نحن النساء المجتمعات في الدار البيضاء 11 ـ 12 ـ 13 حزيران (يونيو) 2004 نمثّل 21 جمعية ومنظمة غير حكومية في 14 دولة عربية، وبعد مناقشات مستفيضة وعرض تجارب وخبرات منظماتنا وبلداننا في مجال سياسات البلدان العربية وأشكال التعبئة والمبادرة في أوساط الحركة النسائية والمجتمعات المدنية العربية من أجل إصلاح قوانين الأحوال الشخصية، توصلنا إلى أهمية التنسيق بين الحركات النسائية العربية بخصوص تغيير قوانين الأسرة في هذه البلدان بما ينسجم مع رؤى هذه الحركات حول موضوع التغيير وآليته والشروط الضرورية له. وبناء عليه نتقدّم بهذه الأرضية (البلاتفورم) إلى الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، وإلى قوى المجتمع المدني في البلدان العربية، سعياً لإيجاد صيغ وآليات عمل مشتركة تسهم في دفع وتسريع عجلة الإصلاح في هذه البلدان. إنّ الحالة العامة السائدة في البلدان العربية مطبوعة بالظلم القانوني والمجتمعي الممارس في حق المرأة، والذي يضعها في مرتبة القاصر الأبدي على اختلاف في المستويات، يرتبط بإيقاع التطور في هذا البلد أو ذاك، دون إغفال التجارب الرائدة في بعض البلدان العربية والتي سنت فيها قوانين على قدر كبير من الاجتهاد تجسّد مطمحاً إلى المساواة. وانطلاقاً مما ذكر يمكن التوصّل إلى استخراج بعض عناصر التحليل والشروط القائمة حول التجارب المختلفة وظروفها وآليات عملها وإيقاعات الإصلاح وعناصر الجمود التشريعي الذي تم تشخيصه في العديد من البلدان العربية والتي أمكن تلخيصها كما يلي: 1 ـ دور النخب الحاكمة وحدودها: لقد اتضح أن للنخب الحاكمة دوراً كبيراً فيما آلت إليه ظروف النساء في المجتمعات العربية، وأن قضية الأحوال الشخصية في العالم العربي ليست مرتبطة بالدين وبالشريعة إلا في جزء منها، واتضح أيضاً أن شرط وجود النخبة السياسية الحداثية، إذا كان ضرورياً ،فهو غير كاف وينبغي أن يسانده عدد من الشروط لابد من توفرها لضمان نجاح عملية التحديث واستمرارها وأهم هذه الشروط هي: ـ الاستقرار السياسي في الأمدين المتوسط والبعيد لتُحدث القراراتُ الفوقية الإرادوية ديناميكية وتحولات داخل المجتمع تجعله يتملك فعلاً الإصلاحات ويحولها إلى مكتسبات ثابتة. ـ التطور المتناغم داخل المجتمع ذاته، فالتحولات ذات الإيقاعات المتباينة في المجتمع الواحد قد تنذر بتناقضات صارخة وبخطر التراجع عن المكتسبات. ـ وجود نخبة سياسية عميقة الاقتناع بما تقدم عليه من إصلاحات وترفض التراجع عمّا تحقق في هذا الشأن مهما تعرّضت إليه من ضغوط. 2 ـ الانفتاح السياسي وقوة المجتمع المدني: لقد تبيّن أن خير ضامن لبقاء الإصلاحات الفوقية هو وجود مجتمع مدني قوي بمنظماته النسائية والحقوقية وأحزابه وثقافته المدنية والسياسية بحيث يكون هو المحرك الأساسي لبلوغ الإصلاح عندما تتلكأ النخبة الحاكمة في إجرائه وذلك من خلال نضاله وضغطه المطلبي. فعلى قوة المجتمع المدني يتوقف نجاح مسألتي الإصلاح والتحديث حين الوصول إلى مرحلة تحويل قضية قوانين الأحوال الشخصية إلى نقاش مجتمعي واسع، وذلك بصرف النظر عن الحدّة التي قد تتجلى في ردود أفعال القوى المناهضة لهاتين المسألتين. وتبين أيضاً أن هناك علاقة جدلية بين مطالب الحركة النسائية والديمقراطية، ودمقرطة المجتمعات العربية باعتبارهما مسارين متكاملين يسند أحدهما الآخر. وأن التعددية تحدث على المدى المتوسط ثقافة سياسية ومدنية وديناميكية مجتمعية قادرة على تجاوز معطيات التنمية الغائبة. 3 ـ الحركة النسائية: الحركة النسائية جزء لا يتجزأ من الديناميكية والمدنية المشار إليها. ولكي تكون كذلك لابد لها من الحفاظ على استقلاليتها وتعاضدها في شكل شبكات دينكاميكية داخل البلد الواحد، بما يمكنها من بلورة آليات وثقافة نضالية تستفيد من هوامش الحرية المتاحة في كل مجتمع. ولا نعني باستقلالية الحركة النسائية القطيعة مع الأحزاب السياسية بل هي استقلالية تفرضها ضرورة خصوصية القضية النسائية فلسفياً، ثقافياً، منهجياً وتنظيمياً، وهي استقلالية تشارك وتفاعل مع السياسي بحيث تظل الجسور قائمة باستمرار مع المجتمع السياسي من جهة ومع الدولة من جهة أخرى. بما يسمح لهذه الحركة باكتساب أوسع قوى المجتمع السياسي، لحظة النقاش، ويمكّنها من أن تلعب دوراً حاسماً في إيقاف كل عملية تراجع محتملة عن الإصلاح. ولابد من الإشارة إلى ضرورة استخدام الإعلام بشكل خلاق وواقعي في معركة الإصلاح كما تجدر الإشارة أهمية العلاقة بين الحركة النسائية والنخب الفكرية في المجتمع بما يدفع هذه للتفكير الجدّي في موضوع القضيّة النسائية واقتراح مشاريع إصلاحية، علماً بأن تحقيق ذلك مرهون بانفتاح المجتمع واتساع آفاق النقاش وحرية الصحافة. 4 ـ العلاقة بالدين: بالنظر إلى واقع المجتمعات العربية وموضوع علاقة قوانين الأسرة بالدين يتضح أن هناك حضور قوي للثقافة الدينية والأعراف والتقاليد داخل المجتمع بغض النظر عن مدى قوة أو ضعف، إضافة إلى الحركات الأصولية التي تستخدم الدين كورقة سياسية. ولاشك أن الانتشار القاعدي للثقافة الدينية شبه الأصولية يشكل عائقاً أقوى أمام مبادرات الإصلاح من تلك الحركات السياسية الأصولية بخاصة أن ضعف المشروعية الديمقراطية لدى العديد من الأنظمة العربية يجعلها تختبئ وراء ما يزعمونه من احترام الشعور والتقاليد الدينية وتتخذه ذريعة كي لا تقدم على الإصلاحات الضرورية. وتختلف آراء ومواقف الحركات والفعاليات النسائية في البلدان العربية بين مدافعات عن المقاربة البيداغوجية التي تسعى لإعادة امتلاك الخطاب الفقهي وبلورة قراءة مقاصدية اجتهادية تساهم في ملائمة التشريعات العربية مع المنظومة القانونية العالمية في مجالات حقوق الإنسان، وبين اللواتي يدعين إلى الالتزام بالدفاع عن قيم العدل والمساواة والإنصاف المتعارف عليها في المواثيق الدولية انطلاقاً من متطلبات التحديث والتغيير في المجتمعات العربية، ومما يجدر ذكره أن الاختلاف في كلا الموقفين لا يؤدي إلى التعارض بينهما إذ هو اختلاف حول الوسيلة دون الغاية. إذ ان كلاًمنهما يسعى، حتماً، إلى تحقيق إصلاحات شاملة، سياسية ومجتمعية، تعتمد على مبدأ المساواة التامة ومناهضة ورفع التمييز ضد النساء في البلدان العربية كيفما تجلّى في الأسرة والمجتمع والسياسات العامّة، وتستند في ذلك إلى معطيات التراث التحرري العربي والإنساني ومبادرات الإصلاح في البلدان العربية، وبخاصة منها، مبادرات المجتمع المدني والحركات الديمقراطية فيها، كما تستند إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وإلى المواثيق الدولية الأخرى. وإلى جميع المبادىء العامة التي تضع قضايا النساء في صلب قضايا الديمقراطية والحداثة. 5 ـ آفاق العمل والاقتراحات: بعد العرض المقدّم نتوصل إلى تقديم عدد من المقترحات حول آفاق العمل أمام الحركة النسائية الديمقراطية في البلدان العربية التي يمكن تلخيصها كما يلي: ـ الحاجة إلى توثيق التجربة النسائية في كل بلد بما يساهم في تكوين ذاكرة نضالية نسائية للبلدان العربية وفي تيسير انتقال الخبرات وتبادل التجارب بما يؤدي، بالتالي إلى التأمل في كل تجربة وتقييمها وتحسين مردودية وآليات وأساليب عمل الحركات النسائية فيها. ـ ضرورة إيجاد صيغة للتنسيق بين الحركات النسائية في العالم العربي بخصوص موضوع تغيير قوانين الأسرة والأحوال الشخصية للتسريع بوتيرة الإصلاح بخاصة أن الأوضاع العربية والدولية مؤاتية له أكثر من أي وقت مضى. ـ إبداع أشكال فعّالة من التنسيق والتشبيك بين فعاليات الحركة النسائية في كل بلد، وتعميق مفهوم الاستقلالية الضامنة لديناميكية نسائية قادرة على طرح قضاياها وبرامج عملها على المجتمع وعلى القوى المدنية والسياسية الفاعلة. ـ وضع استراتيجيات خاصة لتظل الحركة النسائية مستقلّة عن محاولات الاحتواء التي تقوم بها الدولة سواء عن طريق اعتماد خطاب نسائي أو بالاستخدام الأدائي للجمعيات النسائية. ـ الربط المحكم والمستمر بين قضية إصلاح أوضاع النساء قانونياً ومجتمعياً وبين النضال الديمقراطي وتحقيق التعددية السياسية وضمان الحريات واحترام حقوق الإنسان وإقرار دولة الحق والقانون. ـ إيجاد آليات لرصد المقاومات داخل قطاع القضاء أو خارجه التي تقف في وجه تفعيل الإصلاحات القانونية، وفضحها ووضع الحلول العملية لتطبيقها. ـ ربط النضال من أجل تغيير قوانين الأسرة في البلدان العربية بالتحديث الثقافي والتخلص من الصور النمطية حول المرأة والرجل سواء في المناهج المدرسية أو وسائل الإعلام أو في الخطابات العامة. ـ النظر إلى آليات مواجهة العنف ضد النساء كجزء من النضال العام لتغيير أوضاع النساء في المجتمعات العربية.
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon