عن حقوق المرأة يقيمون حلقة وصل حاسمة يقدم المدافعون عن حقوق المرأة حلقة الوصل الحاسمة بين ما يُقال في الأمم المتحدة وما يحدث على الأرض في البلدان المختلفة. وغالبا ما يقوم الناشطون بتقديم تقارير "موازية" تبيّن الإخفاقات والقضايا المثيرة للجدل التي قد لا تأتي التقارير الرسمية على ذكرها. والأهم من ذلك، كما تقول شين، هو أنهم هم الذين يقومون بمساءلة الحكومات. وقد ضمن المدافعون عن حقوق المرأة إدراج حقوق المرأة استنادا إلى اتفاقية سيداو في الدساتير القومية للبرازيل وجنوب أفريقيا. وفي الهند واليابان، وظفت المجموعات النسائية اتفاقية سيداو بنجاح في المحاكم المحلية ضد حالات التحرش الجنسي والتمييز في الأجور. وفي الشهر الماضي، سافرت ثماني مجموعات نسائية من أيرلندا إلى نيويورك ليشاهدوا شين وغيرها من أعضاء سيداو يُخضعون حكومة بلادهن لتحقيق مفصل عن غياب النساء من الحياة السياسية وعن العراقيل التي تعيق حصول النساء على وظائف بدوام كامل. وقد غادرت الناشطات الاجتماع ومعنوياتهن مرتفعة رغم إدراكهن أن العمل الحقيقي قد انطلق على التو،كما تقول نوارين كلانسي من تحالف حقوق الإنسان للنساء في دبلن. وفي حديث لها مع وُمينز إي نيوز، قالت كلانسي: " لدينا الذخيرة الآن. وبوسعنا توظيف سلطات الأمم المتحدة للتأكيد على أن وضع المرأة في أيرلندا ليس جيدا بما يكفي." وتخطط المجموعات النسائية الأيرلندية لنشر استنتاجات اللجنة على الناشطين الآخرين ووسائل الإعلام، ولتوظيفها في الحوار مع المسؤولين العامين وأحزاب المعارضة. في المقابل، ليس هناك في المجر سوى ثلاث منظمات لحقوق المرأة وأقل من خمسة محامين يتمتعون بالخبرة في مجال العنف المنزلي، كما تقول سبرونز. ورغم أن أيه تي ضحية العنف المنزلي التي تقدمت بشكواها إلى سيداو على اتصال بجماعات حقوق المرأة في المجر، إلا أن سبرونز تقول إن هذه المنظمات لم تقدم لها سوى الدعم المعنوي أثناء معاركها القانونية. وكانت أيه تي قد قدمت شكواها إلى سيداو شخصيا. وتصرّ سبرونز على أن سيداو هي السبيل الوحيد لمواجهة العنف المنزلي ضد النساء في المجر، كما في حالة أيه تي. بيد أن ضعف الحركة النسائية يحد من فعالية سيداو. وترى سبرونز أنه ما لم تقم النساء بإثارة اتفاقية سيداو في عملهن، فإن الاتفاقية ستظل " غير معروفة ولا معنى لها [و] مجرد نص قانوني." وتوافقها كلانسي الرأي، قائلة: " إنهم لن يطبقوا الاتفاقية دون ضغط منا." بوجانا ستوباريك كاتبة مستقلة تقيم في نيويورك. 17/8/2005
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon