كيف يتعامل القانون الفلسطيني مع قضا يا العنف ضد المرأة؟!

خاص: "نساء سورية"
"من بين كفيها الملتصقتان بوجهها الذي لم ألحظه في حينها، انهمرت شلالات من الدموع، رافقها اهات ونحيب متواصل، اتجهت نحوها محاولة الاستفسار عن سبب بكائها، فقالت: "انا مش عارفه الدنيا وزوجي واهله واهلي وحارتي كلهم علي، شو سويت انا بكفي اني بربي اولادي الاربعة، ومستحمله زوجي الي بضربني بسبب وبدون سبب، وكمان ما بسلم من سبه وسخريته الي ما بتتوقف ابدا، هو شغلته بس يذلني ويضربني، الجامعة تركتها وانا من المتفوقات عشانه وعشان اهله، لكن ياحسرتي ما اسلمت منهم، واذا اسلمت منه، ما بسلم من اهله، واذا اسلمت من زوجي أو هله ما بسلم من اهلي، وكل واحد منهم بقول يلا نفسي، لمين اروح انا ياربي"احضرنا لها كوبان من الماء لعل شلال الدموع المنزلق من عينيها يتوقف، ولكنها اجهشت بالبكاء مجددا، وقالت: " وين بدي اروح في واولادي الي كل واحد فيهم حاطاه عند عيله، ولمين اروح انا وهمه، بدي حدى يجاوبني مشان الله".


النواحي القانونية
الايذاء النفسي غير وارد في أي نص من نصوص القانون ويتعامل القانون المحلي في فلسطين بقانون العقوبات الاردني رقم 16 لسنة 1960 الساري المفعول في الضفة الغربية ويوجد في قانون العقوبات مواد عامة ومواد خاصة والمواد العامة تتطبق على الجميع اما المواد الخاصة فتطبق على حالات خاصة بهذا النص. ومثال على ذلك الايذاء والضرب والتحقير والشتم وهي مواد عامة في القانون، بمعنى اذا قام أي زوج بضرب أو كسر أو شتم أو تحقير زوجته أو الاوده، فانه لا يوجد نص خاص في القانون يعاقب الزوج. المحامية حليمة ابو صليبا من مركز المرأة للارشاد القانوني والاجتماعي.

وتابعت ابو صليبا تقول: "عندما حضرت السلطة الفلسطينية كان جهاز الشرطة يقول للمرأة المشتكية انه مش عيب عليكي انه تشكي على زوجك, ولكن هذا الامر تغير بعد عقد دوات خاصة حول موضوع العنف ضد المرأة. سيطرة التربية الذكورية والذهنية الذكوية لدى القائمين على استقبال الشكاوي في تطبيق القانون الذي يجحف بحق المرأة من ناحية قانونية وانسانية. ويوجد نصوص خاصة في قانون العقوبات المطاط حيث يجيز القانون للاباء ضرب ابنائهم حسب العرف. فمن المواد الخاصة المادة (340 ) بفقرتيها (1، 2) والتي نصت في الفقرة رقم واحد على انه يستفيد من العذر المحل، من فاجأ زوجته أو احدى محارمه في حال التلبس بالزنا مع شخص اخر واقدم على قتلهما أو جرحهما أو ايذائهما كليهما أو احدهما، اما الفقرة الثانية فتقول، انه يستفيد مرتكب القتل أو الجرح أو الايذاء من العذر المخفف اذا فاجأ زوجه أو احدى اصوله أو فروعها أو اخوته مع اخر على فراش غير مشروع.
وتشير الفقرتين إلى رخصة بقتل النساء من خلال العذر المحل والعذر المخفف، اما المادة 98 وهي مادة عامة لكافة القضايا الجنائية فانها تشير إلى انه يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي اقدم عليها بصورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محقق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه".

و اضافت تقول: "اذا وجدت الزوجة زوجها مع امرأة اخرى في فراش الزوجية وقامت بقتل احدهما أو كلاهما، فانها تعتبر قاتلة، وتعاقب بالحكم عليها بالسجن المؤبد، على اعتبار انها ارتكبت جناية قتل، واما اذا كان الرجل هو قتل زوجته أو شريكها أو كلاهما فانه يعاقب بالسجن من اسبوع إلى ثلاث سنوات، هذا تمييز واضح وصريح.
جاء ذلك في نص المادة( 235) الفقرة الاولى يعاقب بالحبس من فوجئ بمشاهدة زوجته حال تلبسها بالزنا أو وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال أو قتل احدهما أو اعتدى على احدهما اعتداء افضى إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة. والفقرة الثانية من المادة تقول وتعاقب بالعقوبة المقررة في الفقرة (1)، الزوجة التي فوجئت بمشاهدة زوجها حال تلبسه بجرم الزنا أو حال وجوده في فراش مع شريكته في مسكن الزوجية فقتلتهما في الحال أو قتلت احدهما أو اعتدت عليهما أو على احدهما اعتداء افضى إلى الموت. اما المادة( 308) فقد نصت على اعفاء المجرم من عقوبة الاغتصاب اذا تزوج من المجني عليها. ويرفض كل من القانون الاردني والمشروع الفلسطيني ان يضعوا قانون يعاقب المعتدي في حال التحرش الجنسي بامرأة، بل يتعاملون معه تحت باب الاعمال المنافية للاداب العامة. يعني اذا واحد غمز أو قرص أو أي شيء من قبيل ذلك فان العقوبة تكون من اسبوع حتى سنة".

واشارت ابو صليبا إلى ضرورة ان لا ننسى المادة (285 ) التي نصت على ان السفاح بين الاصول والفروع سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين وبين الاشقاء والشقيقات والاخوة والاخوات لاب ولام من هم في منزلتهم من الاصهار والمحارم، يعاقب مرتكبه بالاشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن خمس سنوات.

و اكدت حليمة على ان المشروع الفلسطيني اغفل في جرائم الاغتصاب تشديد العقوبة في حال وقوعها على طفلة دون الثامنة عشرة كما انه قصر ظرف التشديد بسبب القرابة على الاصول فقط (الاب ووان علا والام وان علت) دون الفروع والاشقاء أو باقي الاقارب وهذا ما نراه قصورا في نص التجريم ويجب توقف المشروع امامه وعليه نقترح تعديل نصوص المواد( 257 )و( 258 ).

نصت المادة (2 ) من اتفاقية القضاء على كافة اشكال التميز ضد المرأة، سيداو، في الفقرة( أ ) والفقرة( ج) على" ادماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الاخرى، اذا لم يكن هذا المبدا قد ادمج فيها حتى الان، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدا من خلال التشريع وغيره من الوسائل المناسبة. فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفاعلة للمرأة عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الاخرى في البلد، من أي عمل تمييزي"

النواحي الاجتماعية

اما الباحثة الاجتماعية اعتدال الجريري من جمعية المرأة العاملة، فقد اشارت إلى السمات النفسية لدى المرأة المعنفة، ومنها الخوف الشديد والاحساس العالي بالذنب، والنظرة المنخفضة للذات، وعدم ثقتها بنفسها وبالاخرين، وقلق حول ردة فعل المجتمع ونظرته لها, والشعور بالذونية (دونية الذات)، ولوم الذات الذي يصل إلى الايذاء النفسي في بعض الحلات، والعنف الذي يؤدي بدوره إلى عنف اتجاه الاخرين وبالتحديد اتجاه نفسها واطفالها لذا هناك العديد من الحلات التي تولدت من خلالها افكار انتحارية، وتعرضها ايضا إلى الاكتئاب الحاد والذي يتحول إلى مرض. ويتم معالجة هذه الحلات من خلال عماية ارشادية نفسية فقد تستخدم عملية تفريغ مشاعر العنف أو التعاطف مع الحالة وفهم المشاعر، أو تبصير المنتفعة من اجل تخفيف حدة اللوم وتأنيب الذات كمشاركة في الحدث، او ايجاد مفهوم الثقة من خلال العلاقة مع المرشدة، او دعمها بالانخراط مع المجتمع ودعمها قانونيا، او العمل مع افراد الاسرة بجلسات ارشادية عائلية وخاصة مع الاطفال، وان امكن التدخل مع الزوج لضمان احداث التغيير على صعيد المعرفة والسلوكيات، او مساعدة بعض الحلات ماديا ان امكن لاستعادة قوتها وتقويتها اقتصاديا، وخاصة ان الوضع الاقتصادي يكون عاملا لممارسة العنف وبذلك تعرض العنف الموجه ضدها.

واضافت الجريري تقول : "ومن هنا لا نتجاهل ان الوضع السياسي له دور في زيادة العنف وانتشاره داخل المجتمع الفلسطيني بالممارسات الاسرائيلية الوحشية، وتصاعد العنف السياسي ضد شعبنا من الاغلاق والحواجز وبناء الجار الفاصل، والمضايقات اليومية في السير آلاف الامتار لقطع المدن عبر الحواجز الاسرائيلية تحت اشعة الشمس، هذه الممارسات ماهي الا تحطيم اماله وتعجيزه واجباره على ترك اراضيه، لكن بالرغم من هذه الانتهاكات وعدم الحصول على حقوقنا الا اننا صامدون. ولهذه الممارسات اثارها السلبية على نفسية شعبنا، لذا يستخدم العنف كادة تفريغ للشحنات الانفعالية. حيث اشارت الاحصائيات استنادا إلى استطلاع للرأي اجرته جمعية المرأة العاملة الفلسطينية ان العنف السياسي ازداد بنسبة 86% داخل العائلة بسبب الفقر الذي يتخلل الاغلاق والحصار.

واشارت الجريري إلى انه من اجل مساعدة المرأة المعنفة، يجب ان توفير بيوت امنه للحلات التي تتعرض للعنف وتوفير الظروف الامنة والرعاية والحماية، وكذلك ايجاد تعديلات على قانون العائلة، وقانون العقوبات لكل شخص يعنف امرأة، وانزال اشد العقوبات على الاشخاص الذين يقتلون النساء، وان غياب السلطة التنفيذية والفراغ الامني في المجتمع الفلسطيني، زاد من الفوضى وزاد في ظاهرة العنف المجتمعي ضد المرأة وهذا صعب من متابعة وتحديد درجة اتساعها لتطوير اليات مواجهتها وذلك لعدم وجود بيانات.

وحسب المصادر الاولية لدى منتدى المنظمات الاهلية الفلسطينية لمناهضة العنف ضد المرأة هناك ( 19 ) حالة قتل حتى اللحظة الراهنة جرى توثيقها منذ بداية العام الحالي 2005 ضد فتيات فلسطينيات في عدة مناطق في الضفة الغربية وقطاع غزة على خلفية (شرف العائلة)و هذا ما تم توثيقه في السجلات الرسمية ولكن نعلم ان هناك العديد من الحلات الغير موثقة وتم التستر عليها.

امتياز المغربي- كاتبة وصحفية- رام الله- فلسطين

14/12/2005

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon