إن عدم تمتع المرأة في مجتمعنا بحقوقها على أساس من المساواة بينها وبين الرجل يستمد جذوره من التقاليد البالية والموروثة التي ترسخت عبر ارث تاريخي طويل استند الى فهم خاطىء للدين والشريعة الاسلامية هدفه إقصاء المرأة عن حقوقها لتبقى في المرتبة الدنيا من الرجل. مع المبالغة في تضخيم دورها كزوجة وأم على حساب وضعها ككائن إنساني, والحقوق المعترف بها للمرأة في معظم الدساتير تظل ضعيفة التطبيق على أرض الواقع ولاتمكنها هذه النصوص القانونية من التمتع بحقها على نحو فعال سواء تعلق ذلك بالحقوق السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية والاجتماعية من خلال تعرضها لمختلف أنواع وأشكال الاضطهاد والعنف والإهانة داخل الأسرة و في أماكن العمل أو في الشارع العام وهذا مستمد من إرث ذهني يحمله المجتمع الذكوري الذي ينظر - ومازال - للمرأة على أنها غير كاملة الأهلية . لذلك يجب على المرأة ان تقوم بنشاط ايجابي وحراك فعال في إطار المجتمع المدني مدافعة عن حقوقها ومبينة لها لتثبت قدرتها على ممارسة هذه الحقوق وأن تتصدى لكل ألوان وأشكال التمييز والتهميش التي تعاني منها حاليا لتخرج من الوضع والموقع الذي أريد لها أن تبقى فيه خانعة مستكينة ومستسلمة لواقع مظلم وغير منصف,ويجب عليها أن تتصدى بالوقت نفسه لبؤر المحافظة ومقاومة التحديث وفضح التستر وراء الدين لإضفاء المشروعية على دونية النساء. يجب على المرأة الخروج من الثوابت الظالمة التي تخمجت في صدأ ركودها, وأن تشق قشرة البلادة التي أغلقت الضمير وعطلت العقل وأبقت المرأة منكفئة على ذاتها لفترات خلت,تداهمها حالات الاكتئاب الشديد والخيبات الكثيرة التي تولد الإحساس بالظلم والألم والشعور بالقهر وطغيان الاستلاب من مجتمع ذكوري شديد القسوة عليها, اضافة لما تتحمله مع الرجل من هموم يومية ومشاكل الحياة, يدفعها الى التقوقع والتراجع الذي تضيق معه مساحة الأمل حتى درجة الاختناق. ويترافق هذا ويتحد مع بعض مواد ونصوص قوانين الأحوال الشخصية الجاري العمل بها في معظم البلدان العربية التي تكرس أفضلية الرجل على المرأة وتجعلها في مرتبة ادنى منه منتقصة من أهليتها, وأورد على سبيل المثال لا الحصر بعضا منها وهي تقييد حرية المرأة في التنقل والسفر من خلال ممارسة الزوج لسلطته على زوجته أو المتأتية من السلطات الأبوية على البنات الراشدات وما يشكله ذلك من مخالفة للدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان, وكذلك عدم استطاعتها ابرام عقد الزواج بنفسها والموافقة عليه دون ولي, مما يؤثر ذلك ويمنعها من انتقاء زوجها شريك حياتها بكامل إرادتها, وما يحمله ذلك من دلالة على اعتبار المرأة - وإن كانت راشدة - فهي تبقى في ن¯ظر تلك النصوص وبمعرض تطبيقها ناقصة الأهلية ولاتعامل على قدم المساواة مع الرجل او تتمتع بالحقوق التي يتمتع بها- فهو لايحتاج وليا ولا وصياً لابرام عقد زواجه. ومنها عدم المساواة بين المرأة والرجل فيما يتعلق بحل عقد الزواج حيث يملك الرجل وحده حق الطلاق بالارادة المنفردة, وتمنع المرأة من هذا الحق, والعدالة لاتتحقق في هذا إلا بتمتع كلا الزوجين بالحقوق نفسها في حل عقد الزواج وغيرها من المواد التي تميز بين الرجل والمرأة في الميراث والشهادة ومنع توليها بعض المناصب, مثل ان تكون قاضية ش¯رعية ولاأدري كيف يستقيم أن تكون المرأة رئيسة حكومة أو رئيسة دولة - (وهي توصلت لذلك في بلد اسلامي مثل اندونيسيا) أي هي مسؤولة وولية على كافة رعاياها ولاتكون ولية على نفسها....!!! مع العلم ان دستور الجمهورية العربية السورية - مثلا يقر بالحقوق المتساوية للمرأة والرجل على حد سواء دون تمييز بينهما, كما أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي وافقت عليه معظم دول العالم - (وتعتبر سورية طرفا فيه) - ينص في الفقرة 1 من المادة /2/ على أن تلتزم كل دولة تكون طرفا في هذا الميثاق التزام الحقوق المعترف بها في العهد وبضمان هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين على أرضها والخاضعين لولايتها دون اي تمييز في اللون او الجنس او اللغة او الدين أو الرأي السياسي او غير السياسي او الأصل القومي او الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك, حتى إن المادة الثالثة في العهد تلزم كل دولة طرف فيه بضمان تساوي الرجل والمرأة في التمتع بالحقوق المبينة في العهد . كما أن تعدد الزوجات يحمل معه اجحافا بحق المرأة وإن كان له بعض أسبابه ومستنده الديني, وهذا المستند يحمل أيضا الدعوة لعدم التعدد نظراً لعدم امكانية تحقيق العدالة بين الزوجات بقوله تعالى: (فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة, ولن تعدلوا). كما أن الغالب الأعم من الرجال الذين يستخدمون هذا الحق خرجوا فيه عن مقاصد الشريعة وأطلقوا العنان لرغباتهم وشهواتهم التي جعلت المرأة سلعة يتمتعون بها ويضيفونها الى ممتلكاتهم ومقتنياتهم.
فالشريعة الإسلامية - التي هي قاعدة الفقه - هي مجموعة من النصوص القرآنية والنبوية والتي تشكل مصدرا لاستنباط الأحكام, والفقهاء لم يستخدموا كل تلك النصوص في القرآن والسنة مادة لأحكامهم, وهذا ماجعل الأوائل منهم ينشئون علم الناسخ والمنسوخ, حيث اختاروا نسقا محدداً من النصوص اعتبروه منسوخاً - أي ليس له من أثر قانوني - واستبعدوا استخدامه مادة للأحكام, واختاروا نسقا اخر من النصوص اعتبروه ناسخاً واعتمدوه مصدراً لأحكامهم. واستناداً لهذا الفهم الصحيح يصبح للشريعة جانبان,جانب الانزال وهو إلهي وسماوي, وجانب الاختيار وهو وضعي وأرضي وهو اختيار بشري واع لنصوص بذاتها من النصوص القرآنية ونصوص السنة النبوية الش¯ريفة الصالحة والمناسبة لمجتمعهم, لتصبح قاعدة وأساسا لتش¯ريعهم, والاختيار الواعي هنا المقصود به الاختيار العقلي وهو الفهم البشري للنصوص المقدسة والذي يعتمد على العقل - وهذا ماكان يعمل به في صدر الإسلام, الذي كان فيه العقل رائداً وقائداً لاتابعاً للنص - ليؤمن حرية مرنة وغير محدودة في التعامل مع مصادر التشريع, ومثال هذا ما قام به الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه من إلغاء سهم المؤلفة قلوبهم رغم ورود النص القرآني به ورغم إنفاذه والعمل به قبل ولايته, فقد غلب الخليفة عمر رضي الله عنه العقل والمصلحة على النص, وذهب في تدليله لذلك بأن هناك حكمة من وراء كل نص فاذا توقفت أو انتفت تلك الحكمة يكون النص قد استنفد أغراضه. كما أن الفقهاء الأوائل في صدر الاسلام استخدموا في فقههم المصلحة والعرف والاستحسان وشرع الأمم السابقة ضمن مصادر التشريع, لاستخلاص القانون وتطويره كلما دعت الحاجة لذلك,حيث ان المصلحة هي مصلحة المجتمع والاستحسان هو ما يراه الفقيه صالحا للمجتمع, والعرف يتطور بتطور المجتمع أيضا, وشرع الأمم السابقة يمكن الاهتداء به اذا لبى حاجة المجتمع . فالفقه لصيق بالمجتمع ويجب عليه ايجاد الحلول لكل مسألة تستجد عبر التطور الذي يشهده العالم, أما إذا انفصل الفقه عن المجتمع ولم يساير تطوره سيبقى عاجزا عن وضع حلول للمشكلات الحقيقية التي تواجه الش¯عوب والمجتمعات حيث ان هذه الأخيرة سوف تعمل على تلمس حلول لمشكلاتهم خارج حدود الفقه الإسلامي. ضمن هذه الرؤية يمكننا مواكبة ومواجهة المشكلات التي تعترض مجتمعاتنا ونقترب من قيم العدالة والمساواة والحق والتلاؤم مع العصر والتوافق والتفاعل مع المواثيق التي أقرها المجتمع الدولي بهيئاته ومنظماته الانسانية لنتفاعل مع ثقافة الشعوب واتخاذ العقل أساسا للتفسير والتأويل,لتأمين ديناميكية تطويرية للفقه الاسلامي دون التخلي عن أصالة الموروث الثقافي, لاتعارضا مع قيم ومبادىء الشريعة الإسلامية لا سمح الله وإنما تنفيذ لمقاصدها وغاياتها .
تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon