برلمانيون ونساء وعنف

صور ومشاهد من مؤتمر الجمعية الثاني عشر بعد المئة للاتحاد البرلماني الدولي

مانيلا، الفلبين..... من 3 إلى 8 نيسان 2005
هؤلاء البرلمانيون الذين يعطون من وقتهم وذكائهم وإبداعاتهم إنما يساهمون في تشكيل مستقبل العالم، فلقد ولّى العصر الذي كان يخلو من توجيهات البرلمانيين للسياسة الخارجية، وعلى البرلمانيين الذين يعبرون عن المصالح المشتركة والذين يختلفون بالضرورة عن الدبلوماسيين ممثلي المصالح الخاصة، أن يكونوا يقظين لترسيخ مبدأ التعاون المتعدد الأطراف للوقوف في وجه الأحادية التي أخذت تمدّ رأسها في وجه العالم..
بهذه الكلمات بدأ مندوب الفليبين الدولة المضيفة لمؤتمر الجمعية الثاني عشر بعد المئة للاتحاد البرلماني الدولي حديثه في إحدى جلسات المؤتمر، مذكراً ما للديموقراطية من فعل إيجابي في حياة العالم ومستقبله.. ولكن ماذا لو كان البرلمانيون أنفسهم يتعرضون للحيف والتعنيف أو إلى ما يمكن تسميته بالإرهاب الذي تمارسه السلطات الحاكمة في أصقاع الأرض، والذي يتمثل في كثير من الأحيان بالاعتداءات المختلفة التي تأخذ أشكال الضرب والاعتقال والإبعاد وقد تنتهي بالاغتيالات..عندئذ فليس ثمة وسيلة تنفع غير الإصرار على إشاعة الديموقراطية، والعمل على إقناع السياسيين بأهمية الحوار (الولايات المتحدة الأمريكية لا تحضر اجتماعات الاتحاد البرلماني الدولي، ولا تدفع بالطبع التزاماتها المادية نحوه) والسعي لإيجاد ضوابط دولية كمحكمة العدل الدولية التي يمكن اللجوء إليها لمقاضاة هؤلاء الذين يرتكبون جرائم ضد البشرية أو يتسببون في ارتكابها، حتى وإن كانت المحكمة لم تصل بعد إلى الفعالية المطلوبة.. تماماً كما رأت مندوبة اليابان التي أشارت أيضاً إلى أنّ النزاعات المسلحة إنّما تنشأ لأسباب اقتصادية في الدرجة الأولى، وقد تنشأ لأسباب أخرى، وهذه مسائل يجب ألاّ يغض النظر عنها، ومن مصلحة الأسرة الدولية، ألا يفلت أحد من العقاب، ومواجهة الإرهاب تتطلب القضاء على أسبابه الجذرية.
أمام العالم اليوم مهام كثيرة وكبيرة، يأتي في مقدمتها قضايا التنمية والتخلص من الفقر والديون. إنّ نحو ملياري إنسان لا يحصلون على أكثر من دولارين في اليوم الواحد، وتصل ديون البلدان الفقيرة إلى نحو 35 مليون دولار. وتحتاج البلدان الفقيرة إلى50 مليون دولار لمعالجة مشكلاتها التنموية، ذلك ما قالته مندوبة البرلمان الألماني واقترحت أن تكون هناك في الدول جميعها هيئة تتمتع بالاستقلال التام لمراقبة الميزانيات.. بينما رأى مندوب الصين أنّ المشكلة مرتبطة بالنظام الاقتصادي العالمي غير المنصف. فالدول المتقدمة لا توفر المساعدات للدول الفقيرة، ولا هي تساهم في نقل التكنولوجيا المتطورة لها، ورأى أنّ المساعدة ليست هبة، بل هي ضرورة في إطار العولمة.
كان لابد من ذلك المرور العابر على بعض ما طرح في المؤتمر البرلماني الدولي الذي توقف هذه المرة وبحسب برنامجه عند قضايا المرأة، إذ فتح نقاشاً عاماً في جلسته العامة حول (تأثير السياسات المحلية والدولية على وضع النساء).
وفي هذا الإطار جرت نقاشات مستفيضة عكست واقع المرأة في العالم أجمع، وتبين أن المساواة الفعلية غير موجودة حتى في أكثر الدول تحضّراً، وخصوصاً في مراحل المجتمع العليا أو في صنع القرار السياسي. ففي السويد دور كبير للمرأة إذ تبلغ نسبة مساهمتها في الحياة العامة 45% بيد أنّ مساهمتها في توجيه أو صناعة القرار السياسي ضعيفة جداً.
إنّ ظلماً ما، أو عنفاً ما، ما يزال يمارس ضد المرأة والطفل معاً.. وقد يقع الظلم رغم وجود القوانين التي تضمن حقوق المرأة وتصونها، وثمة أسباب كثيرة منها الفقر والحروب وتخلّف القوانين وانعدام الديموقراطية، ومنها أيضاً ما يتعلّق بالتقاليد والعادات، أو بفعل الهجرة، إذ ينقل المهاجرون أحياناً قيماً أخرى إلى بلدان المهجر المتحضرة.. كما أشارت إلى ذلك مندوبة البرلمان الهولندي ( 50% من سكان أمستردام غير هولنديين ) التي رأت أهمية إخضاع الرجل لدورات يتحسن معها أسلوبه في التعامل مع المرأة..! وقالت بأن تلك القيم تمارس سراً، فالقاضي الهولندي يمكنه منع الرجل الذي يمارس عنفاً ما ضد المرأة، ومع ذلك يمارس العنف، وتحدثت عن فظاعات الزواج الجبري وختان البنات..إلخ
ورغم ذلك فحجر الزاوية يكمن في القوانين الضرورية التي يمكن الاعتماد عليها لتثبيت الحقوق المهدورة. القوانين أولاً، ثمّ السعي لتحقيقها على أرض الواقع.
أمّا النمسا فقد تكون الأكثر توازناً، إذ بلغت نسبة النساء البرلمانيات في الانتخابات الأخيرة 30% وقد شكلت النساء نصف الحكومة، والمرأة موجودة في بعض الوزارات السيادية كالشؤون الخارجية والداخلية والعدل.. ومع ذلك فثمة خلل في بعض الميادين، ومن ذلك أنّ 78% من النساء يعملن في التعليم، وأنّ عمل المرأة يتوقف كلياً أثناء الإنجاب. وتبقى النمسا حالة خاصة.
في البرازيل يختلف الوضع، إذ رغم تحديد نسب للنساء في الانتخابات إلا أنّ قادة الأحزاب السياسية الذين هم من الرجال لا يتقيدون، ولا بدّ من البحث عن أساليب أخرى، وتنتشر في البرازيل عمليات الاتجار بالنساء، وتكثر معدلات الوفيات بين النساء، وتلعب عمليات الإجهاض دوراً كبيراً في هذا المجال.. وقد أشارت مندوبة كندا إلى هذه الناحية وقدمت إحصائية تفيد أنّ عشرين مليون عملية إجهاض تتم في العالم سنوياً، وأنّ 500 ألف امرأة تقضي بسبب الحمل والولادة.
ولابد في النهاية من الإشارة إلى أنّ مرض الإيدز الذي كان أحد موضوعات المؤتمر، ينتشر بين النساء أكثر من انتشاره بين الرجال. وأنّ دولة مثل أوغندا تنفق 30% من موازنتها على معالجة مرضى الإيدز.
ويبقى أن أشير في نهاية هذه المشاهدات الخاطفة إلى أنّ سورية مثّلها وفد مجلس الشعب الذي رأسه الدكتور نمير الغانم، وكان في عضويته كل من السادة عبد الله موصللي ومحمود الوهب وأحمد غزيّل، الذين قدّموا عدة مداخلات في المواضيع المطروحة، ومنها موضوع المرأة. تناولت المداخلات واقع المرأة السورية والأشواط التي قطعتها والطموحات الذاهبة نحوها، كما أشارت المداخلات في مجال الحديث عن العنف الواقع على المرأة في زمن النزاعات إلى ما عانته وتعانيه النساء في العراق وفلسطين بسبب الاحتلال القائم في البلدين الشقيقين.

20/4/2005

النور

التالي
« السابق
الأول
التالي »

تعليقك مسؤوليتك.. كن على قدر المسؤولية EmoticonEmoticon