طلقة الرحمة.. من المنظور الاجتماعي والقانوني

 خاص: "نساء سورية" 

وسميَ القتل إشفاقاً. وهو القتل بناءً على طلب المريض بمرض لا أمل بالشفاء منه وبدافع الإشفاق عليه بسبب معاناته الصحية والاجتماعية.
شرّعته بعض الدول ودانته الأكثرية الساحقة من الدول الأخرى لما رأت فيه من أنه عمل يتعارض مع القيم الأخلاقية والاجتماعية. وبما أن حق الحياة مقدس ولا يحق للإنسان المساس به، كان التساؤل حول نوعية هذا الفعل هل هو جريمة أم عمل إنساني. بهذا توجهنا نحو رجال الدين والطب والقانون. والبداية مع الدكتور محمد حسن البغا، أستاذ مساعد في كلية الشريعة، الذي قال:

بسم الله الرحمن الرحيم
القتل بدافع الشفقة مصطلح ظاهره فيه الرحمة وحقيقته الحرمان من حق الحياة المقرر شرعاً لكل إنسان، مما لا يستطيع معه أحد، أياً كان، أن يسلبه من أيٍّ كان من البشر. ولذلك لم يذهب قانون العقوبات السوري في المادة (538) إلى الإذن للضحية والجاني في إزالة حق الحياة. وإن عُدَّ ذلك ظرفاً مخففاً من العقوبة. وهذا مستمد روحاً ومعناً من الفقه الإسلامي. إذ لا يرى إباحة هذا الفعل كلاً وجزءً. ويبقى الأصل العام العصمة للنفس البشرية من أي اعتداء. سواء كان ذلك بموافقتها أو عدمه. مصداق قوله تعالى: «ومن قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً.» وقوله: «ومن يقتل مؤمناً متعمداً جزاءه جهنم وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً» ولكن الفقه الإسلامي ينظر في ذات الوقت إلى حق المقتول وأوليائه في العفو. ولهذا اختلف الفقهاء في إيقاع العقوبة من القصاص أو الديّة على القاتل أو إسقاطهما معاً والانتقال إلى التعزيز وهو بعينه ما ذهب إليه القانون. وهو سلطة تقديرية للقاضي في الراجح من آراء الفقهاء. وهنا لا بد من وقفة نقف فيها مع الجاني لنقول له: إن حق الحياة حق منَّه الله تعالى لكل إنسان في هذا الوجود فلا يملك أحدٌ نزعه منه وكل مَن تجترئ نفسه على ذلك فإنما يجترئ على معصية الله تعالى. وينصب مكاناً لا يحيط يه ولا يعلم عنه شيئاً في حكمة الله تعالى في هذا الوجود المنقسم لمرحلتين دنيوية وأخروية. وقد جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أُصرع وإني أتكشف فادعوا الله تعالى لي. فقال: «إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة وإن شئتِ دعوتُ الله تعالى أن يعافيك» فقالت: أصبر. ثم قالت: إني أتكشف فادعوا الله أن لا أتكشف «فدعى لها» (رواه بخاري ومسلم).
ونتوجه إلى الصابر المصاب لنقول له: إن الله تعالى قد جعل الفَلاَح والنجاة من النعم. والفوز بالجنان التي فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثمرةً للصبر. قال تعالى: «وبشِّر الصابرين» وقال: «يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون». وما أبعد من يجترئ على هذا الفعل الشنيع عن التقوى وعن الفَلاح في الدنيا والآخرة. لذا كان واجب المؤمن الصبر قال صلى الله عليه وسلم: «والصبر ضياء الفرج ونورٌ في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معاً». وقال: «إذا أحب الله عبداً يصب به» أي يمتحنه لأن الحياة الدنيا ليست إلا دار امتلاء وامتحان والسعادة فيها منوطة بشرع الله تعالى. والعاقبة للتقوى وإلى الله تُرجع الأمور وإلى الله المصير.
أما من وجهة نظر المسيحية فقد علق الاشمندريت يوحنا التلي، اختصاص فلسفة وعلم لاهوت، على الموت الرحيم بقوله: لا وجود لتعبير الموت الرحيم في لغة المسيحية فمن وجهة النظر المسيحي يُعد التوقف المتعمد لحياة الإنسان جريمة فهذا لا يتوافق والقصد الإلهي لأن الحياة مسؤولية من يضعها أما الذي يحيا فعليه أن يتفهمها وإن فهمنا المسيحي لمعنى الحياة والموت يمنعنا أن نقبل بإيقاف الحياة عمداً لأي مريض ميؤوس منه بل على العكس ننادي بأن يتحمل المريض مرضه باستقامة وإنسانية وصبر وإيمان وأيضاً بأمل وفرح وسط المعاناة والمرض. لذا: إن الحياة المطولة للمريض الميؤوس من شفائه تتعارض مع إرادة الله في هذا الشخص لذا فعلى المريض وجميع من حوله أن يتكاتفوا في استدعاء العمل الإلهي لتحقيق الحياة بالمعنى العميق لهذه الكلمة أي الشفاء أو الانتقال إلى الحضرة الإلهية هذا هو الموت الرحيم مسيحياً. وما عدا ذلك فالموت الرحيم يحمل جريمة قتل ويؤذي ليس فقط المجتمع الإنساني بل الذي يمارسه أكثر من الذي يقع عليه الفعل علاوة على أنه يحمل إهانة للخالق. وفي هذا يقول الكتاب المقدس: «ليس لأحد منا أن يعيش لذاته أو يموت لذاته لأننا إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت وإن عشنا وإن متنا فللرب نحن.. »
ويرى الدكتور ماهر حداد، اختصاصي هضمية وأذن أنف حنجرة: إن قصة الموت الرحيم قديمة قدم الإغريق والرومان لكن وجود الأديان السماوية فيما بعد حدَّت من هذا التقليد. وليس الطلب من الطبيب استخدام وسائل ما فوق العادية ليطيل حياة المريض المنتهي طبياً وهذه عادة تناقَش مع أهل المريض.
فالتطور التقني الحديث مثل الجهاز التنفسي الصناعي والكلية الصناعية جعلت احتمال إطالة عمر المريض أكثر حتى وإن كان غائباً عن الوعي بشكل دائم أو عنده أذيّة دماغية نهائية بالرغم من أن إطالة عمر المريض تسبب معاناة أكبر للمريض وعائلته وهذا ما يدعوه أنصار الموت الرحيم. وقد قُبل تعريف الموت الدماغي الذي هو توقف المراكز العليا في الدماغ عن العمل بأنه الزمن القانوني لإيقاف أجهزة دعم الحياة للمريض بعد أخذ الإذن من عائلته.

لكن يبقى الجدل حول الموت الرحيم الفعال شديد المعارضة من قبل الأعضاء الكثيرين في المهنة الطبية.
ومن وجهة نظر القانون السوري يقول المحامي حافظ محمد السيد : يجب تجريم هذا النوع من الجرائم وذلك ضمن الحدود النسبية للعقاب فلكل قضية ظروفها وملابساتها ومهمة القضاء الكشف عن هذه الظروف والدوافع التي أدت إلى ارتكاب هذا الفعل الإجرامي وفرض العقوبة المناسبة فالقتل الرحيم هو اعتداء على القانون وإن وافقت الضحية عليه انطلاقاً من القوانين الحامية للإنسان في جسده ونفسه وهي قوانين تتعلق بالنظام العام لأنها تشكل ضمانة لسلامة الإنسان وحياته التي هي خارج إطار الحقوق التي يمكن للإنسان التصرف بها فرضاء المجني عليه بالقتل لا يعتد به القانون وقد أخذ المشرع السوري بذلك فنص بالمادة (538) من قانون العقوبات «يعاقب بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر من قتل إنسان قصداً بعامل الإشفاق بناء على الحاجة بالطلب» فلم يعفِ القاتل من العقوبة ولم يساوِ بينه وبين الذي أقدم على إزهاق النفس البشرية بغياً وعدواناً وأوجب لتطبيق هذه المادة توافر جميع أركان القتل المقصود والبسيط في الواقعة الجرمية وشرطان الأول يخص المجني عليه بأن يكون بناء على طلبه وهو صاحب الاقتراح والمبادرة والثاني يخص الجاني بأن يكون الدافع الذي حمله إلى تلبية المجني عليه هو الشفقة فإذا تبين أن هناك أهداف أخرى لا يستفيد من التخفيف وبتخفيف العقوبة يكون المشرع قد نظر إلى العامل النفسي الذي ساور الفاعل وإلى الدافع الذي حمله على ارتكاب القتل.

8/1/2005

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon