الذين يكرهون الحرية يكرهون الانترنت

الدول العربية التي قبلت بإدخال الانترنت الى حياتها اليومية قد تتصور أنها حققت بهذه الخطوة أقصى ما يمكن المواطن أن يحلم به. وكما مع التلفزيون والقنوات الفضائية التي تبث عبر الأقمار الصناعية, فهي بلا شك تقدم خدمة كبرى للناس, بحيث تخرجهم من آفاق محلية ضيقة الى عالم أرحب. وهنا أيضا, يشعر المواطنون العرب ب"الامتنان" لحكوماتهم التي رضيت بأن يكون للعالم حضور في ديارهم. وقد كنت أذهل عندما أشاهد على التلفزيونات المحلية العربية بعض الضيوف الذين يمضون الدقائق الأولى من تدخلاتهم في التعبير عن شكرهم وامتنانهم للتلفزيون الذي استضافهم وينتهزون الفرصة للتعبير أيضا عن ولائهم للحكومة وأعضائها. وهو سلوك حقيقة لا مثيل له في أي مكان آخر من العالم. بيد أن تفسيره هو هذا الشعور لدى المواطن البسيط بأن أي فرصة يتنفس فيها بطريقة طبيعية هي منة من الحكومة يتعين أن يشكرها عليها. فالحكومة ليست هناك لخدمته, وإنما هو هناك لخدمتها!!!

منذ سنوات, قال ماك لوهان "أصبحت الأرض قرية صغيرة", وهذا الكلام سبق الإنترنت في حين يقصد به ثورة الاتصالات الحديثة. و مع دخول الإنترنت , أصبح بالإمكان أن نتحدث عن كوكبنا ك"بيت واحد" تقريبا, وليس قرية. ولكن داخل هذا البيت, هناك قبائل وعشائر يشير سلوكها إلى أنها لا تنتمي إلى هذا العصر فيما يؤكد كلامها أنها تنتمي إليه.

يعبر علماء النفس عن مثل هذا الموقف ب"الفصام", الذي يجعل الشخصية منقسمة ومفتتة. هذا على الأقل ما يمكن معاينته فيما يخص التعامل العربي مع الإنترنت . ووراء هذا الكلام منطلقات علمية . من ذلك ما أكدته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أن أغلب الحكومات العربية لم تستثن الإنترنت من القيود الصارمة المفروضة على وسائل الإعلام المختلفة ، وأن تضييق ساحة العمل السياسي أثر سلبا على العديد من مواقع الإنترنت ومستخدميه.

و قالت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" في أول دراسة تنشرها، والتي تعد أول دراسة عربية عن الرقابة على الإنترنت في العالم العربي، تحت عنوان " الإنترنت في العالم العربي : مساحة جديدة من القمع؟ " إنه ضمن أحد عشر دولة عربية تضمنتها الدراسة، لم تتح حرية نسبية لمستخدمي الإنترنت سوى في ثلاث دول هي الأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر، وأن ثماني دول ممن شملتها الدراسة تفرض قيودا أمنية شائعة بالعالم العربي.

وكانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، قد بدأت في إعداد دراستها لتسليط الضوء على استخدام شبكة الإنترنت في العالم العربي من حيث عدد المستخدمين وأسباب قلتهم، وأسباب تراجع اللغة العربية على الإنترنت، إلا أن المادة التي توفرت لديها من خلال ما نشر بوسائل الإعلام وبعض الدراسات اِلأجنبية التي أعدت عن الإنترنت في المنطقة العربية وبعض اللقاءات الميدانية، قد جعلتها تعجل بإصدار تلك الدراسة، لتدق ناقوس الخطر وتؤكد أنه على عكس المقولات الشائعة فإن الرقابة والمنع تعتبر ضمن السياسات المسؤولة عن عدم انتشار الإنترنت في العالم العربي بالإضافة إلى مشكلتي الأمية والفقر التي تعوق العديد من المستخدمين المحتملين عن النفاذ إلى شبكة المعلومات الدولية أو الإنترنت.

وقال جمال عيد المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ومعد الدراسة: "إن الحكومات العربية تتعلل دائما بحماية القيم الإسلامية والآداب العامة، إلا أن تلك الذريعة غالبا ما تستخدم كغطاء يتم تحته حجب المواقع التي تندد بممارسات تلك الحكومات سواء أكانت سياسية أو حقوقية، بل أن بعض الحكومات تحجب منتديات حوارية. وأضاف "إنه في حقيقة الأمر فان أغلب تلك الحكومات معادية لحرية التعبير وحريات أخرى سياسية أو حقوقية"

ونبهت الدراسة إلى أن بعض الدول تعتقل مواطنيها لمجرد تصفحهم لمواقع أحزاب أو قوى معارضة، بينما تنصب دول أخرى الفخاخ على الإنترنت لفئات اجتماعية بغرض الإيقاع بها، دون الأخذ في الاعتبار مدى قانونية تلك الوسائل.

وتطالب الشبكة العربية بألا يساهم المجتمع الدولي في تدعيم أكذوبة حرية الرأي من خلال القبول بعقد اجتماعات "مجتمع المعلومات" في بلدان لا تقيم اعتبارا لقيم حقوق الإنسان أو حريات مواطنيها. وأكد جمال عيد على أن "الإنترنت لن يتوقف عن نشر انتهاكات الحكومات والأجهزة الأمنية القمعية، والسجون لن تمنع مناضلى حقوق الإنسان في كل مكان من فضح الانتهاكات المستمرة."

ولطالما قيل في تبرير قمع القامعين وتسلط المتسلطين: "كما تكونوا يولى عليكم". ولكن هل يستحق العرب فعلا مثل هذه الأنظمة؟

باريس .. 22 / 2 / 2005

العدد (1) - السنة الأولى - آذار/مارس 2005

موقع جسور

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon