مشروع الأداء البرلماني للمرأة العربية- حالة مصر (5)

القسم الثاني
نعرض في هذا الجزء لموقف كل من النائبات والنواب من قضية الأحوال الشخصية على امتداد فترة الدراسة، لكن ويجدر بداية تقديم عدد من الملاحظات المهمة.
* أن هذه القضية قد حظيت بالاهتمام منذ أول مجلس (مجلس الأمة 1957)، وحتى آخر مجلس تناولته الدراسة (مجلس الشعب 1995 - 2000).
* أن إثارة قضية الأحوال الشخصية كثيراً ما كان يتم في إطار طرح قضايا أخرى يرى الأعضاء أنها وثيقة الصلة بها كقضية تنظيم الأسرة على سبيل المثال، أو المشكلة السكانية.. إلخ.
* أن الأعضاء الرجال كانوا بشكل عام أكثر طرحاً لقضية الأحوال الشخصية، وأكثر اشتراكاً في مناقشة الاقتراحات بمشروعات قوانين أو مشروعات القوانين التي تعرضت لها. دون أن يعني ذلك بالطبع عدم وجود تحفظات أو ملاحظات على مضمون آرائهم ومداخلاتهم حول القضية.
وسوف نحاول أن نقدم - في إيجاز - عرضا للتناول المباشر لقضية الأحوال الشخصية من قبل النائبات والنواب، محاولين تجنب أي تكرار قد يشوب العرض، ومحيلين إلى الأجزاء السابقة من الدراسة التي تم فيها تناول القضية في إطار أوسع على ما سبقت الإشارة.
مجلس الأمة 1957:
تقدم العضو حسين الجزامي باقتراح بمشروع قانون بتقييد الطلاق وتعويض المطلقة الفقيرة. وأحال المجلس في جلسته يوم 11 نوفمبر 1957 إلى لجنة الاقتراحات والعرائض التي نظرته في 26 نوفمبر 1957، وقررت رفضه بإجماع الآراء، لأن المبادئ التي أوردها العضو في اقتراحه بمشروع القانون تخالف قوانين الأحوال الشخصية وما نصت عليه الشريعة الإسلامية بشأن العلاقات الزوجية وقد وافق المجلس على ما جاء بتقرير اللجنة.
مجلس الوحدة (21/7/1960 - 22/6/1961)
وجه العضو سليمان عيد سؤالاً إلى وزير العدل للإقليم الجنوبي عن إعادة النظر في تشريعات الأحوال الشخصية بما يكفل الاستقرار للأسرة. وفي تعقيبه على إجابة وزير الشؤون البلدية والقروية للإقليم الجنوبي نائباً عن وزير العدل، أكد السائل ضرورة تصحيح الأوضاع وإزالة أخطاء علقت بالأحكام حيث صار الزواج والطلاق لا يحدهما قيد. وقد أضر ذلك بالمجتمع الإسلامي حيث صار الرجل يتزوج حيثما يشاء ووقتما يشاء، دون نظر إلى يساره أو إعساره، ولذلك فإنه يرجو إعادة النظر في تشريعات الأحوال الشخصية بما يتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية ويضمن عدم إساءة استعمال الحقوق الشرعية.
وفي إطار مناقشة مجلس الأمة لموضوع تنظيم الأسرة - وقد سبقت الإشارة إلى مداخلات العضوات بشأنه وتناولهن لموضوع الأحوال الشخصية في إطاره شارك النواب في النقاش فطالب النائب مصطفى الرفاعي بأن ينص قانون الأحوال الشخصية الجديد على بطلان زواج البنت من غير رضاها - بكراً كانت أو ثيباً - حرصاً على سلامة الأسرة، وتحقيقاً لشريعة الإسلام، وأن يكون هناك تراض على كيفية سير الحياة الزوجية وعلى شروط الزواج نفسه، فإذا اشترطت المرأة لنفسها في العقد شرطاً صحيحاً لا ينافي مقاصد الزواج ولكنه يكفل لها الأمن والطمأنينة والهدوء، صح هذا الشرط ولزم، وكان لها فسخ عقد الزواج إذا لم يف الزوج به، حتى تقوم الحياة الزوجية على وضوح وعلى أسس قويمة ورشيدة.
وطالب النائب بأن ينص في قانون الحوال الشخصية الجديد على:
أولاً: ألا يتم طلاق بغير تحكيم، وبعد اتفاق الحكمين في الطلاق، وأن يثبت ذلك في وثيقة الطلاق.
ثانياً: ألا يتم طلاق إلا بوجود شاهدين، وأن يغني وجود الحكمين في مجلس الطلاق عن وجودهما.
كما طالب النائب زكي محمد عبد الهادي بسرعة الانتهاء من تعديل قانون الأحوال الشخصية، لأنه سيوفر الاستقرار للمرأة، ومن ثم الأسرة.
وطالب النائب أحمد القصبي بإعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية، وأن يدخل في الاعتبار عند مناقشة تنظيم الأسرة أثناء عرض قانون الأحوال الشخصية عنصر الأخلاق المرتبط بالسلوك العام.
وأكد النائب محمد زين العابدين عطية على أن مناقشة مشروع قانون الأحوال الشخصية في القريب العاجل سيتيح فرصة واسعة لأعضاء المجلس سواء داخل اللجان أو في المجلس لتقديم ما يرونه من مقترحات.
وقد أحيل موضوع المناقشة بالكامل إلى لجنة الرعاية الصحية والاجتماعية لدراسته، مع البيانات والآراء والملاحظات التي تقدم بها الأعضاء حوله بحيث يتضمن تقرير اللجنة ما تراه من توصيات في هذا الشأن.
وفي الجلسة التاسعة (20/12/1967) من الفصل التشريعي الأول لمجلس الأمة (26/3/1964 - 16/4/1968) تقدم العضو مصطفى كامل مراد باقتراح بمشروع قانون بعدم السماح لمواطني الجمهورية العربية المتحدة بالزواج من أكثر من واحدة، وألا يتم الطلاق إلا أمام القاضي. وقد أحيل الاقتراح إلى لجنة الشؤون التشريعية، لارتباطه باقتراح بقانون معروض عليها، وذلك تطبيقاً للمادة (186) من اللائحة الداخلية.
وفي الجلسة الثلاثين (13/5/1972) من دور الانعقاد العادي الأول في الفصل التشريعي الأول لمجلس الشعب (11/11/1971 - 28/6/1972) تقدم العضو د. كمال الجوجري باقتراح بمشروع قانون بشأن قضاة الأحوال الشخصية ووكلاء نياباتها المعينين بالكادر القضائي بعد إلغاء المحاكم الشرعية. وقد أحيل الاقتراح إلى لجنة الاقتراحات والعرائض التي قدمت تقرير بشأنه فتمت إحالته إلى اللجنة المختصة لنظره وهي لجنة الشؤون التشريعية تطبيقاً لأحكام اللائحة الداخلية في هذا الشأن.
وفي الجلسة الرابعة والخمسين (16/5/1976) في دور الانعقاد العادي الخامس من الفصل التشريعي الأول لمجلس الشعب (18/10/1975 - 16/10/1976) نظر مجلس الشعب قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم (407 لسنة 1976) بشأن الموافقة على اتفاق التعاون القانوني والقضائي في المواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية والمواد الجزائية بين جمهورية مصر العربية والجمهورية التونسية، والموقع في تونس بتاريخ 19/1/1976. وقد وافق المجلس على إحالة القرار إلى اللجنة التشريعية التي اعدت تقريراً بشأنه ناقشه الأعضاء في جلسة تالية (الجلسة الستين في 13/6/1976). حيث رأت اللجنة أنه بموجب هذا الاتفاق يتمتع مواطنو كل من الطرفين المتعاقدين داخل حدود الدولة الأخرى بحرية التقاضي دون أن تفرض عليهم أية كفالة شخصية أو عينية باعتبارهم أجانب، أو لعدم وجود موطن أو محل إقامة لهم داخل حدود تلك الدولة. وقد جرى نقاش حول القرار بقانون شارك فيه ثلاثة من النواب حيث تساءل أحدهم - وهو النائب رمضان عرفة إسماعيل - عن كيفية حل التنازع القضائي فيما لو تزوج مصري بتونسية أو حدث العكس. وقد رد عليه العضو (على الشريطي نائباً عن المقرر) بأن الاتفاق المعروض كفيل بحل المشكلة إذا ما حدث تنازع قضائي، أما لو ترك الأمر للقانون فسوف يترتب على ذلك حدوث مشاكل لا اول لها ولا آخر. بقول آخر فإن الاتفاق القضائي يعطي لكل ذي حق حقه دون تدخل من قانون الدولة بالنسبة للدولة الأخرى وقد وافق المجلس في النهاية على قرار رئيس الجمهورية.
وفي الجلسة الثانية والسبعين (29/5/1978) من دور الانعقاد العادي الثاني للفصل التشريعي الثاني لمجلس الشعب (9/11/1977 - 27/6/1978) نظر المجلس خمسة اقتراحات بمشروعات قوانين مقدمة من العضو صلاح إسماعيل وبعض الأعضاء حول ما يلي:
1- الأحوال الشخصية 2- تحريم الربا 3- إقامة الحدود الشرعية. وقد تمت الموافقة على نظر هذه الاقتراحات بمشروعات قوانين بطريق الاستعجال وتمت إحالتها للجنة التشريعية.
وفي الجلسة الافتتاحية (23/6/1979) لدور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الثالث (23/6/1979 - 12/7/1980) نظر المجلس قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (44) لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية، وقرر إحالة القرار إلى لجنة مشتركة مشكلة من اللجنة التشريعية ومكتب لجنة الشؤون الاجتماعية والأوقاف والشؤون الدينية.
وفي جلسة تالية (الرابعة) في (3/7/1979) نظر المجلس تقرير اللجنة المشار إليها حيث رأت أن القانون المنظور يعتبر أول قانون إصلاحي للأسرة، وقد استمد احكامه من مذهب الإمام مالك بحسب ما يحققه من المصلحة العامة، وما يقتضيه استقرار الأسرة الإسلامية وحماية المرأة المسلمة من الضرر بعدم الانفاق عليها أو تعليقها في حالة الغيبة والفقد أو تعريضها للفتنة بسبب العيب المستحكم في الزوج والذي لا شفاء منه. وقد جرت مناقشة واسعة للقرار بقانون حيث تساءل زعيم المعارضة (إبراهيم شكري) عن سبب التسرع في إصدار هذا القرار بقانون قبل انعقاد المجلس بأيام قليلة، خاصة مع وجود مواد يتضمنها محل خلاف. وقد شاركه العضو صلاح أبو إسماعيل في الاعتراض على القرار بقانون وخاصة المادة (6) مكرر التي تقضي باعتبار الزواج بزوجة ثانية إضراراً بالزوجة لما في ذلك - من وجهة نظره - من مخالفة للشريعة، وقد قدم اقتراحاً يتضمن بعض التعديلات التي يراها ضرورية.
ومن ناحية أخرى فقد تقدم العضو ممتاز نصار باقتراحات محددة حول بعض مواد القرار بقانون، على حين رأي د. محمد كامل ليلة أن القرار بقانون كامل شكلاً وموضوعاً، كما رأى العضو جبريل محمد حسن أن الرئيس السادات قدم هذا القرار بقانون في غيبة المجلس مستعملاً حقه الدستوري، وإحساساً منه بأحاسيس ومطالب المواطنين. وقد انتهى المجلس بالموافقة على القرار بقانون في الجلسة نفسها، ودون أن تشارك في النقاش أي من النائبات.
وفي الجلسة الخامسة والستين في دور الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي الثالث لمجلس الشعب (7/11/1981 - 1/7/1982) نظر المجلس قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 331 لسنة 1982 بشأن الموافقة على اتفاقية التعاون القضائي في المواد المدنية وتشمل الأحوال الشخصية والمواد الاجتماعية والتجارية والإدارية، والبروتوكول الثقافي الملحق بها بين جمهورية مصر العربية وفرنسا الموقعة في باريس في 15/3/1982، وقد وافق المجلس على إحالة القرار بقانون إلى لجنة الشؤون التشريعية والدستورية. وتمت الموافقة على تقرير اللجنة ومن ثم على القرار بقانون في جلسة تالية (96) في تاريخ 30/6/1982.
وفي الجلسة الثالثة والثلاثين (27/2/1984) تقدم العضو د. معتز مراد المرزوقي باقتراح بمشروع قانون بتعديل بعض أحكام القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 المعدل لأحكام القانونين رقمي 25 لسنة 1920 و 25 لسنة 1929 في شأن أحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية. وقد وافق المجلس على إحالة الاقتراح بمشروع قانون إلى اللجنة المختصة لدراسته.
أما باقي النواب فقد شاركوا في النقاش (ثمان وعشرين مرة) مع ملاحظة أن بعضهم تحدث عدة مرات سواء باقتراح تعديلات أو تقديم مداخلات حول الموضوع.
وفي الجلسة السادسة والتسعين (30/6/1985) في دور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الرابع (23/6/1984 - 2/7/1985) ناقش مجلس الشعب تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشؤون الدينية والاجتماعية والاوقاف بخصوص اقتراح بمشروع قانون مقدم من النائبة فاطة عنان وبعض الأعضاء بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية.
وقد اشاد النائب حلمي عبد الآخر (رئيس اللجنة المشتركة) بالاقتراح بمشروع القانون المعروض، وأنه جاء بصورة مشرفة، وطالب المجلس بالموافقة عليه. وهو الموقف نفسه الذي اتخذه نواب آخرون مثل النائب د. السيد على السيد الذي أشاد بالاقتراح بمشروع القانون، لأنه لا يخالف الشريعة الإسلامية. كما أشار النائب ممتاز نصار إلى أن مشروع القانون المعروض كفل للمرأة الحقوق التي جاء بها الإسلام، وجعل المساواة قائمة بينها وبين الرجل سواء بسواء كما اثار الأعضاء في مناقشاتهم النقطة الخاصة بالضرر الذي يقع على المراة حين يتزوج زوجها بأخرى، وكذلك ما يتعلق بمسكن الزوجية، وقضايا النفقة. وإذا حاولنا أن نرصد عدد مرات المشاركة في المناقشات للاقتراح بمشروع القانون المعروض نجد أن النواب تحدثوا 105 مرة بينما تحدثت النائبات 9 مرات. دون أن يقلل هذا من قيمة العديد من المقترحات التي تقدمت بها النائبات.
أما المناسبة الأخيرة التي نوقشت فيها قضية الأحوال الشخصية فقد جاءت عند مناقشة المجلس (في الفصل التشريعي الأخير الذي تناولته الدراسة وهو الفصل التشريعي السابع) مشروع القانون الخاص بتنظيم بعض أوضاع التقاضي وإجراءاته في مسائل الأحوال الشخصية. وإذا كنا قد عرضنا فيما سبق لمساهمات النائبات في مناقشة مشروع القانون السابق الإشارة إليه فإننا نود إضافة بعض الملاحظات على العرض السابق.
أول هذه الملاحظات أن عدد النواب الذين شاركوا في مناقشة تقرير لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية حول مشروع القانون كانوا 19 نائباً بينما شاركت نائبة واحدة في هذا النقاش هي السيدة ثريا لبنة.
أما عدد مرات المشاركة من قبل النواب فقد بلغت 266 مرة، بينما شاركت النائبات في النقاش 12 مرة، واستمر النقاش لخمس جلسات كاملة، وقد انتهى الأمر بموافقة المجلس على مشروع القانون السابق الإشارة إليه نهائياً، بينما رفضه النائب محمد محمد مرزوق، وامتنع عن التصويت النائبان على فتح الباب، ورجب هلال حميدة.
وفي الجلسة الرابعة عشرة (28/12/1991) في دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي السادس (13/11/1991 - 19/7/1992) نظر المجلس تقرير لجنة الاقتراحات والشكاوي عن الاقتراحات بمشروعات القوانين التي تقدم بها الأعضاء أحمد محمد أبو زيد، وأم كلثوم عبده شلبي (وداد شلبي)، وإبراهيم محمد بدر بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم (25) لسنة 1629 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية، والاقتراح برغبة المقدم من العضو البدر فرغلي، بشأن اعتبار السفينة الغارقة (سالم إكسبريس) مقبرة جماعية، واعتبار المفقودين من تلك السفينة أمواتاً.
لقد رأت اللجنة أن المرسوم السابق الإشارة إليه خلا من النص على مواجهة الكوارث العامة وحوادث السفن والطائرات وغيرها والتي ينجم عنها فقد شخص أو أكثر. وأشارت اللجنة إلى أن القانون القائم لا يعتبر المفقود ميتاً بسبب هذه الكوارث إلا بعد مرور أربع سنوات كاملة. وأن الاقتراح بمشروع القانون المعروض يؤدي إلى سرعة تعويض أسر المفقودين في الكوارث العامة باعتبار المفقود ميتاً من تاريخ وقوع الكارثة.
وخلصت اللجنة في النهاية إلى أن الاقتراح بمشروع القانون يليق بالنظر فيه، وأوصت بإحالته إلى لجنة مشتركة من لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الخطة والموازنة لإعداد تقرير عنه يعرض على المجلس. وقد وافق المجلس على ذلك.
وفي جلسة تالية (الثمانين) (27/5/1992) ناقش المجلس التقرير الذي أعدته اللجنة المشتركة. وقد شاركت في النقاش د. فوزية عبد الستار (تحدثت مرتين) التي رأت أن مشروع القانون المطروح يتفق تماماً مع الشريعة الإسلامية، والقاعدة أنه حيث توجد مصلحة عامة فهناك الشريعة الإسلامية التي لا تدعو إلا إلى ما تدعو إليه المصلحة العامة، وطالبت المجلس بالموافقة على مشروع القانون. كما تحدثت النائبة وداد شلبي التي اقترحت أن يكون القاضي هو الذي يصدر الحكم بوفاة الشخص الذي يتعرض لكارثة من تلك التي تضمنها مشروع القانون المعروض، مشيرة إلى أن صدور قرار من رئيس الوزراء في هذا الشأن قد يتعرض للطعن، لأنه سيعتبر قراراً إدارياً (وقد تحدثت النائبة مرة واحدة) .

الجزء الثالث
تقويم أداء النائبات في فترة الدراسة
كان موضوع تقويم أداء النائبات في المجلس النيابى ومدى اضطلاعهن بالوظيفة التشريعية والرقابية موضوعاً لتحليلات عديدة، وإن كان معظمها قد جاء في إطار تقويم أداء المؤسسة النيابية ككل سواء على مستوى الفصل التشريعي أو على مستوى دور الانعقاد.
وقد ركزت التحليلات المشار إليها على عدد من النقاط من أهمها تناول التركيبة السياسية والاجتماعية للنائبات وماهية القضايا التي حظت باهتمامهن، ومدى تعبيرها عن توجهات الرأى العام والقاعدة الجماهيرية التي كن يمثلنها، وماهية الأدوات الرقابية والتشريعية التي قمن باستخدامها، ومدى التنسيق بينهن كنائبات أولاً وبينهن وبين زملائهن الرجال، ومدى استجابة البرلمان لمبادراتهن التشريعية والرقابية، كما اهتمت أكثر من دراسة بالتركيز بشكل خاص على الفترة التي تمتعت فيها المرأة المصرية بميزة خاصة داخل المجلس النيابى وهى فترة تخصيص عدد من المقاعد للمرأة، وهل ترتب على هذا التخصيص زيادة في كفاءة الدور النيابى في هذه الفترة للنائبات مقارنة بفترات أخرى، وبصفة خاصة الفترات السابقة واللاحقة مباشرة لفترة التخصيص.. إلى غير ذلك من النقاط الأخرى وثيقة الصلة بموضوع أداء النائبات.
وقد ألقى العرض السابق الضوء على أداء النائبات في فترة الدراسة تجاه القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تم اختيارها في كل دور من أدوار الانعقاد على امتداد الفصول التشريعية في فترة الدراسة (1957 - 2000)، وثمة ضرورة للتأكيد مجدداً على ملاحظة مهمة وردت في الجزء التمهيدى للدراسة من أن الاستناد فقط إلى مواقف النائبات من القضايا المختارة في تقويم أدائهن التشريعي والرقابى يعد غير كاف؛ لأن مواقفهن تجاه القضايا الأخرى التي نظرها البرلمان - ولم تخضع للتحليل - قد تكون أكثر أو اقل إيجابية مما أظهرته الدراسة، لكن العذر في ذلك هو صعوبة - بل استحالة - تغطية كل أعمال البرلمان، خاصة في ضوء الطول الشديد للفترة الزمنية موضع البحث، وقد حاولت الباحثة مواجهة هذا القصور بالرجوع إلى معظم الدراسات التي تعرضت لأداء النائبات سواء في شكل جزئى كالتركيز مثلاً على بعض أدوار الانعقاد، أو إزاء قضايا بعينها، أو التي تتناول تقويم استخدام النائبات لآلية من آليات التشريع أو الرقابة (كالأسئلة، والاقتراحات بمشروعات القوانين.. الخ) في إطار اضطلاعهن بوظيفتهن النيابية.
ورغبة في اتسام التحليل بدرجة أكبر من الموضوعية، وقياس أداء النائبات مقارنة بأداء النواب فقد قمنا بإلقاء نظرة متعمقة على مواقف كلا الطرفين من قضية الأحوال الشخصية على امتداد فترة الدراسة، بعد أن كنا قد عرضنا لها على نحو جزئي في إطار تناول مواقف النائبات (فقط) منها سواء في فصل تشريعي دون غيره، أو في إطار تناول القضية ضمن قضايا أخرى كتنظيم الأسرة أو المشكلة السكانية.. إلخ. وذلك على النحو الذي أوضحه العرض في الصفحات السابقة.
وبناء على ما سبق يمكن أن نورد عدداً من الملاحظات من أهمها:
1- أن عديداً من الدراسات أشارت إلى ضعف أداء النائبات التشريعي والرقابى، وخاصة في ضوء طول الفترة الممتدة منذ حصولهن على حقوقهن السياسية في ظل دستور 1956 وحتى المجلس الراهن 2000 وهى فترة تقرب من خمسين عاماً، على أن هذه الملاحظة كانت موضع رفض من قبل كثير من النائبات وخاصة السابقات منهن اللائى قدمن عدداً من الحجج رداً على هذا الاتهام من أهمها:
* أشارت النائبة جليلة عواد على سبيل المثال إلى المسئولية الكبيرة التي تتحملها النائبة المنتخبة تجاه جمهور الناخبين الذين تمثلهم والذين يطالبونها بالسعى لتحقيق مطالبهم، الأمر الذي يفرض عليها ضرورة تحقيق التوازن بين هذا الواجب وبين القيام بوظيفتها النيابية بكفاءة. وإن كانت الموضوعية تقتضى الإشارة إلى أن هذه الملاحظة ترد أيضاً على النواب الرجال.
* قلة عدد النائبات مما يضعف قدرتهن على التأثير في أعمال البرلمان ويضاعف من ذلك غياب التنسيق بين النائبات أو محدوديته، وقد أشارت إلى هذه الحقيقة أكثر من نائبة سابقة مثل سكينة أحمد ثابت، وآمال عبد الكريم، ويسرية لوزا، ود. حورية مجاهد.. وإن كانت نائبة أخرى هى عطيات لبيب، قد ذكرت أنها وزميلاتها النائبات في مجلس الشعب عام 1984 كن مجموعة منسجمة، وكان هناك نوع من التنسيق في الأدوار فيما بينهن، يضاف لذلك قولها إن النائبة تواجه كثيراً من المعوقات التي قد لا يواجهها النواب، فهى تتحمل أعباء كونها نائبة بمفردها دون أن يساندها أو يدعمها أحد بخلاف النواب الرجال وخاصة نواب المعارضة ممن ترى أنهم يتمتعون بميزات كبيرة كوجود سكرتارية خاصة بهم تجمع لهم البيانات سواء من المجلس أو من خارجه وتنهى طلباتهم مع الوزراء، بل وتعد لهم طلبات الإحاطة والاستجوابات التي يتقدمون بها وتحدد لهم القضايا التي يجب التركيز عليها.
* أن النائبات على امتداد الحياة النيابية بعد الثورة ينتمين في الغالب الأعم للحزب الحاكم؛ مما يقيدهن بقيد الالتزام الحزبى الذي يمنعهن من اتخاذ مواقف معارضة و ناقدة بوضوح للحكومة ويحرمهن من استخدام بعض الآليات الرقابية كالاستجوابات، وإن كان ذلك لا يعنى إتسامهن بالسلبية وعدم المشاركة في أعمال المجلس، بل العكس هو الصحيح لأن كثيراً من النائبات - كن ومازلن – يشاركن بفعالية في المناقشات التي تدور في المجلس. (209)
2- أن مشاركة النائبات في نشاط البرلمان الرقابى والتشريعى لم تتم على وتيرة واحدة بحيث يمكن أن نطلق عليها حكماً عاماً شاملاً بالإيجابية أو السلبية، فعلى سبيل المثال نجد أن تحليل المضابط يؤكد مشاركة بعض النائبات بفعالية - قد تفوق النواب الرجال - في مناقشات المجلس وأعماله، وقد ظهر ذلك بوضوح على سبيل المثال في مبادراتهن ومقترحاتهن لإزالة آثار عدوان 1967، وفى حشد جهود المواطنين من أجل المعركة، وفى دعم المقاتلين وتكريم الشهداء بعد حرب 1973.. الخ، وذلك بالإضافة لمشاركة النائبات بفعالية في مناقشة بعض المشكلات الخطيرة التي تهدد أمن المجتمع (كقضية الإدمان والتطرف، والانفجار السكانى، أو تلك المشكلات المزمنة التي تمس حياة القاعدة العريضة من المواطنين كمشكلة الإسكان، وقضايا التموين والأمن الغذائى.. الخ).
3- أظهرت متابعة أداء النائبات في فترة الدراسة أن هذا الأداء غير متماثل أو متطابق؛ فهناك نائبات كن أكثر نشاطاً وفاعلية من نائبات أخريات سواء فيما يتعلق باشتراكهن في مناقشة مختلف القضايا المعروضة على البرلمان، أو في استخدامهن لآليات الرقابة والتشريع وكفاءة هذا الاستخدام، وهذا أمر طبيعى في ضوء تفاوت الخبرة السياسية والبرلمانية بين نائبة حديثة العهد بالعمل البرلمانى مثلاً، ونائبة مارست هذا العمل عبر فصول متعاقبة. وتبرز هنا أسماء العديد من النائبات المتميزات مثل فايدة كامل التي تعد أقدم نائبة على مستوى العالم. (210)، ومثل نائبات قديرات مثل نوال عامر، ود. ألفت كامل، وكريمة العروسى، وسوسن الكيلانى، وثريا لبنة، ود. سهير القلماوى، ود. زينب السبكى، ود. حورية مجاهد، ود. ليلى تكلا. الخ.
4- واتصالاً بالنقطة السابقة، فإنه من الأمور التي لا تقبل الشك أن الخلفية الاجتماعية والثقافية والسياسية للنائبات تنعكس بالضرورة على توجهاتهن تجاه القضايا المطروحة في البرلمان، وكذا على قدرتهن على المشاركة في مناقشات المجلس وفى الإضطلاع بالوظيفة التشريعية والرقابية بكفاءة. يؤكد ذلك - على نحو خاص - متابعة أداء النائبات ذوات الثقافة القانونية (مثل د. فوزية عبد الستار، ود. آمال عثمان، وبثينة الطويل، ومفيدة عبد الرحمن، وفايدة كامل.. الخ). في الجانب التشريعي من عمل البرلمان مقارنة بأداء زميلاتهن. (211)
5- ورغبة في إلقاء الضوء على أداء النائبات في فترة زمنية ممتدة (1957 - 1995) فقد تناولت إحدى الدراسات بالتحليل موضوع مساهمة النائبات في الجانب التشريعي والرقابى لعمل البرلمان، فتناولت في الجانب الأول مساهماتهن فيما يتعلق بالاقتراحات بمشروعات القوانين المقدمة من النواب، أو مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة. وركزت الدراسة على رصد مواقف النائبات من ثلاثة مشروعات قوانين نظرها المجلس وتهم المرأة المصرية، وهى قانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية، وقانون رقم 137 لسنة 1981 بشأن العمل، وقانون رقم 73 لسنة 1956 بشأن تنظيم مباشرة الحقوق السياسية. وخلصت الدراسة إلى أن مناقشة النائبات للقوانين - التي عنيت بشكل مباشر أو شبه مباشر بشئون المرأة - كانت تتسم بالضعف، ولا تتناسب طردياً بالضرورة مع حجم تمثيل المرأة في البرلمان. إضافة لذلك فقد رصدت الدراسة عدد الاقتراحات بقوانين التي تقدمت بها نائبات (فى الفترة من 1971 - 1995) ويبلغ عددها 12 اقتراحاً بمشروع قانون من إجمالى 160 اقتراحاً بمشروع قانون، إضافة لذلك رأت الدراسة أن مناقشة النائبات لهذه الاقتراحات بمشروعات القوانين قد اتسمت بالضعف إلى حد كبير، وعرضت الدراسة أيضاً للدور الرقابى للنائبات من خلال الحصر الشامل للأسئلة وطلبات الإحاطة والاستجوابات خلال الفترة (1971 - 1995) باعتبارها تمثل ستة فصول تشريعية متتالية. وخلصت الدراسة إلى محدودية دور المرأة في ممارسة العمل الرقابى (212).
وإذا ما حاولنا تقويم أداء النائبات إزاء قضية تتسم بأهمية بالغة وهي قضية الأحوال الشخصية فسوف نلاحظ أن هذه القضية قد نوقشت منذ أول مجلس نيابي بعد ثورة يوليو وعلى امتداد فترة الدراسة. وقد بين التحليل أن القضية اكتسبت أهمية خاصة في الفصل التشريعي السابع بمناسبة مناقشة المجلس لمشروع قانون بشأن تنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية. وخاصة في ضوء الاهتمام المجتمعي الذي حظيت به هذه القضية لدى الرأي العام في مصر وانقسام الرأي بشأنها ما بين المؤيدين والمعارضين، وهو الأمر الذي كان قائماً في داخل مجلس الشعب نفسه.
6- لا يمكن تحليل أداء النائبات في فترة الدراسة دون التركيز - على نحو خاص - على الفترة التي تمتعت فيها المرأة المصرية بوضع متميز داخل البرلمان بتخصيص عدد من المقاعد لها(213)، وقد عنيت بعض الدراسات بإلقاء الضوء على هذه الفترة، وتقويم الآثار الناجمة عنها، ومن هذه الدراسات:
دراسة الباحثة حول المرأة والأجهزة التشريعية، والتى استهدفت بيان العلاقة بين نسبة الوجود العددى للنائبات في المجالس النيابية المصرية في الفترة من (1976 - 1990) وبين حجم القضايا التي أثرنها ونوعها، وكفاءة استخدامهن للوسائل التشريعية والرقابية، وذلك من خلال المقارنة بين أداء النائبات في ثلاثة فصول تشريعية سبقت (الفصل التشريعي الثانى)، وعاصرت (الفصل التشريعي الرابع)، وتلت (الفصل التشريعي الخامس) من حيث تخصيص مقاعد للمرأة في مجلس الشعب. وقد خلصت الدراسة إلى أن قضية فعالية النائبات ليست قضية عددية بالأساس، بل إنها قضية نوعية تتصل اتصالاً وثيقاً بالقدرات التي تتمتع بها النائبة، ومدى ارتباطها بدائرتها الانتخابية، ومدى قدرتها على التعبير عن مصالح هذه الدائرة وعن مصالح الأمة بشكل عام. (214).
أما الدراسة الثانية التي تتناول بالتحليل فترة تخصيص مقاعد للمرأة في مجلس الشعب، فهى الدراسة التي أعدها د. إمام حسنين عن الأداء الرقابى للمرأة في البرلمان بين التفعيل والفعالية، وقد استهدفت الدراسة عقد مقارنة تفصيلية بين الأداء الرقابى للنائبات في مجلس الشعب في الفصل التشريعي الثالث (1979 - 1984)، والفصل التشريعي السابع (1995 - 2000). وقد خلصت الدراسة إلى اختلاف البناء السياسي والاجتماعى للمرأة في البرلمان خلال الفصلين السابق الإشارة إليهما، الأمر الذي انعكس على كفاءة استخدام بعض الأدوات الرقابية، ورصدت الدراسة بالتفصيل هذه الاختلافات بين الفصلين في الجانب السياسي والجانب الاجتماعى. (215)
أما محمد الطويل، فنجده في كتابه عن " المرأة والبرلمان " يقدم محصلة اللقاءات التي أجراها مع عدد من النائبات السابقات في " البرلمان " وعرضاً لتجربتهن النيابية بإيجابياتها وسلبياتها، ورصداً لمحتوى الأداء البرلمانى للمرأة وشكله في مرحلة تخصيص المقاعد للمرأة (79-1984)، وفى مرحلة الأخذ بنظام القوائم الحزبية (1984 - 1987)، وخلص الكاتب إلى نتيجة مفادها قلة مشاركة المرأة في المرحلة الثانية، مقارنة بالمرحلة الأولى، الأمر الذي أرجعه إلى أن المرحلة الثانية تم فيها تطبيق نظام الانتخابات بالقائمة، ويعنى ذلك قيام الأحزاب باختيار المرشحين والمرشحات، طبقاً لعدد من المعايير في المقدمة منها معيار الالتزام الحزبى. (216)
لكن التراجع عن تخصيص المقاعد للمرأة والعودة إلى تطبيق نظام الانتخاب الفردى في عام 1990 قد مثل ضربة قاسية لتمثيل المرأة المصرية في البرلمان انعكس في الانخفاض الشديد الذي حدث في نسبة المرشحات على مستوى الأحزاب، وخاصة حزب الأغلبية الحاكم (الحزب الوطنى) ومن ثم في عدد الناجحات اللاتي وصلن لعضوية المجلس النيابى. وقد رشح الحزب الوطني - في انتخابات 1990 - أربع مرشحات فقط هن د. آمال عثمان (وزيرة الشئون والتأمينات الاجتماعية وقتئذ) عن الدقى، وثريا لبنة (مدينة نصر)، وفايدة كامل (قسم الخليفة)، ووداد شلبى (الإسكندرية). على أن إجمالى المرشحات على مستوى الجمهورية بلغ اثنتين وعشرين سيدة، وأسفرت الانتخابات عن نجاح سبع سيدات بنسبة 33% من المرشحات.(217)
وتقتضى الموضوعية الإشارة إلى أنه لا يمكن إصدار حكم نهائى على تجربة تخصيص مقاعد للمرأة في البرلمان في مصر؛ لأن هذه التجربة لم يتح لها الوقت الكافى للتطبيق بحيث يمكن تقويمها تقويماً علمياً دقيقاً واستثمار الجوانب الإيجابية فيها واستبعاد الجوانب السلبية.
7- بالرجوع للفهرس التحليلى لمضابط البرلمان على امتداد فترة الدراسة تبين اهتمام البرلمان - منذ أول مجلس بعد الثورة وهو مجلس 1957 - بقضايا الأمومة والطفولة وقضايا الأسرة، وقضايا الأحوال الشخصية، وباقتراح آليات خاصة بالطفولة والأمومة كإنشاء مجلس قومى للعناية بهما، بل إنه تم أيضاً طرح بعض الآراء المحافظة بخصوص موضوعات كزى المرأة، ومنع الاختلاط في الجامعات، وتقييد سفر المرأة بدون إذن زوجها.. الخ. وثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام تتمثل في أن كثيراً من المقترحات التي تتناول أوضاع المرأة والأسرة تقدم بها النواب وليس النائبات.
وفى هذا السياق يأتى التحليل القيم الذي قامت به الدكتورة نيفين مسعد للأداء التشريعي للمرأة المصرية في البرلمان كجزء من دراسة أوسع للسلوك السياسي للمرأة بشكل عام، حيث طرحت عدداً من التساؤلات حول النشاط السابق للنائبات في خدمة القضايا النسائية، وسمة هذا النشاط (الاستمرارية أو الموسمية)، وماهية القضايا النسائية التي ركزت عليها النائبات، والأدوات الرقابية أو التشريعية التي استخدمنها في طرح هذه القضايا.
وفى محاولتها للإجابة على التساؤلات السابقة ركزت د. نيفين على دراسة موقف النائبات في مجلس الشعب في الدورتين الأولى والثانية من الفصل التشريعي السابع (1995 - 2000) مقارنة بموقفهن في الفصل التشريعي السادس السابق عليه (1990 - 1995) وخلصت إلى مجموعة من النتائج التي تلقى الضوء على موقف هؤلاء البرلمانيات من القضايا النسائية أهمها:
* سابق اهتمامهن بقضايا المرأة قبل الحصول على عضوية البرلمان.
* إتسام نشاطهن (سواء المنتخبات أو المعينات منهن) بالطابع الموسمى في معالجة قضايا المرأة، بالإضافة لعدم متابعتهن لما يطرأ عليها من تطورات.
* تركز القضايا النسائية حول خمس موضوعات أساسية هى: الأحوال الشخصية، والصحة الإنجابية، وعمل المرأة، وحقوق المواطنة، وتعليم المرأة. (218)
* شكل طلب المناقشة الأسلوب الوحيد للنائبات في إثارة قضايا المرأة داخل مجلس الشعب. (219)
* وكإتجاه عام اتخذ تعبير البرلمانيات عن موقفهن من قضايا المرأة شكلاً إيجابياً تجسد عملياً في محاولة إزالة بعض المعيقات لحركة المرأة في مجالات مثل التعليم، والعمل، والأحوال الشخصية.. الخ.
* استخدام البرلمانيات - سواء من المنتخبات أو المعينات - حججاً وطنية في الدفاع عن حقوق المرأة، كما في ربط تنظيم الأسرة بالحد من الزيادة السكانية، أو عمل المرأة بالتنمية، أو استقرار الأسرة باستقرار المجتمع. (220)
8- وقد كان الاهتمام بأداء النائبات في الفصل التشريعي السابع محوراً لدراسات أخرى تناولته بالتحليل، كدراسة منال لاشين التي اهتمت بالرصد الكمى لهذا الأداء في الدورين الثاني والرابع من هذا الفصل على نحو خاص، مع الإشارة إلى أدائهن خلال الأدوار الأخرى، وقد خلصت الدراسة لمجموعة من الملاحظات محصلتها ضعف أداء النائبات بشكل عام، ودللت على ذلك بعدة أمور:
* انخفاض نسبة المشاركة البرلمانية للنائبات في دور الانعقاد الثاني (7/11/1996 - 8/6/1998)، حيث لم تشارك سوى أربع عضوات في مناقشات بيان الحكومة، ولم تطرح أي منهن قضايا خاصة بالمرأة، كما اشتركت نائبتان فقط في مناقشة قانون الموازنة العامة.
* وفى الجانب الرقابى شاركت النائبات في خمسة طلبات إحاطة حول قضايا محلية، ولم يستخدمن الأدوات الرقابية الأخرى - مثل البيان العاجل، والأسئلة، والاقتراحات برغبة، والاستجوابات -، كما لم تشارك النائبات في مناقشات المجلس لتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات، وكذلك تقرير جهاز المدعى العام الاشتراكى.
* أما في الجانب التشريعي فقد أشارت الدراسة إلى مشاركة نائبتين فقط في النشاط التشريعي للمجلس حيث تقدمتا باقتراحين لمشروعات قوانين كانا لا يتعلقان بالمرأة. من ناحية أخرى فإن تولى النائبات بعض المواقع القيادية في اللجان (كوكيل لجنة وأمين سر)، وكذا رئاسة د. آمال عثمان - وكيل المجلس - للجنة الرد على بيان الحكومة لم ينعكس بالإيجاب على طرح قضايا المرأة في تقرير الرد مقارنة بما أولاه التقرير من اهتمام بالقضايا الاقتصادية الملحة، والقضايا الخاصة بالمجلس، مثل متابعة تنفيذ توصيات المجلس للحكومة، أو غيرها من القضايا.
* وأعربت الباحثة عن دهشتها من أن يتقدم أحد النواب - وليس النائبات - باقتراحين بمشروعى قانون لتحسين أوضاع المرأة المصرية في مجالين مختلفين. (221)
وقد خلصت دراسة أخرى تناولت أيضاً تقويم أداء المرأة في الفصل التشريعي السابع - وإن كان على مستوى دور الانعقاد العادى الرابع من هذا الفصل - إلى انخفاض الأداء العام للمرأة خلال هذا الدور، الأمر الذي لا يتناسب مع الصفات الانتخابية للعضوات، ولا مع الخبرات التي اكتسبنها من عضوية المجالس السابقة، ولا مع أعمارهن التي تتراوح بين 51 - و76 عاماً. (222)


وفى سياق الاهتمام نفسه بإلقاء الضوء على أداء أعضاء المجلس التشريعي أو الرقابى - رجالاً ونساء - في فترة بعينها، عنيت إحدى الدراسات بتقديم عرض وتصنيف لكافة الأسئلة التي قدمها أعضاء مجلس الشعب إلى الحكومة خلال الدور الأول من الفصل التشريعي السابع (3/12/1995 - 14/7/1996)، ولكن لم يتيسر الإجابة عليها في المجلس لضيق الوقت، وقد أجابت الحكومة على هذه الأسئلة كتابة. ويبلغ عدد الأسئلة المشار إليها 343 سؤال منها 335 سؤال تقدم بها أعضاء المجلس، في حين لم تتقدم العضوات سوى بثمانية أسئلة، أتت جميعها من طرف النائبة ثريا لبنة، في إشارة واضحة إلى عدم استخدام أي من النائبات الأخريات لهذه الوسيلة للرقابة البرلمانية، على أنه تجدر الإشارة إلى أن أياً من الأسئلة الثمانية التي تقدمت بها النائبة لم يناقش قضايا المرأة، بل إنها تركزت حول الاستفسار عن غياب عدد من الخدمات الصحية والثقافية والتربوية في مدينة نصر التي كانت النائبة تمثلها في المجلس. (223)
ولإلقاء نظرة أكثر شمولاً على أداء النائبات في فترة الدراسة إزاء القضايا والموضوعات التي تم اختيارها فقد تم إعداد الجدول التالى الذي يحاول قياس مشاركة النائبات في مناقشات المجلس. وقد تم التركيز في قياس المشاركة على معرفة عدد النائبات اللاتي شاركن في مناقشة القضايا التي تناولتها الدراسة ونسبتهن إلى العدد الكلى للعضوات في المجلس، وكذلك عدد مرات مشاركة كل منهن لمعرفة العوامل التي يمكن أن تفسر القدرة على المشاركة.
جدول رقم (4): درجة مشاركة النائبات في المجلس , (1957 - 2000):

جدول رقم (4): درجة مشاركة النائبات في المجلس , (1957 - 2000):

عدد مرات المشاركة

مرة

من مرتين لأقل من 5

من 5 لأقل من 10

10 فأكثر

1957

2

1 من 2

 50%

ــ

1

ــ

ــ

1960

مجلس الوحدة

7 منهن 5 مصريات

2 من 7

28.5%

ــ

2

ــ

ــ

1964

8

8 من 8

100%

1

3

2

2

1969

3

1 من 3

 33.3%

1

ــ

ــ

ــ

1971

8

8 من 8

 100%

3

2

2

1

1976

6

5 من 6

 83.3%

ــ

2

2

1

1979

35

16 من 35

45.7%

8

4

3

1

1984

36

13 من 36

36.1%

8

4

1

ــ

1987

18

12 من 18

 66.6%

6

6

ــ

ــ

1990

10

6 من 10

60%

2

4

ــ

ــ

1995

9

8 من 9

88.8%

5

3

ــ

ــ

ويمكن استخلاص عدد من الدلالات من الجدول على النحو التالى- وإن كان يجب أن يكون واضحاً أن دلالاتها لا تنسحب إلا على القضايا التي تناولتها الدراسة.
1- تفاوتت النسبة المئوية للعضوات المشاركات في المناقشات إلى إجمالى عدد العضوات، ويلفت النظر أن أفضل المجالس في هذا الصدد هما مجلسا 1964، و1971 بنسبة مشاركة 100% لكل منهما. وقد تكون الملاحظة الأهم التي ترد هنا أن المجلسين اللذين عرفا نظام الحصة (1979 و 1984) والذى بموجبه كان عدد العضوات هو الأكبر في تاريخ المجالس التشريعية المصرية (35 و 36 على التوالى) احتلا مرتبة دنيا في هذا الصدد بواقع 45.7% و 36.1% على التوالى بحيث لم يجئ بعدهما سوى مجلس 1969 الذي بلغت نسبة المشاركة فيه 33.3%. وقد يكون المعنى الواضح لهذه النتيجة أن نظام الحصة بحد ذاته لا يضمن مشاركة فاعلة للمرأة ما لم تكن ظروف العمل السياسي مواتية لإفراز قيادات نسائية ذات كفاءة عالية في القضايا ذات الطبيعة التشريعية. ويلاحظ بالمقابل أن نتيجة تطبيق نظام الانتخاب بالقائمة لم تكن سيئة؛ حيث يحتل المجلس الذي طبق فيه هذا النظام (1987) والذى بلغ عدد العضوات فيه 18 عضواً المرتبة الخامسة ضمن 11 مجلساً. وقد يعنى هذا أن الاختيار الحزبى لقيادات نسائية معينة ضمن القوائم أفضل من نظام الحصة من حيث نتائجه. أما أسوأ المجالس من حيث نسبة المشاركة فكان مجلس الوحدة (1960) حيث بلغت نسبة مشاركة العضوات إلى عددهن 28.5% ولا شك أن الظروف الخاصة لتجربة الوحدة وتشكيل المجلس يمكن أن تكون سبباً يفسر هذا الأداء المتدنى. (224)
2- يلاحظ ثانياً: تفاوت عدد مرات مشاركة العضوات حيث تعددت مشاركة البعض منهن بينما تدنى عدد مشاركة البعض الآخر لمرة واحدة. ولا شك أن الخبرة البرلمانية (مقاسة بعدد مرات عضوية المجالس المختلفة)، أو المهنية (مقاسة بالنشاط السياسي السابق على عضوية المجلس)، والثقافة القانونية تفسر هذه الظاهرة، فعلى سبيل المثال فإن النموذج الذي تقدمه النائبة فايدة كامل يعد مثالاً غير منافس للحالة الأولى، بينما تقدم النائبة نوال عامر مثالاً بليغاً للحالة الثانية، أما الحالة الثالثة فهناك عدد من الأمثلة المعبرة عنها مثل د. آمال عثمان، ود. فوزية عبد الستار، مفيدة عبد الرحمن، بثينة الطويل، وغيرهن كثيرات...
كما يلاحظ أن المجالس التي تميزت بأعلى نسبة مشاركة وهى (مجالس 1964 و 1971) تميزت أيضاً ببروز عضوات شاركن بفاعلية على النحو الذي بينه الجدول والذى سبق شرحه، وأن المجالس التي تدنت فيها نسبة المشاركة (1979 و 1984) تدنى فيها كذلك عدد مرات المشاركة بالنسبة للعضوات حيث بلغ عدد مرات المشاركة الواحدة 8 من 15 في مجلس 1979 و 8 من 13 في مجلس 1984، وهو ما يعزز الاستنتاج السابق بيانه في الملاحظة الأولى عن نظام الحصة.
ولمحاولة معرفة مدى تأييد النائبات للحكومة أو معارضتهن لها، تم تصنيف طبيعة مشاركة النائبات إلى مؤيدة للحكومة تماماً، ومشاركة استفسارية (ويقصد بها الاستفسار عن أشياء أثناء المناقشات وليس استخدام السؤال كأداة رقابة)، ومشاركة اقتراحية (واعتبرت هذه أقل تأييداً من سابقتها باعتبار أن مجرد تقديم الاقتراح يعنى أن هناك قصوراً غير مباشر في عمل الحكومة)، ومشاركة في الرقابة التشريعية (وهى تعنى أن العضوات في هذه الحالة يرين أن ثمة تقصيراً محدداً في عمل الحكومة)، وأخيراً الاتجاه المعارض للحكومة.
ويبين الجدول التالى نتائج محاولة قياس طبيعة المشاركة.
جدول رقم (5): طبيعة مشاركة النائبات في النشاط التشريعي والرقابي للبرلمان , بشأن القضايا التي تم اختيارها للتحليل:

جدول رقم (5): طبيعة مشاركة النائبات في النشاط التشريعي والرقابي للبرلمان , بشأن القضايا التي تم اختيارها للتحليل:

المجلس

مؤيد للحكومة

مشاركة استفسارية

مشاركة اقتراحية

مشاركة بالمبادرة

معارض للحكومة

اقتراح برغبة

طلب إحاطة

طلب مناقشة

سؤال

1957

ـ

ـ

ـ

ـ

1

ـ

ـ

ـ

1

1960

1

ـ

ـ

1

ـ

ـ

ـ

ـ

3

1964

5

1

28

1

2

ـ

1

ـ

6

1969

4

ـ

16

ـ

1

1

ـ

ـ

ـ

1971

4

ـ

12

2

1

2

ـ

ـ

3

1976

4

4

14

2

2

2

ـ

ـ

3

1979

3

4

20

ـ

3

1

1

ـ

2

1984

ـ

ـ

7

ـ

3

ـ

ـ

ـ

12

1987

2

ـ

12

ـ

1

ـ

ـ

ـ

3

1990

4

ـ

6

ـ

1

ـ

ـ

ـ

ـ

1995

2

1

13

ـ

1

ـ

ـ

ـ

ـ

الإجمالي

29

10

128

6

16

6

2

ـ

33


 

ويظهر الجدول عدداً من الملاحظات لعل أهمها ما يلي:
1- أن أهم صورة للمشاركة هى تقديم الاقتراحات وهى حالة وسط بين التأييد والمعارضة كما سبقت الإشارة إذ بلغ عدد مرات تقديم الاقتراحات 128 من إجمالى مرات المشاركة في كافة المجالس وقدرها، 230 بنسبة 55.5% أي أكثر من النصف، يلي ذلك بفارق كبير تقديم الأسئلة وهى إحدى أدوات ممارسة الرقابة على الحكومة بعدد 33 سؤال وبما نسبته 14.3% من إجمالى مرات المشاركة، ثم تأييد الحكومة بعدد 29 مرة بما نسبته 12.6%، ويلاحظ كذلك أن المبادرة بتقديم مشروعات قوانين تحتل المرتبة قبل الأخيرة بست مرات بواقع 2.6%، كما أن عدد مرات المعارضة قد بلغ 16 مرة بما نسبته حوالى 7% في مقابل 12.6% للتأييد المباشر للحكومة كما سبقت الإشارة، وربما تشير النتائج السابقة في مجملها إلى أن مشاركة الناخبات وإن لم تتخذ شكل الاختلاف مع الحكومة، إلا أنها كانت إيجابية على نحو معتدل من منظور محاولة تحسين الأداء بتقديم مقترحات - دون أن يصل ذلك إلى حد المبادرة التشريعية - وهو أمر تستوى فيه المرأة مع الرجل بصفة عامة، كما أشارت لذلك دراسات كثيرة لسلوك أعضاء المجالس التشريعية، كذلك كان السلوك الرقابى للعضوات معقولاً إلى حد ما من خلال تقديم الأسئلة التي بلغت نسبتها إلى إجمالى مرات المشاركة 14.3% كما سبقت الإشارة وإن لوحظ غياب الأدوات الأقوى كالاستجواب تماماً.
2- يلاحظ للمرة الثانية تميز مجلس 1964 في مجال تقديم الاقتراحات، فقد انفرد وحده بتقديم العضوات 28 اقتراحاً من إجمالى 128 اقتراح في كافة المجالس بنسبة 22% تقريباً، كما يلاحظ أن مجلس 1979 قد احتل المرتبة الثانية في هذا العدد بعشرين اقتراح على الرغم مما رأيناه من تدنى نسبة مشاركة العضوات فيه وهو ما يعود بالتأكيد إلى وجود عضوات بارزات مثل د. ألفت كامل، ونوال عامر، ود. زينب السبكى، ود. سهير القلماوى وغيرهن كثيرات.
وفيما عدا ذلك يلاحظ عدم وجود فروق لها دلالاتها بين المجالس في صور المشاركة الأخرى.

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon